الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زعزعة السائد.. تخيّل المستقبل

زعزعة السائد.. تخيّل المستقبل
24 ابريل 2013 21:58
شهد المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، والذي أقيم أخيراً واستمر لمدة تسعة أيام، مشاركة 30 عرضاً تم اختيارها بين 70 عرضاً، وقد أقيمت العروض على مختلف مسارح القاهرة وذلك بمناسبة الاحتفال بيوم المسرح العالمي الذي تزامن مع انطلاق المهرجان. وظفّت العروض على اختلاف مدارسها رؤاها ومعالجاتها لمناقشة قضايا الواقع السياسي والاجتماعي المصري، مؤكدة انشغال المسرحيين كتابا ومخرجين وممثلين بما جرى ويجري من متغيرات منذ انطلاق الثورة المصرية، ومن أبرز هذه العروض «ليلي الجنوب»، «البيت»، «ساحرات سالم»، «السهرة»، «فرجينيا وولف»، «حنظلة»، «الحبل»، «ايزيس مونامور»، «علاقات خطرة»، «عرض خاص»، «في انتظار اليسار»، «الصعود إلى القلعة»، «حريم النار»، «أنت لسه حر»، «ماكبث»، «لو عرف الشباب»، «حصريا»، «يا هاملت»، «أبو شامة»، «كراب واللعبة وجودو»، «عدو الشعب»، «اسمع يا عبد السميع»، «ثلاثة عروض وفرقة واحدة»، «عشي ليلي»، «الصندوق الأخير»، «القطة العميا»، «هي مولد»، «تحت التهديد»، «الكوتش». غواية وحب وقد أكد د. محمد صابر عرب وزير الثقافة في افتتاح المهرجان حرصه على أن يستمر المسرح وظيفة وحلما وثقافة ووعيا في تاريخ هذا الوطن، وقال إن المسرح المصري لعب دورا وطنيا في الوعي الاجتماعي والثقافي والسياسي طوال القرن المنصرم، مؤكداً على الحرص في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ هذا الوطن على استعادة روحنا وثقافتنا وهويتنا، فالقضية في مجملها أن إحياء كل الجهود المخلصة من الشباب الذين بهم غواية وحب المسرح باعتباره فنا راقيا وأحد أدوات الوصل الإنساني والحضاري مع تاريخ متواصل عبر هذا القرن المنصرم وحركة مسرحية أوجدت مناخا اجتماعيا وثقافيا وفنيا رائعا من خلال أجيال متعاقبة. وأضاف أن تلك الحركة لم تكن في القاهرة وحدها، وإنما في كل المدن والمحافظات، وقال إن النهضة المسرحية في الستينات والتي كتبها بخط يده الرئيس جمال عبد الناصر وهو يضع مشروعه الثقافي وهو الثقافة الجماهيرية، مؤكداً أن عبد الناصر كان لديه حلم ومشروع ثقافي كبيرا من خلال المسرح والسينما وأكاديمية الفنون ونفذ هذا المشروع آنذاك وزير الثقافة ثروت عكاشة لكي يحيلها إلى أعمال فنية مبدعة أوجدت حالة من بعث الروح الوطنية والثقافية والفنية في كل ربوع مصر. وأشار إلى أن المسرح المصري سيظل في هذه اللحظة الحرجة التي يمر بها الوطن عقب هذه الظروف الصعبة في كل الأوطان الكبيرة وقطعت شوطا كبيرا في الحضارة فكرا وإبداعا حتى في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية مرت بظروف ولكنها كانت بمثابة ميلاد وبعث جديد للفنون والآداب والثقافة. وقال «إننا مقبلون على هذه المرحلة وقد يتصور البعض أننا سنظل هكذا في كبوتنا، ولكن ذلك يخالف حركة التاريخ وقواعده، ولا يمكن لشعب يمتلك تراكما حضاريا وثقافيا وإنسانيا كشعبنا أن يقع في كبوة لا يخرج منها، سنخرج أكثر قوة وصلابة وحرية وإبداع وإنتاجا للفنون والآداب». المسرح والحياة وأوضح رئيس المهرجان أحمد عبد الحليم أن المسرح هو الحياة والحياة هي المسرح، فمنذ ظهوره وهو يعمل علي التعليم والتثقيف والترفيه والتطوير، فهو مدرسة كبرى وركيزة من أهم الركائز التي ينبغي أن تدخل في منظومة المجتمع، فمجتمع بلا مسرح ينقصه فقدان الهوية المجتمعية المتحضرة، وقال «مصر مرت خلال مراحل متعددة باعتناق المسرح لدرجة أن وفد عليها فنانون من سوريا الشقيقة وبلدان عربية متعددة أخرى، مما أكد أن أرض مصر خصبة لاحتضان المسرح ومن خلال المسرح خرج إلينا أعلام فنانون كبار رووا بدمائهم وعقولهم أرض مصر والعروبة بإبداعاتهم الكبيرة، وأصبح لدينا مؤسسات فنية وأكاديمية تضخ كوادر استطاعت أن تدعم هذا البناء من خلال هذا البناء من خلال وزارة الثقافة التي تعمل على التطوير من أجل تدعيم الثقافة بوجه عام والمسرح بصفة خاصة». وأضاف أنه كان من الممكن إلغاء هذه المناسبة لكن أصررنا على إقامة هذا المهرجان كتحدي كبير للظروف السياسية التي تمر بها بلدنا الحبيب وتثبيت معنى رمزي كان المسرح المصري موجود وسيتواجد فمصر رائدة المسرح العربي، فما أحوجنا أن يكون حافزا لمبدعين واستمرارا لفن أصيل لن تتخلي عنه مصر الحبية مصر ثورة 25 يناير المجيدة. وأكد الفنان خالد الذهبي مدير المسرح القومي أن الأمل في أجيال جديدة من المسرحيين تناهض ثقافة النفي والإقصاء، مشيرا إلى أن هذا اليوم يوافق ذكرى الفنان المسرحي الكبير محمد توفيق وكذلك ذكرى الفنان الكبير أحمد زكي، والتي قارن فيها بين حال المسرح المصري اليوم وبين عصر النهضة في إيطاليا من ناحية جماهيرية الكوميديين. وقالت الفنانة والكاتبة نورا أمين بمناسبة إعادة افتتاح الفرع الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة أنه برغم كل التحديات البادية إلا أننا نؤمن بقدرة المسرح على زعزعة السائد وإخراجه من مركزيته، فالمسرح له دور أصيل في تخيل مستقبلنا الإنساني المشترك، فقد توحدت الجهود لإعادة إحياء المركز المصري في تلك اللحظة الفارقة، آملين في أن يصبح تكتلا أهليا يتعامل مع متغيرات الداخل ويساهم في إثراء صناعة المسرح المصري وأن يكون في الوقت ذاته جزءا أصيل وفعالا من منظومة المعهد الدولي للمسرح. وشددت علي استلهام روح نتاج التحرير وثورة مصر المستمرة. مضيفة إلى ضرورة التطلع لتحرير العقول والإبداع والأجساد والمسرح من كل فكر قديم بال من كل تراث مقيد للخيال والأحلام باسم العادات والمعتقدات، فالأديان هي منحة الخالق لهدي العالمين، ومرفوض كل من يستخدمها أداة لقتل الإنسان والأوطان. ،في ما يلي أضواء على بعض المسرحيات التي عرضت في إطار المهرجان: رؤية عصرية «في انتظار اليسار» نص مسرحي كتبه الأميركي كليفورد أودتس في ثلاثينيات القرن الماضي، وعالجه المخرج خالد توفيق برؤية 2013 حيث انطوى على فهم عميق للقضايا الإنسانية العامة، وبرغم كونه نصا صارما في بنائه إلا أنه استطاع أن يقدم رؤية خاصة عن معاناة المجتمع المعاصر والإنسان المطحون فيه. وأفضل ما في العرض أنه مس اللحظة الراهنة لمصر محللاً أثر الفقر على الترتيب الاجتماعي والوصول للثورة، وقد استخدم المخرج عنصر السينوغرافيا في المشهد الذي كان يتفكك وينبني من جديد بطريقة سهلة وعميقة، في الوقت نفسه كان له أثر بالغ في تنوع الجمال على خشبة المسرح، إذ نعيش ثقافة الصورة وأثرها الجبار على المشهد المسرحي العالمي. لعبة كوميدية عرض «يا هاملت» للمخرج محمد الصغير احتفى بالمحاكاة الكوميدية الساخرة التي تستفيد من البيرليسك والبارادوي والجروتسك، وآليات الإضحاك والسخرية والتشويه، ومنها قيام فتاة بدور الأمير هاملت، الحجم السمين جدا لهاملت، ملابس البهلوانات والمهرجين التي ارتداها الممثلون، استخدام الإكسسوارات لإنتاج إيقاعات موسيقية وغنائية، إدخال الأغاني الشعبية، غناء بعض مقاطع الحوار بشكل كوميدي إلخ.. لقد عقد المخرج عقدا معلنا منذ بداية العرض مع الجمهور بأنه سيلعب لعبة كوميدية، وهذا ما جعله يجمع بين جميع الممثلين والإكسسوارات على خشبة المسرح ويتعامل معها على مرأى من الجمهور. المرحلة التأسيسية عرض «الصعود إلى القلعة» تأليف محمد أبو العلا السلاموني، إخراج أحمد البنهاوي، حاول أن يتخطى المفاهيم التقليدية في تقديم العرض المسرحي، وذلك بمناقشة الأفكار التي تضع الحاكم في صراع مع رجل الدين من خلال لعبة مسرحية تستعيد شخصيات الكورس فيها أحداث التاريخ. العرض تناول المرحلة التأسيسية في تاريخ مصر الحديثة وهي ما عرفت بمرحلة محمد علي وقد اختار المؤلف تلك المرحلة ليبين في نهايتها مدى الانكسار الذي حدث لمشروع محمد علي، وبعد معاهدة لندن 1840 التي قضت على مؤسس النهضة الحديثة حتى أنه أصيب بالزهايمر في أخريات حياته. إن النص الأساسي قائم على لعبة استعادة التاريخ لكن المخرج حولها للعبة تماثل، فما حدث في التاريخ أبان حكم محمد علي يعاد الآن بطريقه أو بأخرى، وكأن الكورس هو كورس كل الأزمنة والأمكنة، وقد وقد دوت الخشبة ببعض التعبيرات التي تستخدمها الثورة مثل «ارحل، الشعب يريد». وإذا كان النص الأصلي يقوم على الصراع بين عمر مكرم ومحمد علي فإن نص العرض تحول تحولا جذريا فهو يقوم على تصدر المونولوج الداخلي للشخصية الدرامية حيث بدت المشاهد تطرح وكأن كل طرف من أطراف الصراع يعيش في عالمه وغير مشغول بالآخر، وكان أفضل مشاهد العرض مشهد السلويت حيث بدا عمر مكرم خلف السلويت بعد نفيه يعيد نفس الحكم الذي توصل إليه على مسامع محمد على الذي كان مشغولا بحلمه وأطماعه. الستر والفضيحة مسرحية «الصندوق الأخير» للمخرج محمد الكلزة والتي قدمتها فرقة الإسكندرية المسرحية وهي إحدى الفرق الحرة، تعرضت لمشاكل الشباب سواء الشبان أو الفتيات، حيث يدور العرض عن فكرة الستر والفضيحة من خلال مجموعة من المشاهد التي تسيطر فيها الفضيحة إلى أن ينتصر الستر على كل ذلك من خلال مشاهد مجتمعية للشباب ووضع الجمهور في حيرة من الظالم والمظلوم. «الكوتش» الشرقاوي مسرحية «الكوتش» للمخرج والفنان جلال الشرقاوي وبطولة طلعت زكريا وانتصار ووائل نور ورضا إدريس ومجموعة الفنانين الشباب، فقد قدمت بشكل كوميدي ساخر عددا من القضايا السياسية المرتبطة بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والرشوة من خلال مجموعة من النماذج البشرية التي تتعايش مع بعضها البعض ونصادفها في كل يوم، مما جعل المشاهد من خلال تحركات وتسلسل الأحداث يتعايش داخل العمل ويشعر بأنه صار جزءاً منه، بل يخرج من الإطار التراجيدي للأحداث إلى الإطار الكوميدي الذي جعلنا نضحك على أنفسنا. حلم السلطة وأكد عرض «ماكبث» تأليف وليم شكسبير، وسينوغرافيا وإخراج محمد علي، أهمية نص شكسبير الذي يرصد لطاغية تنامت أحلامه وأطماعه بدرجة كبيرة، مما جعل معالجته تتناسب تماماً مع فترات التحول سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي وتفسير المخرج ينطلق من تلك الأفكار. «ماكبث» دراما الدم الذي يحيط بالحكم، وقد أقام المخرج رؤيته على تفتيت المعنى والدوال، فهو عرض يقدم مفاهيمه في صور تخلط التكوين الشكسبيري وتعيد صياغته في صور وفلاشات تقدم وتؤخر بمنطق سيادة الحلم، تم هدم البناء التقليدي للتيمات وتقديم روح بديلة تتخذ من الشخصية الدرامية وهواجسها وأحلامها متكأ لها، ويظهر ذلك في الفصل الأخير حيث توجد بعض المشاهد مدمجة في لحظات أدائية متفاوتة، وهناك تداخل بين مشهدين أو أكثر في صور وفلاشات متضادة، ففي لحظة مشاهدة الليدي مكبث تدلي بمقولتها الشهيرة عن عطور الشرق التي لن تخلصها من رائحة الدم التي تملآ يديها نرى لقاء بانكو ومالكولم على الطرف الآخر من المسرح، وهو أمر قد يبدو غريبا وعصيا على فهم المتلقي التقليدي، فحديث مكبث على مأدبة العشاء وجنونه اللحظي حينما شاهد شبح بانكو، أتاح للمخرج أن يقدم الرؤية من ذلك المنظور الذي يحتفي بالفهم التعبيري ويعيد صياغة المعاني والأفكار، ووفق ذلك المفهوم فالمسرحية تبدأ من الأشباح وتنتهي عندهم. الزمن متوقف والأحداث تدار بطريقة مختلفة تخلط الحلم بالحقيقة، لذا جيء بالملك دانكان على فراش الموت في أكثر من موقف، لكي تعاد الأحداث من خلال شخصيه الليدي أو شخصية ماكبث الذي جرى وراء حلم السلطة فكان طريقه مملوء بالدماء. الفساد والإصلاح عرض «عدو الشعب» لفرقة لاموزيكا تأليف هنريك ابسن، إخراج نورا أمين، يدور حول مواجهة العالم الجليل د. توماس ستوكمان لعناصر الفساد في مدينته الصغيرة والتي تتكتل للدفاع عن أخيه المحافظ الفاسد بيتر ستوكمان رافضين إصلاح وتنقية مياه الحمام العلاجي، وشبكة الصرف مفضلين التضحية بحياة المواطنين على الإعلان عن الفشل في الإدارة وعدم قدرتها على تحمل المسؤولية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©