السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر... توتر سياسي واقتصاد مأزوم

24 ابريل 2012
دشنت الثورة المصرية غير المكتملة حتى الآن عهداً من عدم اليقين السياسي لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ خمسينيات القرن الماضي. عندما نجح جمال عبد الناصر في حشد الملايين من مواطنيه وملايين غيرهم في أرجاء العالم العربي، من أجل دعم فكرة القومية العربية، وتحدي القوى الاستعمارية القديمة في المنطقة. ففي الوقت الراهن، نجد أن السياسات في مصر قد باتت تجري وفقاً للصفقات والمخططات والمكائد التي تجري وراء الكواليس، والتي يشارك فيها الجنرالات، و"الإخوان المسلمون"، وبقايا الحرس القديم لنظام مبارك، والتي تتخللها احتجاجات الشوارع، وأنات الشكاوى بشأن القواعد الانتخابية غير الشفافة، والتدخل في الجهود الرامية لكتابة دستور جديد. وفيما تقترب البلاد الآن من الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في الثالث والعشرين من شهر مايو المقبل، فإن كل شيء تقريباً قد بات موضوعاً للتنافس، في نفس الوقت الذي يسود فيه قدر كبير من عدم اليقين بشأن محصلة تلك الانتخابات، ومعناها النهائي. وسط كل هذا القدر من السيولة وعدم اليقين هناك شيء واحد مؤكد: وهو أن الاقتصاد المصري قد بات في حالة حرجة للغاية، وليس من المتوقع له أن يتحسن عما قريب، بصرف النظر عن الوعود التي يقدمها المرشحون الرئاسيون كعمرو موسى على سبيل المثال لا الحصر. وفي الأسبوع الحالي، تنبأ صندوق النقد الدولي (الذي يحرف تنبؤاته عادة في اتجاهات إيجابية)، بأن الاقتصاد المصري سينمو هذا العام بنسبة هزيلة لا تزيد عن 1.5 في المئة، وأن نسبة التضخم فيه ستبلغ 9.5 في المئة، وأن مليون عامل جديد سينضمون لصفوف العاطلين. ومشكلات مصر الاقتصادية تمثل تهديداً على طريق الانتقال لنظام جديد، ومستقر، وديمقراطي. ويقدم الساسة المصريون وعوداً لحل تلك المشكلات، ويصدق المصريون العاديون الذين تحدوهم الآمال تلك الوعود، ويتوقعون من هؤلاء الساسة أن يلتزموا بها. وعندما يخفق هؤلاء في إنجاز ما وعدوا به، وهو جسيم وهائل فإن الشيء المتوقع في مثل هذه الحالة هو أن يتبع ذلك جولات جديدة من الاضطراب والفوران من قبل جماهير أعلى صوتاً، وأكثر عنفاً، من تلك الجموع المبتهجة التي اكتظ بها ميدان التحرير وغيره من الميادين المماثلة في مختلف محافظات البلاد. ونظراً لأن مصر أكبر دولة عربية، وما زالت ذات نفوذ كبير على السياسة والاتجاهات الإقليمية، فإن ذلك يمكن أن يكون له بالتالي تداعيات إقليمية أوسع نطاقاً. ولكن ما هو مدى سوء الأوضاع في مصر؟ من المعروف أن القدرات المالية للدولة المصرية قد تعرضت لأضرار فادحة العام الماضي، حيث قام الأثرياء المصريون بنقل المزيد من أموالهم للخارج، وانخفضت الحركة السياحية بنسبة 32 في المئة خلال الربع الأخير من عام 2011، كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 72 في المئة في الربع الثالث من العام الماضي. وعلى الرغم من أن المجلس العسكري الحاكم في مصر قد دخل في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار- فإن"كريستين لاجارد" مديرة الصندوق قالت في تصريح لها مؤخراً إن ذلك القرض حتى لو تم التوصل لاتفاق بشأنه لن يكون كافياً، وأن الجميع يعرفون ذلك، ويعرفون أن مصر في حاجة لمساعدات من مصادر أخرى". المشكلة أن احتياطي مصر من النقد الأجنبي قد هبط إلى 15 مليار دولار بعد أن كان 36 مليار دولار قبل اندلاع الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك. ومن المعروف أن ذلك الاحتياطي يستخدم من قبل البنك المركزي للتحكم في قيمة العملة المحلية (الجنيه) ضمن أشياء أخرى، وبالتالي فإن هبوطه بهذا القدر يضع الجنيه، الذي يتعرض لضغوط متزايدة بالفعل، على حد سكين. سياسة شد الأحزمة في بعض مجالات الإنفاق، لم تعد خياراً ذا شأن، لأن الاحتياجات المالية لمصر تنمو في الوقت الذي يعتمد فيه الملايين من السكان على الدعم لتدبير شؤون حياتهم، علماً بأن التقديرات تشير إلى أن 40 في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 80 مليوناً يعيشون على دولارين في اليوم. ربما يكون التغيير السياسي قد حل، ولكن المناخ الاستثماري يظل مع ذلك بيروقراطياً وفاسداً مثلما كان في السابق، بل أنه وفقاً لبعض الروايات يزداد سوءاً. يرجع ذلك لأن الجنرالات الحاكمين يعملون على توسيع دورهم في الاقتصاد، كما يقول البروفيسور"جوش ستاتشر" أستاذ العلوم السياسية بجامعة "كنت ستيت"، الذي أعد ورقة عنوانها "الجنرالات المصريون ورأس المال الدولي" بالمشاركة مع"شانا مارشال"، وهم يفعلون ذلك من خلال التحرك ضد القوى الأخرى في القطاع الخاص، وبالذات، تلك التي كانت قريبة من الرئيس السابق، ونجله"جمال". فهؤلاء الجنرالات يحبون الجانب المتعلق بالأرباح في الرأسمالية، ولكنهم لا يحبون الجانب المتعلق بالمنافسة، ولذلك جعلوا من أنفسهم "حراساً لبوابة الاستثمارات"، وهو ما سيزيد من تكلفة الاستثمارات من ناحية، ومن الفساد المستشري من ناحية أخرى. ويقول"ستاشر" إن الانتفاضة قد منحت الجنرالات الفرصة لإبعاد المنافسين ولذلك فإن الحملات التي يشنونها على الفساد عادة ما تكون انتقائية، وتستهدف من يرون أنهم يشكلون منافساً أو تهديداً لهم"، ويضيف" وهذا شيء فظيع بالنسبة للتنافسية. دان ميرفي بوسطن - القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©