الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د. حميد لحمداني: تمثيلات الـ «ق. ق. جداً»!

د. حميد لحمداني: تمثيلات الـ «ق. ق. جداً»!
24 ابريل 2013 21:55
يُعتبر الدكتور حميد لحمداني، من أبرز الأسماء المغربية التي أغنت الخزانة الأدبية المغربية والعربية بعدد كبير من المؤلفات النقدية الجادة، في الرواية والقصة القصيرة والأدب العربي عموماً. وفي كتابه الجديد الموسوم «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً»، يدخل لحمداني إلى عالم هذا الجنس الأدبي الجنسي، مستكشفاً معالم، وكاشفاً عن عناصر إدهاشاته وقوانينه الإبداعية. وفي هذا الحوار مع الناقد المغربي بمناسبة صدور كتابه، ساءلناه عن جوانب القصة القصيرة جداً في العالم العربي، والمعروفة اختصاراً بالـ «ق. ق. جداً»، فأشار إلى بداتها الإبداعية في عدد من الأقطار خصوصاً سوريا ومصر وفلسطين، وكذلك التأسيسات النظرية لها علي أيدي عدد من النقّاد. تحدث لحمداني عن وجود هذا الفن في الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى ارتباطه مع بدايات القصة القصيرة، التي أشرّت إلى بذور الـ «ق. ق. جداً»، وهو الآن فن قائم بجهود نسائية بالدرجة الأولى. وفي ما يلي نص الحوار: ? أصدرتم مؤخراً كتابكم الجديد: «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً». لماذا اخترتم تناول القصة القصيرة جداً كمجال للبحث؟ وهل نحن نعيش في عصر السرعة، أي عصر القصة القصيرة جدا؟ ?? الواقع أن «القصة القصيرة جداً» هي التي اجتذبتني منذ سنة 2005 لأهتم بها. وقد قرأت آنئذ كثيراً من نماذجها الجيدة المنشورة على صفحات الويب وفي بعض المجلات العربية وكانت منها النماذج المتألقة التي نشرتها على الخصوص ليلى العثمان في أحد أعداد مجلة «البيان» الكويتية وبعض نماذج الـ «ق. ق. جداً» التي نشرها الكتاب الشباب في سوريا ومصر وفلسطين، أما من المغرب فقد قرأت على الخصوص لمحمد بوخريص وعبد الله المتقي، بالإضافة إلى ما قرأته من النماذج الجيدة في العالم العربي. وكان ذلك عاملاً حاسماً لبدء اهتمامي بهذا الجنس القصصي المستفز والقادر بوسائله وحيله الفنية الجديدة على توصيل احتجاجاته ونقده اللاذع لعيوب الواقع بنكهة فنية غير مسبوقة. اطلعت في موازاة ذلك على نتائج المؤتمرات التي كانت نُعقد منذ أواخر التسعينات وبداية الألفية الثانية في سوريا وما نتج عنها من حوار نقدي حول مشروعية الـ «ق. ق. جداً» أو عدم مشروعيتها وما أدى إليه ذلك من بداية النشر التنظيري لهذه الظاهرة عند أحمد جاسم الحسين ويوسف حطيني وكذا ما حصل من اهتمام متميز بها في المغرب وباقي أقطار العالم العربي. كان همي الأساسي في البداية هو البحث في مدى قدرة الـ «ق. ق. جداً» على أن تفرض نفسها كموضوع لبحث أكاديمي بعد أن كان مجالها الحيوي الأول هو النشر الإلكتروني والصحفي وبعض المؤتمرات الدورية في نطاق محدود. وقد قمت سنة 2005 بعرض تعريفي مع تقديم وتحليل بعض النماذج الجيدة من الـ «ق. ق. جداً» في برنامج لدعم البحث العلمي بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس لفائدة طلاب السلك الثالث، وهو ما كان آنئذ خطوة فيها كثير من الجرأة وقد كنت أقيس بذلك مدى تقبل الشباب الباحث لهذا النمط القصصي الجديد و كانت النتائج مذهلة بالنسبة إلي مما شجعني على الاستمرار في الاهتمام بها والتحول من دراستها إلى البحث في نظريتها المنفتحة كما ظهر ذلك بعد زمن ليس بالقصير في كتابي «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً»، قضايا ونماذج تحليلية (2012). لذا أشير إلى أن اختيار الـ «ق. ق. جداً» كموضوع للبحث نشأ بشكل تفاعلي بين القصة نفسها والاهتمامات الإبداعية والتنظيرية التي كانت هي شغلي الشاغل بحكم نشاطي الأكاديمي في مجال التعليم العالي. وألاحظ مع ذلك أن الاهتمام بالـ «ق. ق. جداً» في المجال الجامعي كان مع ذلك متأخراً، وربما لا يزال كذلك إلى الآن في كثير من الجامعات العربية، وهذا أمر مقلق حقا لأن هذا النمط القصصي يعبر فعلا، كما أشرت، أحسن تعبير عن اللحظة الحالية بكل توتراتها وقلقها وسرعتها رغم كل المحاذير التي ينبغي الانتباه إليها عند اختيار النماذج القصصية التي تستحق فعلاً أن تكون صالحة لقيام دراسات جادة ومفيدة في مجال البحث الأكاديمي أو كل بحث جاد على العموم. وسؤالكم بصيغته «لماذا اخترتم الـ «ق. ق. جداً» مجالا للبحث؟»، قد يفهم منه أن اهتمامي هو هذا الفن وحده. وهذا غير صحيح، لأن مجال اهتمامي الأكاديمي هو بالدرجة الأولى النقد الأدبي ونقد النقد ونظرية الأدب وكل الأجناس السردية ومنها الرواية والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية والرحلة. والمؤلفات التي نشرتُها حتى الآن وعددها يتجاوز خمسة عشر مؤلفاً تغطي كل هذه الاهتمامات. أما الاهتمام بالـ «ق. ق. جداً»، فهو اهتمام على المستوى النظري كما ترى، بمعنى أنني أكاد لم أبرح اهتماماتي الأساسية السابقة. وأهمية الانشغال بهذا الفن تعود بالتأكيد إلى أنه يمثل أحد أهم فنون هذا العصر بامتياز؛ لأنه فعلاً شديدة التجاوب مع أجوائه المتسارعة وهمومه المتكاثرة. شكل معاصر ? حدثنا عن بداية ظهور القصة القصيرة جدا في الوطن العربي، وإن أمكنك ذلك عرج بنا على ظهورها ورصد واقعها في الإمارات العربية على سبيل التمثيل وذلك في سياق الحراك الثقافي الحاصل في هذا البلد؟ ?? هناك من يرى هذه البداية متصلة بالتراث القصصي العربي المليء بالنوادر والحكايات والطُّرف والنكات والأمثال والحكم وغيرها من صور التعبير القصصي القصير، غير أن الشكل المعاصر لهذه الظاهرة في العالم العربي قد نشأ في نظرنا في ارتباط مزدوج بين هذه الأشكال القصصية التراثية وما حصل أيضاً من تطور طبيعي لبعض القصص القصيرة أو الأقصوصات بكل ما وقع فيها من تشظير في سياق التجريب الفني التلقائي الذي قام به القصاصون في مختلف أقطار العالم العربي. وقد تكون هناك بعض المؤثرات الخارجية، علما بأن ظهور الـ «ق. ق. جداً» كان قد حصل في وقت مبكر في كثير من الأقطار خارج العالم العربي في كندا وبعض دول أمريكا الجنوبية. غير أننا نجد في العالم العربي نماذج مبكرة أيضاً في السودان وسوريا ومصر والمغرب يعود بعضها إلى أواخر القرن العشرين. وقد ساهمت ظروف العصر الجديدة التي أشرنا إليها في حفز المبدعين على الكتابة من خلال هذا النمط المعتمد على الإيجاز والمفارقة والنقد اللاذع مع التركيز على الهموم الذاتية. وهناك على العموم اختلاف بين الأقطار العربية في ظهور البدايات الأولى للـ «ق. ق. جداً»، علماً بأن الأشكال التي يُشار إليها على أنها تمثل البدايات، دائما تكونُ حاملة لتسميات مخالفة كالأقصوصة أو القصة الصغيرة أو الأقصوصة الخاطفة ، وإذا جاز لي الحديث عن بعض الأقطار العربية التي شهدت ظهور الـ «ق. ق. جداً» حديثاً فإننا تجد مثلاً في الإمارات العربية حدوث طفرة قصصية سائرة في هذا الاتجاه، لكنها مرتبطة في نفس الوقت بالتطورات الكمية والنوعية التي حدثت في إبداع القصة القصيرة، فالتاريخ الحقيقي لظهور القصة القصيرة نفسها في هذا القطر العربي بدأ بنشر مجموعات قصصية في السبعينات من القرن الماضي وتضمنت النماذج أحياناً أقصوصات شديدة القصر تتناسب مع اللحظة التاريخية وتمهد لظهور الـ «ق. ق. جداً» فيما بعد. نجد ذلك على سبيل المثال في ما أشار إليه الناقد عبد الفتاح صبري في محاضرة له حول موضوع القصة الإماراتية القصيرة جدا، فقد أكد أن البداية الفعلية لنشأة هذا الجنس الجديد كانت في التسعينيات مع القاص ناصر جبران في إصدار له تحت عنوان: «نافورة شظايا». وتوالت بعد ذلك المحاولات بإصدارات نسائية على الخصوص، كما هي الحال عند: عائشة عبد الله محمد علي، في مجموعتيها: «ما بعد الطوفان» و»أوراق امرأة» وقد وَصَفَتْ هي نفسُها نماذجَها بأنها قصص صغيرة، ربما لعدم شيوع مصطلح الـ «ق. ق. جداً» في محيطها الثقافي آنئذ. ثم نجد ذلك أيضا عند القصاصة والفنانة التشكيلية والمترجمة عائشة خلف الكعبي، وخاصة في مجموعتها «لا عزاء لقطط البيوت» التي اهتمت فيها بقضية المرأة على الخصوص. ومن الأسماء المتداولة في هذا النمط القصصي الجديد في الإمارات العربية دائما نذكر القاص سلطان العميمي وخاصة في مجموعته الثانية: «تفاحة الدخول إلى لجنة» (2012) التي لقيت اهتماماً خاصاً لكونها تتضمن إلى جانب القصص القصيرة، عدداً من القصص القصيرة جدا بعضُها لا يتجاوز السطرين. ومن التعليقات التي وردت بصددها أنها مدهشة وساخرة في معالجتها لسقوط الإنسان في مهاوي التشيُّء. (انظر الرابط التالي لموقع الرمس http://forum.alrams.net). وعلى العموم فهناك انطلاقة في الاهتمام الـ «ق. ق. جداً» في دولة الإمارات بزعامة نسائية ملحوظة، ويظل الطريق مفتوحاً لترسيخ المصطلح والاهتمام بالفنون القصصية عامة في ظل الحراك الثقافي الذي يشهده هذا البلد بمختلف أنشطته الأدبية والفنية والنقدية المعززة بالمكافئات التشجيعية للمبدعين على المستويين المحلي والعربي. النص والإنترنت ? ماذا تقولون عن علاقة القصة القصيرة جداً بالنص المنشور على الشبكة العنكبوتية؟ ?? شرحتُ هذا الجانب بإسهاب في كتابي المشار إليه أعلاه. وأكَّدتُ فيه أن الـ «ق. ق. جداً» هي فن قصصي استثنائي لقدرته الهائلة على التكيف مع الوسائط التواصلية في العصر الحديث، فقد استطاعت أن تقتحم مبكراً هذه الوسائط وأهمها صفحات الويب بكل ما يحكمها من ترابط متعدد المنافذ والتفريعات، هذا مع العلم أن التجربة القصصية في هذا النمط اعتمدت في ذيوعها على الويب وكانت بعض نماذجها الورقية قد كتبت بطريقة تماثل العلاقة القائمة بين الروابط الشبكية، بحيث يكون لدينا مجموعة من القصص القصيرة جداً ترتبط مع بعضها البعض شكلياً ومضمونياً أو يكتمل إدراك بعضها بقراءة البعض الآخر أو تتصادى نماذجها مع لوحات تشكيلية منشورة إلى جانبها أو في لوحة الغلاف أو في عتبات الإصدار القصصي. وهناك من لجأ إلى نشر نماذجه على صفحات الإنترنت مرفقة بمؤثرات ضوئية آو صوتية أو هما مها، فضلاً عما تتيحه الشبكة من إمكانات الرجوع إلى المعاجم أو الموسوعات أو التعريفات بالكاتب نفسه أو بخصائص كتاباته الأخرى في اللحظة نفسها التي نقرأ فيها قصصَه أو نقيم حواراً مع قراء آخرين حول هذه القصص على هامش قراءتها إلى آخر ما تتيحه الشبكة الإلكترونية من إمكانيات الانطلاق من النص في اتجاه أصقاع ثقافية واجتماعية وفنية ومعرفية بعيدة، ثم العودة مجدداً إلى النص في لحظة خاطفة. والواقع أن هذه الإمكانيات تستفيد منها الـ «ق. ق. جداً» بصورة أكبر نظراً لحجمها القصير ولأبعادها الإيحائية الواسعة. ومن جانب آخر سهَّل إيجازُها تداولَها السريع بين القراء سواء من رواد الشبكة الإلكترونية أم من مقتني الصحف والمجلات والمجموعات القصصية المنشورة. هذا ما يجعل الـ «ق. ق. جداً» فن العصر الحالي بامتياز.. جهود النقّاد ? أين وصلت جهود نقادنا العرب المنظرة للقصة القصيرة جداً؟ ?? إنها وصلت إلى ما تم شرحه في الكتب والدراسات التي صدرت حول نظرية القصة القصيرة وتحليلها، وهناك كتب كثيرة في العالم العربي عالجت هذا الفن القصصي المتميز أذكر منها في المغرب ما يلي: - المفارقة القصصية. محمد شويكة. 2007 - القصة القصيرة جداً. عدد ممتاز من مجلة مجرة، المغرب- خريف 2008 - القصة القصيرة جداً بالمغرب، المسار والتطور. د. جميل حمداوي 2008 - القصة القصيرة جداً قراءة في المتون. جميل حمداوي. 2009 - القصة القصيرة جداً في المغرب، تصورات ومقاربات. د. سعاد مسكين. 2011 - القصة القصيرة جداً. نور الدين الفيلالي. 2012. - نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً (قضايا ونماذج تحليلية) د. حميد لحمداني 2012 أما في بقية البلدان العربية فنشير أيضا إلى النماذج التالية على سبيل التمثيل لا الحصر: - القصة القصيرة جداً. أحمد جاسم الحسين. 1997. - القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق. يوسف حطيني. 2004 - شعرية القصة القصيرة جداً. جاسم خلف إلياس. 2010 - شعرية الواقع في القصة القصيرة جداً. عبد الدايم السولامي. 2007 ومن وجهة نظري الخاصة، أرى أن هذه الدراسات والمؤلفات النظرية والتطبيقية استطاعت مجتمعة أن تحدد المعالم والخصائص الأساسية لهذا الجنس الأدبي الجديد اعتماداً على المعطيات المعرفية للنظرية السردية من جهة وعلى قراءة واستقراء النماذج القصصية ذاتها، واستخراج خصوصياتها التعبيرية والبنائية والدلالية، الماثلة في الإيجاز والتكثيف والمفارقة والإيحاء والإدهاش مع الميل إلى الطابع الشعري واللقطة السينمائية أو المسرحية. كل ذلك إلى جانب محاولة تحديد طبيعتها الخاصة ووظيفتها في العصر الحالي، على أني ألححت بشكل خاص في كتابي المشار إليه في القائمة أعلاه على أهمية وضرورة تبني نظرية منفتحة تراعي ما حصل ويحصل وسيحصل من تطور في ممارسة وكتابة الـ «ق. ق. جداً» وما يتبع ذلك من تغيرات في البنية والخصائص والاهتمامات المدلولية. هذا ما يُحصِّنُ النقادَ والقراء على السواء من الوقوع في شرك النزعة المعيارية التي كانت سيفا مسلطا على مبدعي كثير من الأجناس الأدبية خلال عقود تاريخية طويلة. ونشير بالخصوص إلى المقاييس البلاغية التي كانت قواعدها عند بعد النقاد أداة رقابة قاسية على الشعراء في أزمنة متفرقة ولا يزال أثرها قائماً في عقول كل المحافظين على المقاييس التقليدية للشعر على سبيل المثال. وقد توزعت مهمة الحركة النقدية التي واكبت نشأة وذيوع الكتابة في مجال الـ «ق. ق. جداً» في الواقع إلى اتجاهين أساسيين: الأول كان حريصاً على بناء بلاغة خاصة بالـ»ق. ق. جداً» تحدد طبيعتَها وخصائصها الثابتة، وهو ما ثبَّتَ صورة معيارية جديدة، والثاني يدافع عن حرية الإبداع في هذا الجنس القصصي الجديد. وإذا كان هذا الاتجاه الأخير يقبل بمحاولة تحديد خصائص الـ «ق. ق. جداً» ووظائفها الحالية، فإنه يدرك دائماً أن تطور الممارسة الإبداعية القصصية يجعل من الضروري القيام بتعديلات دائمة على تلك الخصائص في التنظير؛ لأن الإبداع في حد ذاته مهما كان الجنس الأدبي الذي نتحدث عنه يرفض الثبات والنمذجة النهاية. نظريات وسمات ? وأين وصل التنظير لهذا التنوع الأدبي الجديد الآن في المغرب؟ ?? وصل إلى ما ذكرتُه قبل قليل، أي إلى تبني النظرية المنفتحة أو إلى ما سُمِّيَ أحياناً بحرية التجريب أو ترك المبادرة للتقنوقاص ليمارس لعبة الحكي ويستثمر حريته في الإبداع. على أن لديَّ بعض التحفظ على ميل البعض إلى إلغـاء كل مبادرة تنظيرية من قبل النقاد والمهتمين، لأنني لا أتصور تطوراً لأي فن قصصي دون أن يكون التنظير أو التحليل النقدي عاملان فاعلان في تحريك همة المبدعين وحثهم على الإتيان بالجديد. فلم يحصل في التاريخ أن كان الإبداع موجوداً وحده في الساحة الثقافية حتى في بدايات ظهوره الأولى. فالتفاعل الحاصل بين فعل الإنتاج الأدبي وفعل القراءة يولِّـد على الدوام وبشكـل تلقائي ومباشر حواراً حول الإبداع وحول مقاييس التقويم نفسها. وهذا هو المنتِج الأساسي للشرارات الجديدة للإبداع ولتطوير النظرية الأدبية ذاتها. ? برأيكم ما هي أهم السمات التي يجب أن تتضمنها القصة القصيرة جداً؟ وهل هناك معايير فنية يجب أن تتوافر في هذا الجنس الأدبي؟ ?? ليس هناك في قاموس النظرية المنفتحة عبارة اسمها «ما يجب أن يكون أو ما ينبغي أن يحصل في النص القصصي..». النظرية المنفتحة تركز بالدرجة الأولى على ما حصل وما حَضَر في الفن من تقنيات وأفكار ومميزات، وقد تتمكن من توقع ما هو ممكن الحصول دون أن يكون ذلك خارجاً عن نطاق المحتمل أما ما هو واجب الوقوع فلا يدخل في نظري ضمن مهام النقاد أو المنظرين. ومن هذه الناحية نفسها أرى أنه من الغريب أن نلجأ مثلاً إلى تقديم النصيحة أو الإرشاد للقاص لكي يفعل كذا أو يكتب على منوال كذا، فهذا كان هو دور التوجيهات التي قام بها المعياريون من البلاغيين وقام بها أيضا الأيولوجيون المتشددون الذين اعتبروا أنهم قد امتلكوا تصوراً نهائياً عما ينبغي أن يكون عليه الإبداع في فن من الفنون وما هي القضايا والقيم التي ينبغي أن تكون ماثلة فيه وإلا جانَبَ كونَه إبداعاً. ? هل يمكن أن نقول إن القصة القصيرة جداً سحبت البساط من تحت القصة القصيرة؟ ?? من الصعب تبني مثل هذا الرأي الآن؛ لأن القصة القصيرة لا تزال تمارس دورها، إنني فقط أحس من جهتي الخاصة أن دورها ربما أدركه بعض الفتور، لكني لا أجازف بالقول بأن البساط قد سُحب تماماً من تحتها بظهور الـ «ق. ق. جداً». ومن جهة أخرى أرى أن الفنون قد تسترد عافيتها في زمن آخر بأشكال تعبيرية جديدة وموضوعات ملائمة للحظة تاريخية معينة. هذا ما حدث للرواية في شكلها الرومانسي الذي كاد في نماذجه المتأخرة يعلن إفلاس الرواية، لكن النزعة الواقعية أنقذت الرواية باعتبارها فناً، وجددت الروايةُ نفسها بعد ذلك في النموذج الإشكالي ونماذج تيار الوعي فيما بعد. ومن يدري فقد تجد القصة القصيرة لنفسها مخرجاً من هذا الفتور لتضاهي الأدوار التي أخذت تقوم بها الـ «ق. ق. جداً» حالياً. وعلى العموم ليس هناك في نظري أفضلية لفن على فن أو جنس أدبي على جنس آخر وإنما هي أدوار تقوم بها مختلف الفنون عبر مسار التاريخ تتفاوت فيها تألقاً وفتوراً. السؤال الأساسي الذي يمكن طرحه في هذا الباب هو: ما هي الفنون التي تجعل نفسها بحكم التطور أنسب الأشكال للتعبيرية عن لحظات تاريخية بعينها؟ ولعلي ذكرت سابقاً من ذلك، قدرة الـ «ق. ق. جداً» على القيام بأدوار حاسمة في عصرنا الحالي، وهو ما يكفي لإثبات هذه الصدارة عن جدارة واستحقاق. مؤلفات لحمداني للدكتور حميد لحمداني، قائمة طويلة من المؤلفات المختصة بالنقد الأدبي، هنا أبرزها: «من أجل تحليل سوسيو بنائي للرواية، رواية المعلم علي نموذجاً»، «الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي»، «في التنظير والممارسة، دراسات في الرواية المغربية»، «أسلوبية الرواية، مدخل نظري «، «سحر الموضوع»، «النقد الروائي والأيديولوجيا»، «بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي»، « النقد النفسي المعاصر، تطبيقاته في مجال السرد «، «كتابة المرأة من المونولوج إلى الحوار»، «الواقعي والخيالي في الشعر العربي القديم، دراسة نقدية (العصر الجاهلي)»، «النقد التاريخي في الأدب رؤية جديدة»، «القراءة وتوليد الدلالة»، «الترجمة الأدبية التحليلية ترجمة شعر بودلير نموذجاً»، «الفكر النقدي الأدبي المعاصر (مناهج ونظريات ومواقف)».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©