الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبد اللطيف اللعبي.. من السجن إلى «الغونكور»

عبد اللطيف اللعبي.. من السجن إلى «الغونكور»
16 ديسمبر 2009 22:20
للمرة الثانية، يتوج المغرب بجائزة الغونكور الفرنسية العريقة التي تأسست في أواخر القرن التاسع عشر على يد الإخوان إدمون وجون غونكور صاحبا الجائزة العريقة التي تحظى باحترام الفرنسيين والعالم. فقد أعلن في فرنسا عن تتويج الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي بجائزة رفيعة، حظي بها قبله رفيقه وابن بلده الروائي المغربي الطاهر بن جلون، وفي بيان أكاديمية الغونكور جاء أن اللعبي فاز بجائزة غونكور 2009 للشعر، “عن مجموع أعماله” التي صدرت عن منشورات “لاديفارانس”، مضيفا أن هذه الجائزة ستسلم له خلال حفل ينظم يوم 12 يناير 2010. وكانت لجنة حكماء هذه الجائزة مكونة من الطاهر بن جلون الذي نال هذه الجائزة سنة 1987 عن روايته الشهيرة “ليلة القدر” وفرانسواز شاردينرناغور، وباتريك رامبو، وميشيل تورنيي، وإدموند شارل رو، وروبير ساباتيي، وخورخي سامبران، وفرانسوز مالي ـ جورس، وبرنار بيفو، وديديي دوكوان. قد نال هذه الجازة أدباء كبار من العيار الثقيل أمثال أوجين غيلقيك، رولان غاسبار، فيليب جاكوتي، آلان بوسكيه، جوناتان ليثل، عتيق رحيمي، أمين معلوف وآخرين. وضع عبد اللطيف اللعبي، الذي قضى ثمانية أعوام في السجن (من 1972 حتى 1980) بسبب مواقفه السياسية وانتماءاته الحزبية، اللبنات الأولى للمسرح الجامعي بالمغرب، كما أسس رفقة الشاعر المغربي الراحل محمد خير الدين ومصطفى النيسابوري سنة 1966 مجلة “أنفاس” وهي مجلة ثقافية صدرت في المغرب باللغة الفرنسية. وقد وصف الطاهر بن جلون رفيق دربه عبد اللطيف اللعبي قائلا: “إن اسم الشاعر المغربي فرض نفسه منذ شهر نوفمبر”. مضيفا “أود أولا تهنئة اللعبي على هذا التتويج الراقي” معتبرا أنه “من المهم أن يتم التنويه والاعتراف بهذا الشاعر الكبير. ليس إلا من باب الإنصاف لقد كنت سعيدا وفخورا بأن يقرأ باقي زملائي بالأكاديمية لعبد اللطيف اللعبي الذي كانوا يعرفونه بطبيعة الحال، لكنهم لم يكونوا قد قرأوا له بالشكل الكافي، موضحا أن “إبداعاته الشعرية هي التي صوتت لصالحه” و”فرضت نفسها على الجميع بسبب قوتها وأصالتها وصدقها”. وأشار بن جلون إلى أنه فضلا عن تتويج الشاعر، يتعين اليوم أيضا الاحتفاء بالمفكر والمناضل في مجال حقوق الإنسان، معربا عن الأمل في أن يتمكن تلاميذ وطلبة الثانويات المغربية، بفضل هذه الجائزة، من التعرف بشكل أكبر على “شعر هذا الرجل المستقيم والمتطلب والذي يشتغل في صمت”. أما بيت الشعر في المغرب فقد أصدر بيانا بهذه المناسبة جاء فيه: “بابتهاج شعري خاص، تلقى بيت الشعر في المغرب فوز الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، عضو الهيئة الشرفية للبيت، بجائزة الغونكور. وهو ثاني مغربي يحظى بهذا التكريم الرفيع بعد الكاتب الطاهر بن جلون، الذي سبق أن فاز بها في صنف الرواية. يُعد هذا الفوز الشعري تتويجاً لمسار كتابي، كان عبد اللطيف اللعبي اكتوى بجمرته منذ النصف الثاني لعقد الستينيات. مسار موشوم، في مُنطلقه بوعي شعري يُدمج الكلام العالي في الصراع الاجتماعي وقضايا التغيير. لذلك لم ينفصل هذا الوعي، ابتداء من بذرته الأولى عن الواجهة السياسية والثقافية بوجه عام، مما أمّن امتداده الحالم، الذي جعل منه مواجهة تمس الاجتماعي والوطني والكوني. وقد كان هذا الرهان بمسالكه العديدة واضحا منذ إشراف اللعبي على إدارة مجلة أنفاس، التي أسسها سنة 1966”. وعرفت البذرة، التي استنبتها اللعبي في بداية كتابته الشعرية، نماء معرفيا بعد أن خبر كيف يعْبر بها إلى جهات خصيبة، غير أنها لم تتخل، في مختلف أطوار المسار الشعري، عن انخراطها في صراع يمنع اللغة من أن تنشغل بذاتها في انفصال عن القضايا الوطنية والإنسانية. ثمة دوما في شعر اللعبي انشغال بألم متعدد الوجوه، لا يأخذ صفة الشخصي إلا لينفذ منها إلى ما يتجاوز الشخصي. ألم ينصت إلى هذا التعدد بثقة شعرية في المستقبل. وثمة، أيضا، في هذا الشعر احتفاء َبّين بالجسد، وترسيخ عنيد لقيم نبيلة، وحفر فكري في هُوية متمسكة بانفتاحها وتجددها. لا يندرج الإنجاز الشعري لعبد اللطيف اللعبي في رهان التغيير وحسب، بل ينضوي أيضا ضمن سؤال الأدب بمختلف تشعباته. ذلك ما تُعضدُه كتابته السردية والمسرحية. الانتقال بين الشعر والسرد والمسرح يُضمر انشغالا بسؤال الأدب الذي يخترق الممارسة النصية وهي تسْعَد بتحققها في أكثر من جنس. اختار عبد اللطيف اللعبي اللغة الفرنسية، بها أنجز كتاباته، ومن داخلها بنى عوالمه. غير أن إقامته في هذه اللغة لم تكن مُنفصلة عن الثقافة المغربية والعربية، وعن الأسئلة الكبرى التي تشغلهما. فقد كانت اللغة الفرنسية، دوما، في مُنجزه موقعا للتحديث ومساءلة الهوية بما يضمن تجددها المستمر. كما كانت فضاء للإنصات إلى الذات في تفاعلها مع الآخر، وهو ما كشف عبد اللطيف اللعبي عنه في ديوانه ما قبل الأخير، الموسوم “ضِعْفي العزيز”، حيث تحضر الذات مخترقة بآخر يسكنها ويحددها في آن. ولنا أن نستوعب اهتمام اللعبي بالترجمة في هذا السياق نفسه. فقد حرص على ترجمة الشعر العربي والمغربي إلى الفرنسية، مؤمّنا امتدادهما في ثقافات أخرى. إن هذا الانشغال المتعدد بأسئلة الثقافة والتحديث يكتسي قيمته في مسار عبد اللطيف اللعبي من وفائه للكتابة منذ أكثر من أربعة عقود. وفاء خليق بان يتوّج بجائزة الغونكور. ومن المنتظر أن تحتفي فرنسا بهذا الحدث الثقافي الكبير، وسوف يتسلم الشاعر عبد اللطيف اللعبي الجائزة في حفل رسمي يوم 12 يناير 2010، تزامنا مع إصدار المجلد الثاني من أعماله الشعرية الكاملة، كما تنتظر الأوساط المغربية والفرنسية صدور كتابه الجديد “الكتاب اللامنتظر”. وقد ولد عبد اللطيف اللعبي في فاس سنة 1942 وكتب الكثير من الأعمال الشعرية والمسرحية والروائية كما ترجم الكثير من أعمال: محمود درويش، سميح القاسم، عبد الله أزريقة، محمد الماغوط، عبد الوهاب البياتي، حنا مينة وغسان كنفاني. قرين الشاعر في ديوان حمل عنوان “قريني العزيز” (صدر عن “دار لاديفيرانس”) يمعن اللعبي في لعبة التنكيل بنفسه، ليفتح شخصيته على المزيد من التعقيد. يقول: “أحياناً/ أجده جالساً مكاني/ ولا أجرؤ على أن أطلب منه/ النهوض”. “يزعم أنه أرجنتيني/ فيما لم أعتبر نفسي قط فرنسياً/ مع أنه مغربي حتى النخاع” وفي قصيدة أخرى يقول اللعبي: “أرد على العنف/ بالعنف/ لا أسيطر على اندفاع قبضتي/ صبر/ كل هذه الحيوات هي لي/ سأتكلم عن كل شيء/ قبل أن تأتي يد اشتُريت/ لتطعنني في ظهري/ صبر/ سأتكلم/ عن الأموات الذين سبقوني/ وهؤلاء الذين أتردد إليهم/ والذين سيلحقون بهم/ سيُفضَح كل شيء/ أقسم لكم بذلك”. دواوين ودراسات لعبد اللطيف اللعبي العديد من الدواوين المنشورة فضلا عن أعماله في الترجمة والدراسات، من بينها: العين والليل (رواية)، عهد البربرية (شعر)، قصة مغربية (شعر)، أزهرت شجرة الحديد (شعر)، قصائد تحت الكمامة (شعر)، مجنون الأمل (رواية)، يوميات قلعة المنفى (رسائل سجن)، الرهان الثقافي (دراسات نظرية ومقابلات).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©