السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة مقابل الخلاص

الكتابة مقابل الخلاص
24 ابريل 2013 21:57
في مطلع وليدها الأول المعنون «فتاة السقف.. تبتسم» يمكن أن نلتقط فلسفة روان طلال عن الكتابة كأول ما يلفت الانتباه حال قراءتها، فهي تقول - في نص أحجيتنا- «الكتابة هم، الكتابة قضية، حلم، أمنية، ثورة، تمرد، الكتابة هي كل أغنية تستهويك، كل موقف يبكيك، كل حادثة تستفز الفرح، كل أمنية تقودك للجنون».. بهكذا عفوية تقرر طريقتها، وسقفها الذي ترفعه بيديها لتضمن نجاحا لخلاصها بالكتابة، تتأبط حقيبة مليئة بالغياب والحزن والفقد ثم تشرع في ملء هذه الفراغات الغائرة بالكلمات: «على بابك تبقى الكلمة معلقة وتنتظرك.. الكلمة: قضيتي الصغيرة وصوت احتجاجي ضدك.. الصوت اللامسموع» إلى أن تصل إلى جوهر آخر يدفعها لمزيد من الكتابة: «وتبقى الكلمة معلقة دون أن تتحرر كما يجب».. وهذه (الكما يجب) هي ما يظل الكتاب والشعراء يبحثون عنها ولو في لاوعيهم البعيد وعقلهم الباطن. تنعتق روان متذرعة بلغة خفيفة وعفوية وبسيطة، لغة قريبة تحاول أن تصل بنا إلى عوالمها وفضاءاتها دون تعقيد بل وبنص لا ترغب في تصنيفه حتى لو ارتدى قوالب قصيدة النثر أو القصة القصيرة، ولعل ذلك قادم من فلسفتها في الكتابة أيضاً هذا الكائن الذي يشبه القدر.. نكتبه فيستمتع به القراء ويصفقون بحرارة حتى لألمه وحزنه. تقول في نص آخر: «ما المثير في قراءة نص يبكي فيه صاحبه فراق حبيبته؟ موت والدته؟ ويفضح ضعفه الذي خلفه جذلان أصدقائه وعنف وطنه..»، وتؤكد الفكرة ذاتها مثنية: «ما نوع البهجة التي ستحصد بعد سماع صوت يقول أمام الملأ أنا حزين، أنا وحيد، أنا مصاب بالبارانويا وطبيبي يتهمني بالشيزوفرينيا؟».. إنه التفكير بصوت مسموع نحو فلسفة الكتابة ذاتها، إذ لا يمكن سوى البحث عن أمكنة جديدة وقوالب ولغة ومضامين، وهذا أمر آخر يدعوها للكتابة في هذا الفضاء المفتوح بعيدا عن التصنيف أو القوالب أو تأطير فضائها.. الكتابة كخلاص كفكرة طارئة على البال، كصديق قريب، بعفوية أغنية وهامش واسع للتفاصيل واليوميات وكلحظة واحدة كالكلمة المالحة في فم القصيدة، كما تقول في نص «كلام مالح»، وهذا ما يتناسب كذلك مع عوالم وأجواء كتابها خصوصا مع الغياب وحكاياته وما يمكن أن يفضي نص مثل «أغنية في عنوان» مما يؤكد شروعها نحو نص بلا ذاكرة، بل يبدأ من نقطة جديدة وكأنه أغنية بلحن جديد: «أكتب لك وأنت المسرف في غيابك، كلمة بجانب كلمة، نص فوق نص، أغنية في العنوان، قبلة في الحاشية، وتنهيدة على باب النقطة الأخيرة». الكتابة كحالة من المعاش ولغة الأنفاس، الكتابة كرئة خفية تضج بالهواء دون علمنا أحياناً: «أغرق في كتابة قصيدة أجدها دون أن أدري» كما في نص «حاضراً في أوجه الغياب»، وليس الغياب وحده من وجدت روان خلاصه بالكتابة، بل ثمة أسئلة أخرى على جوانبه وبعيداً عنه، كذلك فالخوف والرحيل والفقد ومواسم الحب والانتظار لكنها غالبا مرتبطة بهاجس الكتابة التي وجدتها تنتظرها على شاطئ بحر الأسئلة في عالم متشابك ومعقد: «كتبت لك على جدار العمر ما لا تقرأه.. كتبت لك بلوعة المحب ما لا تلتفت له، كتبت لك من أجل عودتك ما لا يعيدك.. نذرت سيلاً من القصائد..». وفي نص «بقايا صورة» تقول: «أكتب ويد على القلب أكتب وقصيدة تصعد نحو الأعلى وتسقط.. أكتب ولا يعيدك لي طريق»، وفي نص قصير جداً تحت عنوان «عابران»: «عابران في سطر ثم ينتهي النص دون أن يجمعنا العنوان»، ثم الكلمة التي تؤمن بها الكاتبة روان طلال ساطعة ومضيئة وتحمل فصلاً حاسماً للأمور، لكنها تختبئ والويل لو طال هذا الاختباء دون أن تنكتب: «كل ما في الأمر أن الكلمة التي تخصك ولم أقلها بعد، أحدثت ندبا في قلبي».. هكذا تكتب روان نهايات قصائدها ونصوصها التي لا تشاء لها نهاية حاسمة ومحددة ونقطة أخيرة، بل الكتابة كنافذة مفتوحة على المارة وكل من يعبر بقربها أو أمامها يلتقط عبر زاوية تمثل حسه وشعوره بالأشياء، وما يمكن أن يحصده من هذه الفتاة: «الصبية التي رهنت أيامها بخريفها وربيعها للانتظار لم تحصد إلا الوحدة» كما تقول في أحد نصوصها. تسجل روان خسرانها وثقل الحياة على كاهل أسئلتها وتمضي بالكتابة، زوادتها اللغة وذاكرة صفحات في مهب الريح: «الصفحة الوحيدة التي تعترف بي، أنا صبية تموز المزاجية..» و»ليل على الذاكرة»، ثم تكتب في ذاكرة الصور: «الابتسامة التي واجهت سطحية العالم.. الابتسامة المنتصرة..»، ها هي الكتابة راية انتصار ربما على الحياة بجيشها الحزين أو على صفحات الغياب، وذاكرة فتاة في مقتبل النص والحياة تشرع أول فصول إبداعها بكم من النصوص تقترح لها شكلاً خاصاً، وتحمل حتى مغامرتها معها تلك المغامرة أو التجريب الذي وفقت في تخليصه من الكتابة العادية وغير المسؤولة، والتي نقرأها في تجارب جيلها ليكون خطوة أولى بجدارة تنبئ بما هو أجمل وأوسع أفقاً في تجارب قادمة.. وها هي روان طلال تنادي عميقاً «يا أيها العالم الماضي في دربك.. اسمعني، أنا التي أكتب لقلبي.. هذا القلب الذي أقف أمام احتجاجاته بأعذاري الواهية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©