الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ستوكهولم مدينة تتربع على عرش الماء والحدائق

ستوكهولم مدينة تتربع على عرش الماء والحدائق
16 ديسمبر 2009 00:05
تمثل استوكهولم، عاصمة مملكة السويد، إحدى أجمل المدن في العالم، وربما لا يوجد لها مثيل بالجمال والنظافة والأناقة والتنسيق، وهي تقوم على 14 جزيرة تربط ما بينها شبكة من الجسور يبلغ عددها نحو 40 جسراً، إضافة إلى المراكب المتنوعة التي تعبر الممرات المائية الفاصلة بين تلك الجزر. وقد أنشئت المدينة قبل 700 سنة، كميناء على بحر البلطيق، وهي في تنافس دائم بين البحر وبحيرة “مولارين”، حتى كأنها تعوم على الماء، وأول ما يلفت نظر الزائر تلك الورود الحمراء الزاهية التي تطل عليك من شرفات المساكن. ويكفي أن نتذكر أنها العاصمة التي تشغل المبدعين في العالم من أدباء ومفكرين وعلماء، وهي تستعد لإعلان الفائزين في جائزة نوبل في موسمها السنوي من كل خريف. تبلغ مساحة المدينة 4900 كم مربع، يغطي الماء حوالي 30% منها، ويشكل البساط الأخضر من حدائق وأحواض نسبة مماثلة. شبكة المترو عبر المدينة تمتد حوالي 110 كيلومترات، أكثر من نصفها تحت السطح، وعليها ما يقارب 100 محطة، حوالي نصفها في الأنفاق تحت الأرض، لكن تلك الأنفاق لم تترك جرداء على حالها، بل حولها الفنانون السويديون إلى أطول متحف تشكيلي في العالم. وإلى جانب الطرق والمترو، هناك المراكب على اختلاف أحجامها وأنواعها. وربما لا يصدق الزائر أن بلاد السويد تضم 24 ألف جزيرة ما بين صغيرة وكبيرة، يمكن أن يقضي الإنسان عمره كاملاً وهو ينتقل من جزيرة إلى جارتها، ولا ينتهي. وفي أهم شوارع المدينة ترى لوحة برونزية على الرصيف تحمل اسم رئيس الوزراء “أولوف بالمه”، في ذلك الشارع جرى اغتياله بعد خروجه من السينما وبصحبته زوجته في 28 فبراير 1986. كان شخصية بارزة ومحبوبة في بلاده وعلى مستوى شعوب العالم المحبة للعدالة والسلام. وعملاً بوصيته، كانت مراسم الدفن متواضعة، وكذلك المكان الذي دفن فيه، بمستوى الأرض في حديقة الكنيسة المجاورة، وهناك صخرة كان أثناء دراسته يحب أن يدرس قربها، وبناء على طلب زوجته نقلت ووضعت بقرب اللوحة التي تحمل اسمه. لم نكن وحدنا في تلك الجولة، بل كنا مع مجموعة أدباء من المغرب والصين وبريطانيا وإيران وفلسطين، وكانت جولة حرة في المدينة بلا برنامج ولا دليل. مدينة للشعر على مدى الأيام العشرة كنا ننطلق من فندق كريستال بلازا لنواصل طريقنا إما في نفق طويل يمر تحت الأبنية ليختصر المسافة إلى مركز المدينة، أو نسير في شارع بيرجر جارل مؤسس استوكهولم قبل حوالي 700 سنة، ثم ننعطف لنمر في حديقة “ميليس” التي أخذت اسمها من النحات السويدي المعاصر كارل ميليس الذي كان يحب هذا المكان، مع أنه كان يعيش خارج البلاد، ويزورها في كل صيف، وأمام هذا المبنى المسمى بيت الفن وفيه تقدم الحفلات الموسيقية (الكونسيرت)، ترتفع تماثيل من أعمال ذلك الفنان، ويرى الزائر في الطرف المقابل من هذه الساحة باعة الفواكه والخضار واقفين بجانب عرباتهم المثقلة بألوان الثمار والبقول. ومن هناك يمكنك أن تواصل المسير إلى بيت الثقافة، ومحطة المترو الرئيسية، حيث تطل أبراج الكاتدرائية، ويمكن أن تمضي إلى بيت الأدباء بالقرب من شارع الملكة الذي يتوسطه ويمتد في وسطه شريط نحاسي حفرت عليه أبيات من الشعر، ويأمل الزائر عندما يتجول في شارع الملك وما يتقاطع معه لتختار أحد المقاهي والمطاعم المنتشرة على الجانبين وشغلت طاولاتها الرصيف، لأن هذه الشوارع خاصة بالمشاة ولا ترى فيها سيارة. طيف نوبل زائر ستوكهولم لا بد أن يتوجه لمشاهدة المدينة القديمة (جاملا ستان)، القائمة على أربع جزر، حيث بنى ريجنر كارل، مؤسس المدينة، قلعة حصينة على إحدى الجزر الأربع، الفاصلة بين بحيرة “مولارين” وشاطئ بحر البلطيق. وفي هذه الجهة، كما في معظم المدن القديمة، ما زالت المدينة تحتفظ بأزقتها الضيقة الملتوية، وأرضها المرصوفة بالحجارة، كما أن المحال والمقاهي والمطاعم تحتفظ بصناعاتها التقليدية وتحفها وأشغالها اليدوية بألوانها الزاهية الأصيلة. ويمر الزائر هنا بمبنى البرلمان، كما يطل على القصر الملكي، ومتحف آثار القرون الوسطى. الأكاديمية السويدية وارتباطها بجائزة نوبل لا تغيب عن بال الزائر، وقد توجهنا إليها في التاسعة صباحاً. لكنا فوجئنا بأن التصوير لم يكن مسموحاً في أجنحتها وقاعاتها الداخلية، وقد اكتفينا بجولة سريعة، بين الكتب والوثائق المعروضة، وتأملنا الشريط السينمائي المتحرك وهو يعرض الصور الخاصة بوجوه وأسماء الأعلام الذين حصلوا على هذه الجائزة. ولعل الساحة الواقعة أمام واجهة الأكاديمية تغري بالزيارة أكثر من مرة، حيث تجد جموع الزوار يجلسون على المقاعد الموجودة هناك ومنهم من يتوجه إلى داخل الأكاديمية لمشاهدة هذا الصرح العلمي العالمي والاطلاع على ما يحتويه من وثائق وكتب وذكريات. زهور حمراء من هذه الساحة تنتقل عبر أزقة متعرجة فتمر بتماثيل مختلفة تمثل شخصيات مهمة لأدباء وفنانين، وربما كان تمثال الخضر (مار جرجس) وهو يصرع التنين من على صهوة جواده. كما يتصف البناء المعماري القديم في هذه الأحياء بالقرب من بعضه حيث يوحي بالحميمية، وكل شرفات البيوت في هذه المدينة تتزين بالزهور وأغلبها لونها أحمر. ولا بدَّ من كلمة أخيرة لمطار آرلندا القريب من العاصمة، إنه مطار بسيط، ولكن طيب المعاملة وحسن الاستقبال تجعلك تحس أنك في بلد صديق مألوف بكل ما في الصداقة والألفة من مودة وراحة واطمئنان.
المصدر: ستوكهولم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©