الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد عبده رائد التجديد في العصر الحديث

28 سبتمبر 2008 00:51
يعد الإمام محمد عبده واحدا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع · تبرز أعماله التجديدة في حديث الأزهر الشريف، بصورة تتوافق مع روح العصر·والرد على الطعون ضد الإسلام· وإصلاح المحاكم الشرعية· وتفسير القرآن الكريم بعيدا عن التقليد· تتجسد أعماله الفكرية التجديدية في رسالة التوحيد، وشرح مقامات بديع الزمان الهمذاني، ونهج البلاغة، والإسلام والنصرانية · وقد التقى بجمال الدين الأفغاني ووضعا معا أسس الإصلاح الديني في العالم الإسلامي كله· وأهم ما شغلهما من خلال دعوتهما للإصلاح إيقاظ العالم الإسلامي على مواجهة الغرب الذي يرغب في الاستيلاء على مصادر الثروات الطبيعية والبشرية في ديار الإسلام الممزقة التي حكمها الجهل لفترة طويلة· وقاما بتوجيه دعوتهما إلى العقل المسلم ونفي الخرافة والتواكل عنه وتحريره من عبودية الشكليات· ولد محمد عبده عام 1849 ميلادية في محلة نصر التابعة لمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة في مصر· وانتمى لأسرة متوسطة الحال· بدأت نشأته الأولى بحفظ القرآن الكريم ثم التحق بالجامع الأحمدي في طنطا· وكاد اليأس يتسرب إليه من بعض الدروس التي زعمها تجافى طرق التربية ولا تتناسب واستعداد الطالب· لكن تداركته العناية الإلهية، حيث قيض الله له شيخا من أخوال أبيه واسمه درويش خضر فأخذ يفقهه ويفسر له ما صعب عليه حتى أقبل على العلم وعلى الحياة العلمية بنفس راضية· وفى هذا السياق يقول الإمام: اتسع لي ما كان ضيقا وصغر عندي من الدنيا ما كان كبيرا وعظم عندي من أمر العرفان ، وتفرقت عنى جميع الهموم ولم يعد لي إلا هم واحد، وهو أن أكون كامل المعرفة، كامل أدب النفس· وقد عكف على دراسة اللغة الفرنسية وتعلمها· ففي تقديره أن من لم يعرف لغة من لغات العلم الأوروبية لا يعد عالما في هذا العصر· وسافر إلى أوروبا وكان له انطباع أبداه في بعض ما سجله في مقارنة بين المسلمين والغرب · شهد كثير من العلماء والمفكرين والكتاب والمنصفين أن الشيخ الإمام محمد عبده كان من المجددين بحق لعصره الذي عاش فيه· ولم يكن التجديد الذي نادى به هدما للماضي، ولا قضاء على التراث، بل كان جمعا بين الأصالة والمعاصرة، وكان توظيفا للتراث في خدمة العصر، وإخضاع ظواهر العصر الحديثة إلى أحكام الشريعة الغراء· وإيمانا منه بأن التجديد لا ينبع إلا من عقيدة راسخة تؤمن أن فيه صلاحا للأمة، ولّى وجهه شطر التجديد الديني أولا وتمثل هذا في اتجاهه إلى إصلاح الأزهر الشريف والعناية بالتعليم الديني· وعرف بحركته التجديدية فقال: ارتفع صوتي بالدعوة إلى أمرين عظيمين، تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى واعتبارها من ضمن موازين العقل البشري· والأمر الثاني إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير سواء كان في المخاطبات الرسمية أو في المراسلات بين الناس· ثم أضاف: وهناك أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعا في عمى عنه، ولكنه الركن الذي تقوم عليه حياتهم الاجتماعية، وما أصابهم الوهن والضعف والذل إلا بخلو مجتمعهم منه· وذلك هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة· وأوضح محمد عبده قائلا: ''جهرنا بهذا القول والاستبداد في عنفوانه والظلم قابض على صولجانه ويد الظالم من حديد· يقول الدكتور أحمد عمر هاشم في دراسته '' الإمام محمد عبده مجددا '' إنه كان على يقين أن إصلاح التعليم، ونشر التعليم الديني السليم كفيلان ببناء مجتمع صالح متقدم، يجدد شبابه وقوته، ويبني للأجيال القادمة مستقبلا مرموقا، بعيدا عن العنصرية و الاستبداد بالرأي، حرا طليقا· وفي حقل التجديد نجد دعوة جريئة له تتعلق بالحرص على الانفتاح على الثقافات والمعارف والعلوم الأخرى· فالحضارة كل لا يتجزأ والمعرفة بالأمور الدينية والشرعية تستوجب المعرفة بسائر العلوم· وكانت غيرته على الإسلام تدفعه إلى الدفاع عنه وبيان أنه دين يدعو إلى النظر والاعتبار وكشف ما في الكون من أسرار· وركز دائما في كتاباته الغزيرة على دعوة الإسلام إلى العلم وبيان أنه لا توجد خصومة بين الدين والعلم الحديث، بل بالعكس فإن الإسلام يدعو إلى التجديد وإلى إعداد القوة بكل أشكالها وبما يتناسب مع كل عصر وزمان· وأضاف الدكتور هاشم أن الإمام شدد في كتاباته على ضرورة الجمع بين الأصالة والمعاصرة وأن الإسلام يدعو إلى العلم ويحث عليه، ويرحب بالعلم الحديث واكتشافاته· فلا خصومة بين الدين والتقدم العلمي، بل إن الإسلام هو دين العلم حث عليه وأمر بالسير والنظر لما في الكون من أسرار· والكل يرى أن التجديد لا يعنى أن ننقطع عن تراثنا، إذ هو الأساس والموجه إلى المستقبل وإلى التجديد، ولكن لا يقع المجتمع فريسة التقليد· ويقوم التجديد الذي دعا إليه على أسس من تعاليم الإسلام، حتى لا يكون هناك إفراط في مجال التجديد وتحكيم العقل فيحدث إفلات من تعاليم الدين، كما أنه في الوقت نفسه لا يتلبث الناس بالجمود ويظلون كما هم دون تقدم أو تطوير أو تجديد، بل إن الدين حاكم على كل تقدم وتجديد بحيث لا يحدث شطط أو إفراط أو تفريط· وهكذا نجح الإمام في تحريك المياه الراكدة والتخفيف من حدة الجهل والمساهمة في القضاء على حالة التدهور الفكري التي سادت مصر أوائل القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من خلال فكره التنويري الجديد· وقد استحوذ فكره على مساحات كبيرة من كتابات معاصريه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©