السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المفاوضات وتبادل الأسرى

16 ديسمبر 2009 00:21
إذا نجحت "حماس" في إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم العديد من المحكومين لفترات طويلة، فسوف تُعقّد دون شك محاولات الوصول إلى اتفاقية متفاوض عليها بين إسرائيل والفلسطينيين. إنجاز كهذا سيثبت أن هؤلاء الذين يستخدمون العنف يستطيعون تحقيق نتائج أفضل من أولئك الذين يعتمدون على الأساليب اللاعنفية التفاوضية للتوصّل إلى تحرير الأرض والأسرى. حاول الفلسطينيون منذ عقود استخدام كل أسلوب ممكن تقريباً لتحقيق الحرية للشعب وتحرير الأرض. خاض فدائيو منظمة التحرير الفلسطينية كفاحاً مسلحاً في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، واستخدم الشباب الفلسطينيون الحجارة وقاموا بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في الانتفاضة الأولى عام 1987. كما أجرى عرفات ومفاوضوه مفاوضات سرية عام 1993. فشلت جميع هذه المحاولات في تحقيق التحرير. وفي عام 2000، شملت موجة من العنف بقيادة "حماس" هجمات مسلّحة وتفجيرات على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، ويجري الآن الإدعاد بأن القرار الإسرائيلي بتفكيك جميع المستوطنات في غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الدولية إعلامياً على أنه جاء نتيجة لتكتيكات "حماس". ورغم أن الإسرائيليين قد يناقشون ضد هذا المنطق، فإن حقيقة أنه جاء بينما كانت "حماس" تشن هجمات صاروخية وتفجيرات انتحارية يجعل من الصعب رفض هذا الادعاء بشكل كامل. ليس الوضع بالطبع أسود وأبيض كما يبدو، فأولاً، كان الانسحاب الإسرائيلي من غزة تكتيكياً فقط، حيث قامت وحدات الجيش الإسرائيلي فقط بتجميع قواتها خارج نطاق غزة. ويشكّل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ سنتين والذي أصاب غزة بالشلل أفضل إثبات أن غزة لم تتحرر رغم أن الجنود الإسرائيليين لم يعودوا يجولون في طرقات مخيم جباليا للاجئين. منذ بداية الحصار وأثناء الحرب على غزة، شنت إسرائيل معظم هجماتها من الجو، ولم تتحمل سوى القليل جداً من الإصابات نتيجة لذلك. واقع الأمر هو أن الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المكتظة بالسكان في غزة لم يقلل من عدد الضحايا الفلسطينيين، ولكنه قلّل إلى درجة هائلة من أعداد الإصابات الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك فإن "نجاحات" حركة "حماس" ليست كافية لتغيير الموقف الشعبي السلبي لتوجهاتها ونشاطاتها. لقد أظهرت استطلاعات الرأي العام انخفاضاً هائلاً في شعبية "حماس" منذ نصرها الانتخابي عام 2006. ورغم أن عملية تبادل الأسرى ستعطي دفعة كبيرة لمعدلات شعبيتها، من غير المحتمل أن تعيد شعبية "حماس" إلى مستويات عام 2006. وفي ثمانينيات القرن الماضي جرى تبادل للأسرى نتيجة لاتفاق بين إسرائيل وفصيل أحمد جبريل المرتدّ من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، ونجحت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة" التابعة لسوريا، والتي تمكنت من أسر جندي إسرائيلي، من مبادلته مع مئات من أسرى منظمة التحرير الفلسطينية وقتها. ورغم أن شعبية أحمد جبريل ارتفعت وقتها، فإن ذلك لم يَدُم، وفشل فصيله في إثبات وثاقة علاقته وفعاليته داخل الدوائر السياسة الفلسطينية. لم يكن هناك بشكل عام تغيير عام في الأسلوب الذي يتوجه فيه معظم الفلسطينيين نحو عملية السلام. لقد أثبت استطلاع بعد الآخر أن غالبية الفلسطينيين ما زالوا يؤمنون بالحاجة إلى حل متفاوض عليه للنزاع. ورغم أنه قد يكون لدى البعض أفكار رومانسية حول المقاومة، ورغم أن الناشطين السياسيين سوف يستفيدون إلى أقصى الدرجات من عملية تبادل الأسرى هذه لسنوات عديدة مقبلة، فإن أسر الجندي الإسرائيلي في نهاية المطاف بهدف تبادله مع مئات الفلسطينيين، أو إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية المسكونة لا تشكّل استراتيجيات طويلة الأمد لتحرير فلسطين. لا يستطيع أي وطني فلسطيني معارضة عملية تبادل للأسرى سينتج عنها إطلاق سراح هؤلاء الذين ضحوّا من أجل فلسطين. إلا أن البحث عن استراتيجية تحرير فاعلة يتطلب عقلية مختلفة. أية أساليب فاعلة للوصول إلى نهاية للاحتلال الإسرائيلي وإيجاد دولة مستقلة بحقّ إلى توجه شمول، تتطلب الاستفادة من نقاط القوة الفلسطينية. وقد تكون أفضل الاستراتيجيات وحدة الهدف والصمود والتمسّك بالأرض، والتركيز على إيجاد دولة الأمر الواقع، والإصرار على الحقوق، التي لا يمكن التنازل عنها في تقرير المصير. صحفي فلسطيني ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©