الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سبلبيرغ يستعيد كرامته

سبلبيرغ يستعيد كرامته
25 ابريل 2013 12:14
يبدو أن لعبة «التوازنات» و«الاستقطاب» في السياسة الدولية، قد تكون ذاتها، أو بعضا منها في مجالات الثقافة والفنون، وعلى وجه الخصوص (المهرجانات السينمائية الدولية)، ونقصد في هذا الشأن «مهرجان كان السينمائي الدولي» في دورته السادسة والستين، التي ستنطلق في مدينة كان الفرنسية الساحلية في الفترة ما بين 15 إلى 26 مايو المقبل، ويبدو الاستقطاب واضحا في هذه الدورة، حينما سارع رئيس المهرجان جيل جيكوب وأسند رئاسة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة (رئاسة تحكيم الدورة)، إلى المخرج السينمائي والمنتج الأميركي ستيفن سبلبيرغ، الذي خرج مكسوراً من أوسكار هذا العام، بعد أن فشل فيلمه «لينكولن» في نيل جائزة أفضل فيلم، والتي أسندت إلى الممثل والمخرج الأميركي بين أفليك عن فيلمه «أرغو». سبلبيرغ الإنساني ويبدو أن سبلبيرغ الحائز أوسكار أفضل مخرج عن فيلم «شيندلرز ليست» (لائحة شيندلر) عام 1994، قد قبل بسرعة هذا النوع من الاستقطاب الذي يعيد له بعضا من كرامته الفنية، ويوثق صلته بمهرجان كان، الذي كان لسنوات أحد فرسانه الكبار، متسلما هذه الراية من المخرج الإيطالي ناتي موريتي الذي ترأس لجنة تحكيم الدورة السابقة، فيما أكدت لجنة السينما في المهرجان غير مرة أن اختيارها سبيلبرغ كان بسبب أعماله وجهوده وأفلامه الممتازة التي «هي انتقال متواصل بين الحلم والواقع، والترفيه، والأفلام التي تقدّم نظرة جدّية إلى التاريخ، أو العنصرية، أو الوضع الإنساني، وهي شهادة متأملة في تحقيق عالم سلمي ومتصالح». وقد أعرب ستيفن سبلبيرغ عن تقديره للمهمة الراسخة للمهرجان للدفاع عن (اللغة العالمية للأفلام)، ووصف الحدث بأنه «الأكثر هيبة بين المهرجانات السينمائية الدولية، ولطالما رسّخ السينما كوسيط بين الثقافات والحضارات والأجيال التي تتجدد مع كل دورة من المهرجان الذي يحافظ بقوة على قيمه وأخلاقياته بالنظر إلى قيمة هوية الإنسان». لكن بالنظر إلى مسيرة سبيلبيرغ (66 عاما) السينمائية، سنجد أنه قدم لنا نحو 28 فيلما خلال 40 عاما، مما يشي بقوة هذه الأعمال وتقنيتها وحرفيتها السينمائية، ومواضيعها ذات الصلة بالإنسان وصراعه مع الحياة والقوانين الميكانيكية الجائرة. فيما تركت معظم هذه الأفلام بصمات على تاريخ السينما العالمية، بدء من فيلمه «دويل»، مرورا بسلسلة أفلام «إنديانا جونز»، إلى سلسلة «جوارسيك بارك»، حتى أمتع أفلامه وأكثرها حرفية «ذي كولور بيربيل» أو (اللون القرمزي) الذي حقق له نجاحات جماهيرية ونقدية وشباك تذاكر لم يسبقه إليه أحد في سنة إنتاجه وعرضه، وصولا إلى فيلم «لينكولن»، الذي نال الأوسكار كأفضل تمثيل للممثل دانييل داي لويس، بمشاركة النجمة سالي فيلد وتومي لي جونز، وجوزيف جوردون. لكن لا أحد يستطيع أن ينكر ان شهرة سبلبيرغ على المستوى الجماهيري والتقني في مجال الاخراج لم تتحقق إلا من خلال فيلمه العظيم «الفك المفترس» عام 1975، الذي ترشح لأربع جوائز أوسكار، نال ثلاثة منها بجدارة، كما أخرج عام 1982، فيلمه الشهير «إي. تي.» الذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما الأميركية في تلك الفترة، حاصدا معها أربع جوائز أوسكار من أصل تسعة رشح لها، كما نال أوسكار أفضل مخرج عن فيلمه «إنقاذ الجندي رايان» عام 1998، وبذلك يكون اختيار كان له من بابين هما: الاستقطاب والإبداع في آن واحد، فقد ساهم هذا الحدث السينمائي الكبير وعلى مدار ستة عقود في اكتشاف أنواع مختلفة من السينما من خلال أشخاص متعطشون لتطوير ذائقة الجمهور نحو هذا الفن، وحالمون أيضا في تقديم ثقافة جديدة عن مواضيع تلامس الإنسان، والحضارة الصناعية التي خرّبت كل ذوق عن قصد أو عن غير قصد. لا نريد أن ننسى أن مهرجان كان هو أفضل حدث لفن الاستقطابات والترويج وحصد الانتباهات، ومن ذلك اتخاذه نجمة هوليوود الشقراء مارلين مونرو لتكون شعار الدورة السابقة، وها هو يفعلها ثانية باتجاه الحلم الأميركي حينما يجعل من سبلبيرغ على قائمة هرم المهرجان ويسلمه مفتاح رئاسة لجنة التحكيم التي ستقرر مصير ونجاحات الحدث دون قلق أو خوف من المنافسة، فليس هنا مجالا لمفاتيح السياسة، ولا للهيمنة الثقافية، باستثناء هيمنة قوة الثقافة والإبداع الإنساني الحقيقي بعيدا عن أي خلل قد يخرب جمال هذه التظاهرة الجميلة، حينما تضاء النجوم على ساحل مدينة كان التي أتمت زينتها لاستقبال فرسان السينما من أرجاء العالم. طفلة (كان) كما تستقطب هذه الدورة المخرجة النيوزيلندية الشهيرة جاين كامبيون لرئاسة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، متسلمة الراية من كل من جان بيير درادين، وميشال غوندري، وهو هساي، أما كامبيون والتي تعتبر أول امرأة تكسر القاعدة بتوليها رئاسة هذه اللجنة التي احتكرها الرجال منذ انطلاقتها، فهي ليست غريبة عن كان، ولا عن سعفته الذهبية التي نالتها قبل ثلاثة أعوام عن فيلمها «درس البيانو»، وكانت قد لفتت إليها أنظار النقاد كموهبة سينمائية بارزة ومختلفة، عندما شاركت ولأول مرة في المهرجان في مسابقة الأفلام القصيرة عام 1986، بفيلمها الفلسفي العميق «بيل» ثم شاركت بعد ذلك بفيلم روائي طويل بعنوان «سويتي»، ضمن المنافسة الرسمية للمهرجان الذي عادت إليه قوية محملة بالخبرة والتجربة بفيلمها الإنساني الرقيق «ملاك على مائدتي» وكان ذلك عام 1990، بينما كان عام 1993 عام حظها حينما انتزعت وخطفت السعفة الذهبية عن فيلمها «درس البيانو» لتضع بذلك بلدها نيوزيلندا على خريطة الجوائز العالمية في مجال الفن السابع، بعد أن عدّ النقاد هذا الفيلم الرائع تحفة سينمائية ذات أبعاد إنسانية برؤية أنثوية، حتى غدا الآن واحدا من كلاسيكيات السينما العالمية العظيمة، ليس بسبب إخراجه فقط، وإنما أيضا بسبب التمثيل المذهل الذي قدمته الممثلة الأميركية الجميلة هولي هنتر التي حصدت هي الأخرى جائزة أفضل ممثلة في المهرجان في ذلك الوقت. والمخرجة النيوزيلندية جاين كامبيون التي أتحفت بأفلامها المشهد السينمائي العالمي، سينما عن العشق والعواطف الجياشة والشخصيات المعذبة التي لا تستطيع أن تنسجم مع أو تعيش في وفاق مع الواقع والعوالم المحيطة بها، تنتمي بأفلامها في الواقع بوعي أو بلاوعي إلى حركة الشعر الرومانسي في انجلترا ورواده من أمثال وردثوورث وبايرون وشيلي وكيتس في أوائل القرن 19، وكانت الحركة بمثابة ثورة في الأدب الانجليزي على العصر الصناعي في إنجلترا، ونداء للعودة إلى الطبيعة، وكانت كامبيون كرست فيلمها «درس البيانو» لتحكي عن الشاعر الانجليزي الكبير جون كيتس وحياته، وعن عشق الكتابة والألم، حتى أصبحت في نظر نقاد السينما «شاعرة» سينمائية وعن جدارة لا تكتب بالريشة والحبر، بل تكتب بالضوء، وتستخدم الكاميرا محل القلم، على طريقة المخرج الفرنسي الكبير الشاعر جان كوكتو، على اعتبار أن السينما هي كتابة بالضوء، فيما يعتبرها جيل جيكوب وفي تعبير أخاذ (طفلة كان)، بعد أن اكتشف موهبتها مبكراً وهي لا تزال طفلة تحبو على طريق الإخراج السينمائي، ومن ثم مساعدته لها، كي تنهض، ومن ثم تعرض أفلامها الإنسانية الرقيقة وهي (سيدة) من سيدات كان، لتتربع الآن على عرش رئاسة تحكيم واحدة من أهم منافساته. الهندية والعربية في كل دورة من دورات هذا المهرجان، ثمة تقليد جديد، أو ترسيخ لمفهوم سينمائي، حيث تحظى السينما الهندية في هذه الدورة بتقدير وتكريم خاص بمناسبة ذكراها المائة، وتصبح الهند بهذا التكريم الدولة الثالثة بعد مصر (2011) والبرازيل (2012)، التي يتم الاحتفاء بها، وتكريم سينما «بوليوود» التي قدمت للمشهد السينمائي العالمي نظرة مثالية إنسانية ثاقبة لسينما الهوية والتراث والمحافظة على الشخصية الهندية في إطار تقني مختلف. والسؤال الذي يفرض نفسه بهذه المناسبة، هو: هل يتحقق للسينما العربية أكثر من الحضور في الدورة 66 من كان؟ في الواقع هناك مشاركة عربية في قسمي (نظرة ما) ومسابقة (الأفلام القصيرة)، حيث يتابع جمهور المهرجان من السينما المصرية فيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسري نصرالله، فيما يشارك المخرج المغربي نبيل عيوش بفيلمه الذي يحمل إشكالياته بعنوان «أحصنة الله»، ويقدم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان فيلمه «7 أيام في هافانا»، بينما تشارك سورية بفيلم ضمن مسابقة الأفلام القصيرة بعنوان «في انتظار الصندوق»، والجزائر بفيلم «هذا الدرب أمامي». وكما يظهر فالمشاركة العربية خجولة، باستثناء الحضور القوي لفيلم «بعد الموقعة» الذي سبق له ان عرض في أكثر من مهرجان عربي وعالمي، محققا نتائج طيبة. وبالتالي فإننا حتى اللحظة ما زلنا نعيش على أطلال المشاركات العربية القوية القديمة من خلال مخرجين كبار أمثال الراحل يوسف شاهين (وداعا بونابرت، إبن النيل، صراع في الوادي، الأرض، العصفور، إسكندرية ـ نيويورك) والمخرج أحمد بدرخان (ليلة غرام) والمخرج كمال الشيخ (حياة وموت، الليلة الأخيرة، لغة الأيدي). وكنا على الدوام نأمل من السينما العربية ان تجد لها مكانا لائقا ينسجم مع تاريخها في المهرجانات العالمية ومنها كان الذي يحمل صفة وخصوصية ثقافية عن غيره من المهرجانات ، نحسب أننا في موقف لا نحسد عليه، إلا من هذه المشاركة العربية التي نعلق عليها كثير من الآمال من خلال يسري نصر الله تلميذ يوسف شاهين، بفيلمه الجريء جدا «بعد الموقعة»، فهل يعيد التلميذ حسابات وأرصدة أستاذه ومعلمه في هذا الحدث السينمائي الذي يرتقبه الجميع؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©