الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل انفرجت أزمة السودان؟!

16 ديسمبر 2009 22:17
أزمة السودان السياسية الأخيرة رآها كثير من المراقبين مرشحة لـ"الانفجار"، خاصة بعد المسيرة السلمية لقوى المعارضة (أحزاب مؤتمر جوبا) يوم الاثنين قبل الماضي 7 ديسمبر وماتلاه من أحداث مؤسفة. ذلك الخوف من الانفجار، بلغ درجة عالية من التوتر والغليان حتى بلغت شدة حرارته إلى واشنطن ولندن وغيرهما من العواصم المهتمة بشأن السودان، والضامنة لاتفاقية سلام السودان (اتفاق نيفاشا)، وجعلت وزيرة الخارجية الأميركية تسارع بإرسال المبعوث الرئاسي "سكوت جريشين" إلى الخرطوم، وتسبقه ببيان غير مسبوق تدين فيه موقف السلطات السودانية لمنعها المواطنين السودانيين من ممارسة حقوقهم الشرعية في التعبير عن آرائهم السياسية، واعتقال بعض قادتهم، وتحذر من أن السودان سيواجه مواقف صعبة في الأشهر القادمة مع بداية مرحلة الانتخابات والاستفتاء، وهذا يستدعي من الجميع التحلي بالحكمة ومعالجة الخلافات سلمياً. في قلب تلك العاصفة أكد سلفاكير رئيس "الحركة الشعبية" أنه فعلاً رجل المواقف الصعبة، لأنه عندما هتف بعض المتظاهرين في جوبا أمام مقر حكومة الجنوب بسقوط البشير، رد عليهم بحزم أن هذا الهتاف "غلط"، لأنه لو سقط الرئيس، فذلك يعني سقوطه معه هو أيضاً (لأننا راكبان في سرج واحد)، وبهذه العبارة البسيطة والبليغة وصف سيلفاكير الموقف الصحيح بالنسبة للحركة، وأرسل رسالة واضحة للخرطوم حكومة ومعارضة بما سيقوم به، ثم أعلن عن دعوته لاجتماع استثنائي لمجلس الرئاسة، وعاد إلى الخرطوم من جوبا، وانخرط مباشرة في اجتماعات مكثفة ومتعددة أولاً مع حلفائه وشركائه في تجمع أحزاب مؤتمر جوبا. اجتماعات ثنائية شملت الإمام الصادق والترابي، ثم اجتماع ضم جميع قادة تحالف جوبا، ثم انتقل لاجتماع منفرداً بالبشير... وهكذا بدأت "مسيرة" الخروج من الأزمة. دخل مجلس الرئاسة في اجتماعات طويلة شارك فيها- إضافة إلى الرئيس ونائبيه- من جانب "الحركة" أمينها العام وبعض قادتها البارزين، ومن جانب "المؤتمر" نائب رئيس الحزب وآخرون. وطالت الاجتماعات حتى أوشك السودانيون أن يفقدوا الصبر، وخيمت على البلد سحابة من التشاؤم بفشل المفاوضات بين الشريكين في الوصول إلى حلول تنهي الأزمة، أو على الأقل تؤجل تفجيرها. وفى مساء الأحد الماضي، فاجأ المجتمعون الشعب بصدور الإعلان الرسمي الصادر من الجانبين حول انتهاء الأزمة والوصول إلى حلول لثلاث من القضايا الرئيسية، التي كان الفشل في الاتفاق عليها سيعني تلقائياً بالنسبة للحركة سقوط اتفاقية نيفاشا. فقد اتفق الشريكان على ثلاثة قوانين خاصة بالاستفتاء للجنوب، والمشورة الشعبية لمنطقتي النيل الأزرق واستفتاء منطقة أبيي.كما اتفقا على تشكيل لجنة تنظر بصورة عاجلة في قانون الأمن القومي المختلف عليه ولجنة سياسية للنظر في الانتخابات واستحقاقاتها، واتفقا على ضرورة مشاركة كل القوى السياسية في العملية السياسية (والتي سيعرض عليها الاتفاق بشكل رسمي)، واتفقا أيضاً على وضع أجندة المجلس التشريعي بالتوافق حتى يقرر بشأنها المجلس قراره بالموافقة قبل نهاية عمره الذي تبقت منه أيام. كل ذلك وغيره من التفاصيل، أصبح معلوماً للكافة وسيظل يوجد من سيشكك في جدية وصدقية حزب "المؤتمر" في الالتزام بما تم الاتفاق عليه، في جدية والتزام الحركة بما اتفقت عليه مع أحزاب مؤتمر جوبا برغم تصريحات صدرت عن سلفاكير قبل وبعد اجتماعات مجلس الرئاسة مفادها أن الحركة ستظل ملتزمة بمقررات مؤتمر جوبا، وأن انتهاء أزمتها مع "المؤتمر الوطني"، وعودة وزرائها ونوابها لمباشرة مهامهم الدستورية. الدرس المهم الذي يجب أن يكون قد خرج منه السياسيون السودانيون أنه لا مخرج للسودان من أزماته إلا عبر الحوار الجاد والصادق والعميق والوصول إلى (الحلول القومية) التي تحقق لكل طرف بعض ما يريد سلمياً حتى شروق شمس الديمقراطية. والدرس الأهم الذي يتعين على الحزب الحاكم أن يفهمه أنه إذا بالغ في تقدير نفوذه الجماهيري، فإنه- ومع تحريك عجلة الديمقراطية- لن يعود قادراً على حكم البلد بالطرق التي مارسها طوال عشرين عاماً، وأن الشعب الذي كسر حاجز الخوف، وخرج إلى الشارع لابد من ملاقاته في منتصف الطريق بالاحترام وليس بعصي وسياط ومباني الشرطة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©