السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجمال الحقيقي

16 ديسمبر 2009 00:11
يضع البعض منا أحياناً الجمال الخارجي في مقدمة تعاملاته وأولوياته، فتكون هي المحرك الأساس لبعض مراحل مجريات حياته وطريقة اختياره للأشخاص، وقد تتحول بعض العلاقات الحميمة والطيبة في لحظات إلى مجرد علاقة عابرة، بعد فقدان السبب في تواجده، ولكن يضع الطرف الآخر من الأشخاص مسألة الجمال والشكل الخارجي في ثانوية أولوياته، وأحيانا لا يعيرها اهتماماً، لأنه يرى أن الجمال ما هو إلا شكل حسن لا يقدم ولا يؤخر في مراحل حياته، ففي أحد الأيام تركَ رجلٌ زوجتهُ وأولادهُ مِن أجلِ وطنه، قاصداً أرض معركة تدور رحاها علىَ أطراف البلاد، وبعد انتهاء الحرب، وأثناء طريق العودة أُخبَرَ الرجل أن زوجتهُ مرضت بالجدري في غيابهِ فتشوه وجهها كثيراً جرّاء ذلك. تلقى الرجل الخبرَ بصمتٍ وحزنٍ عميقينِ شديدينِ.. وفي اليوم التالي شاهدهُ رفاقهُ مغمض العينين، فرثوا لحالهِ وعلموا حينها أنهُ لم يعد يبصر، رافقوه إلى منزلهِ، وأكمل بعد ذلكَ حياتهُ مع زوجتهُ وأولادهُ بشكلٍ طبيعي.. وبعد ما يقاربَ خمس عشرَة سنةٍ توفيت زوجتهُ ... وحينها تفاجأ كلّ من حولهُ بأنهُ عادَ مبصراً بشكلٍ طبيعي.. وأدركوا أنهُ أغمضَ عينيهِ طيلة تلكَ الفترة كي لا يجرح مشاعر زوجتِه عند رؤيته لها.. الجمال الحقيقي إنما هو جمال مالا ترى العين، ولكنك تحس به من حولك، وفي قلب من تتعامل معه وتراه. وهناك تساؤل، هل الجمال مرهون بقدرة الإنسان على حب الآخرين بحقيقتهم؟ ألا يستطيع كل شخص بمفرده أن يتمتع بالجمال، حتى لو كان ذوقه فاسداً في نظر الآخرين؟ وهل تفقد الأشياء الجميلة شيئا من جمالها إذا فسد ذوق الجمهور؟ إذن الجمال هو ليس جمال الوجه أو الجسد، وإنما يكمن في حلاوة الروح والسلوك وحسن التصرف، وكل هذا يتمثل في الخصال الحسنة وحسن السلوك. كن جميلاً تر الوجود جميلا. هكذا قال الشاعر تاركاً لنا أن نتمعن في خفايا قوله، لندرك أنَّ الكثير من مقومات الجمال الحقيقي إنَّما تغيب عنَّا، ونُحرم من التمتع بمذاقاتها الرائعة، لأننَّا تفتقد في بعض الحالات إلى الحس الجمالي الصادق والنقي، الذي يمحنا فرصة تذوق البعد الجوهري من الحسن البشري، بعيداً عما يحيط به في أحيان كثيرة من شوائب وإضافات ليست من صلب الجمال في شيء، بل هي مجرد محاولات ساذجة لتزوير العطايا الربانية التي اختص به الباري، عز وجل، بعض خلقه. مريم الشميلي Maary191@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©