السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تسعة»: ملحمة غنائية على ضفتي العزلة والصخب

«تسعة»: ملحمة غنائية على ضفتي العزلة والصخب
16 ديسمبر 2009 22:22
بدأت وقائع حفل افتتاح الدورة السادسة لمهرجان دبي السينمائي بشريط بسيط ومكثف يترجم مقولات شعرية وفلسفية حول الفن والحياة والحرية، مرورا بتداعيات الحالة الفلسطينية التي انتهت بمقطع شعري مؤثر للراحل محمود درويش يقول فيه: “على الأرض ما يستحق الحياة” وفي نفس السياق الفني والإنساني يبوح فيلم الافتتاح الرسمي للمهرجان وهو فيلم “تسعة” للمخرج الأميركي روب مارشال بمقولته الخاصة وهي: “على شريط السينما ما يستحق الغناء”، والغناء كلحظة فائرة يموج فيها الرقص والموسيقى وبهرجة المسرح والأزياء وانفعالات الجسد وإضاءات الفن المتناثرة على الشاشة، تحيل إلى قيمة ومغزى اختيار هذا الفيلم بالذات ليكون بوابة الولوج إلى سحر السينما وإلى الرسائل الضمنية والمعلنة لأفلام المهرجان. استند فيلم الافتتاح على مسرحية أخرجها توني ويننينج حملت ذات الاسم “تسعة” وعرضت في بداية الثمانينات على مسرح برودواي، المسرحية نفسها استندت الى الفيلم الأشهر للمايسترو الإيطالي فريدريكو فيلليني “ثمانية ونصف” الذي حققه في أواسط الستينات، وجاء اختيار عنوان “تسعة” كاحتفاء فني بانجازات وفتوحات فيلليني السينمائية، وكتحوير مسرحي بسيط ومكمل لذلك الفيلم المبهر. اختار مارشال إضفاء الطابع الغنائي على الفيلم كي يعبر عن صيغة فنية خاصة تمزج الميلودراما بالفرح، والأسى بالبهجة، وأحزان الفنان بأحلامه المحلقة في زمن آخر وفي مكان مجهول. يقدم مارشال فيلمه الجديد هذا وهو محمل بذخيرة فنية كافية استقاها من عمله الغنائي الكبير “شيكاغو” في العام 2002 والذي حاز وقتها على ست جوائز أوسكار، كما فاز فيلمه التالي: “مذكرات فتاة الجيشا” الذي احتشد بجماليات الفن الياباني على جائزتي أوسكار، ولم يكن مارشال المخرج الوحيد الذي تأثر بظلال وانعكاسات فيلم “ثمانية ونصف” فقد سبقه في ذلك وودي آلان في فيلمه: “ذكريات غامضة” وبوب فوس في فيلمه الغنائي أيضا: “كل هذا الجاز”، والإيطالي لوتشيو فولتشي في فيلمه: “قطة داخل الدماغ” الذي كان أشبه ببحث سيكولوجي في النوازع العميقة للفنان، ومن أشهر الأفلام التي عبرت عن روحية وأبعاد “ثمانية ونصف”، يأتي فيلم المخرج الأميركي جويل كووين: “بارتون فينك” في المقدمة لأنه ترجم وبقوة المناخات الكابوسية لفيلم فيلليني من خلال قصة سوريالية ومدوخة جسدها الممثل “جون تورتورو” في دور الكاتب الذي يعجز فجأة عن الكتابة ويغرق في حالة وجودية وذهانية يختلط فيها الواقع بالوهم وتتداعى فيها الحدود بين ما هو حسي وما هو غائم وضبابي من مشاعر وانفعالات جنونية ومتطرفة. التعبير الغنائي يتحدث فيلم “تسعة” الذي كتب نصه الدرامي كل من مايكل تولكين والراحل أنتوني مينجيللا عن الكاتب والمخرج الإيطالي “غويدو كونتيني” ـ يقوم بدوره دانييل داي لويس ـ الملقب بالمايسترو، وهو الدور نفسه الذي قدمه مارسيلو ماستورياني في الفيلم الأصلي، والذي يدخل فجأة في دوامة الأزمة الإبداعية لكل فنان، والمتمثلة في الوقوف المفاجئ أمام الورقة البيضاء الجائعة أمام الكلمات والأخيلة، يصاب المبدع بعطب وضمور لحظي أمام السطر الأول، وعندما يستمر هذا العطب طويلا يتحول إلى كابوس لا يمكن الفكاك من تبعاته ومن منابع الذنب والذكريات الداكنة التي تهب فجأة من النوافذ والأبواب المحطمة في الروح. يعجز المخرج عن البدء في كتابة السطر الأول لسيناريو فيلمه القادم الذي لا يملك سوى عنوانه العريض وهو: “إيطاليا”، الذي يجب عليه البدء في تصويره بعد عشرة أيام حسب الجدول المقرر في خطة الإنتاج، يبدأ الصحفيون ومعهم منتج الفيلم في مطاردته للبحث عن إجابات حول مصير الفيلم ولكنه وفي كل مرة يتهرب من مطارديه، ويبحث لنفسه عن خلاص ذاتي ومنفذ إبداعي بديل ولكن ضيق الوقت والفشل يلاحقانه إلى النهاية. يلجأ مارشال هنا إلى الأسلوب الغنائي الذي يتطور تدريجيا كي يصبح هو المدخل المناسب للتعبير عن الاعتراف الذاتي والكشف عن الجانب المظلم والمسكوت عنه في الوعي الباطن للشخوص، وتتحول المرأة في حياة المخرج غويدو إلى كلمة السر أو المفتاح الذهبي الذي يكشف مغاليق العجز والحصار الإبداعي لمخرج منهك يجابه أزمة منتصف العمر ولا يريد الخروج من حماس الشباب وفورة الماضي، تتحول المرأة إلى عبء آخر ومضاعف لأزمته الوجودية عندما ينغمس في قصص عاطفية متأرجحة وعنيفة مع ثمانية نساء بدأ من زوجته ليزا “ماريون كوتيلارد” ومرورا بعشيقته كارلا “بينلوبي كروز” وليس انتهاء بوالدته المتوفاة ـ تقوم بدورها صوفيا لورين ـ والتي تقتحم خيالاته بنصائح مكررة وضاغطة مثل: “عندما يعجز الآخرون عن مساعدتك عليك بمساعدة نفسك”. وعلى شيء من التناقض مع هذه النصيحة يوغل المخرج المضطرب في اللجوء للخيال اللامع والذكريات المضيئة بدلا من التعامل الجدي مع واقعه الداكن، وتتحول كل امرأة محيطة به إلى حالة مستقلة ومشتعلة بالغناء والرقص والتنفيس عن الرغبات العميقة وغير المتحققة، وتتداخل انفعالات مثل النشوة والغيرة والشبق والانفصال والعشق وعقدة الذنب والشهوة المتسلطة إلى انفعالات جارفة ومتضادة استطاع المخرج اللعب على أوتارها المختلفة من خلال القفز من اللحظة الواقعية إلى اللحظة الافتراضية والخيالية التي يتبدل فيها مسرح الحياة وتتبدل فيها الألوان والأزياء والديكورات والإضاءة، فتحتشد حوارات الفيلم باللكنة الإيطالية والمعمار الإيطالي والنكهة المتوسطية لمدن “اللازوردي” المطلة على البحر. مغازلة الأوسكار ورغم أن فيلم “ثمانية ونصف” لفيلليني والذي أذهل النقاد حول العالم وما زال يثير إعجاب السينمائيين إلى الآن قد اعتمد على منهج اعتبر ثوريا في تلك الفترة وهو منهج (سينما المؤلف) أو (الحوار مع الذات) الذي حطم تقاليد الواقعية الجديدة واعتبره البعض ثورة شخصية مارسها فيلليني ضد الأسلوب الواقعي الصارم لمعلمه وأستاذه روبيرتو روسيلليني، ورغم النوايا الذاتية والفنية الأصيلة التي أراد فيلليني بثها في هذا الفيلم، إلا أن فيلم “تسعة” لمارشال لم يقدم “صورة الفنان في أزمته” بالمعنى العميق للعبارة، ولم يشأ وضع بورتريه للمبدع الحائر نطل من خلاله على تشريح حقيقي للذات ولخفاياها السيكولوجية التي أراد فيلليني جاهدا القبض عليها. قدم مارشال فيلمه بمزاج شخصي وهوس تصويري يعتمد على الكاميرا السريعة وتنويع زوايا التصوير وتقنيات الزوم وبمقاييس هوليوودية يمكن من خلالها أن يلامس ضفتي العزلة (الفنية) والصخب (الترفيهي)، وأن يغازل جوائز الدورة القادمة لحفل الأوسكار مستعينا في ذلك بأسماء كبيرة ومخضرمة. لا ننسى هنا جودي لينش التي مثلت دور “ليلي” مصمصة الأزياء وكاتمة أسرار المخرج غويدو، ونيكول كيدمان التي قامت بدور “كلاوديا” الممثلة التي طالما ألهمت المخرج في أفلامه السابقة، وكيت هيدسون في دور الصحفية “ستيفاني” التي استحوذت على فضاء إيروتيكي صارخ في الفيلم. قد يرى البعض أن الأفلام الغنائية لا تستطيع ملء الفراغات أو الثغرات في المساحة الدرامية لهذه النوعية من الأفلام، ولكن المنتصرين للفيلم الغنائي يجدون فيه شكلا مختلفا من التعبير البصري الذي يوائم بين أساليب وفنون عدة مثل المسرح والموسيقى والتشكيل واستثمار الطاقات المغيبة لممثلين طالما كانوا ضحايا لأدوار ثابتة وإطارات أدائية مكررة لم يستطيعوا الخروج من أسرها أو التمرد على سطوتها و حيزها النمطي. قراءة في فيلمين مغربيين جديدين أسئلة مستفزة تولّد الخيبة عبداللطيف البازي “نامبر وان” هو الفيلم الأول لزكية الطاهري الممثلة التي تعرفنا عليها في فيلم “باديس” للجيلالي فرحاتي و”باب السما مفتوح” لفريدة بليزيد. هو فيلم ذو أطروحة يدافع عن أفكار محددة بخصوص المرأة وأوضاعها لذا عرضت علينا المخرجة منذ اللقطة الافتتاحية بنودا من مدونة الأسرة التي تبناها المغرب، كما تكرر الحديث عن المدونة بشكل مبرر أحيانا وبنبرة خطابية أحيانا أخرى واعتمادا أيضا على الفكاهة والإضحاك. “نامبر وان”: الرجل الذي يخاف النساء و”نامبر وان” هو عزيز المسؤول رقم 1 عن تسيير معمل للخياطة تعمل فيه النساء فقط، نساء يحملن بدورهن أرقاما وكأنهن سجينات فقدن حريتهن وكرامتهن، وبالفعل فإن شيئا من ذلك يحدث خلال ساعات عملهن الطويلة والمملة وفي مواجهة تجهم عزيز ومعاملته الفظة التي توحي بأنه يكرههن ويخافهن في حين يتعامل بخنوع مفرط مع مالك المعمل الأناني الذي يعيش حياة باذخة. وسيركز الفيلم على وضعية ثريا زوجة عزيز (أدت الدور ببراعة نزهة رحيل) التي تخافه ولا تنطق ببنت شفة في حضوره ولايمكنها مغادرة المنزل دون موافقته، فكان أن قصدت فقيها مشعوذا علها تتخلص من أحزانها ومن مهاناتها اليومية. وشعر عزيز بشكل فوري بتغير ما ينتابه وبدأ يعاني من انفصام رهيب وكأنه “شامسون” آخر قطعت “دليلة” شعره وتركته عاجزا عن الصراخ في حين أن الصراخ والتجهم كانا سلاحيه القاطعين وعنواني سلطته المتوهمة. وهو قد أصبح أكثر حنانا وأكثر تفهما لاحتياجات النساء مما أثار دهشة العاملات وتندرهن، وفي المنزل اكتشف عناء إعداد وجبة غذاء ومتعة مداعبة زوجته التي طلب منها أن تهتم بنفسها وبجمالها بعد أن كانت تشعر بنفسها فيما قبل غير مرئية. وتحت وقع المفاجأة الجميل تتحرر الزوجة من قيود الرتابة المفروضة عليها وتشرع في الرقص رقصة أنيقة، جذابة وضاجة بالحرية. وقد ندمت على لجوئها إلى السحر والشعوذة. والزوج هو الآخر أحس بشعور نادر بالحرية وتخلص من شعوره بالخوف تجاه الجنس الآخر وبالمقابل بدأ يشعر بضغط المجتمع والجيران والجارات لأنه أصبح نموذجا يصعب وينبغي احتذاؤه. هو تمرين إذن على قبول الاختلاف واحترام الآخر. وفي المعمل أصبحت الأجواء مطبوعة بالتواصل والود وأصبح الشغل أكثر مردودية إلا أن ذلك لم يشفع لعزيز وطرده مالك المعمل شر طردة فاحتجت العاملات وأعلنّ إضرابا انتهى بأن عادت الأمور إلى نصابها. ويبدو أن الزوج عزيز الذي بدأ تأثير السحر يختفي من تصرفاته قرر أن يطور نفسه ويهذب عدوانيته حيث اعترف بتلقائية: “أنا رجل وأريد أن أتعافى”. إن بنية الفيلم تتميز ببساطتها، هي بنية فيلم جماهيري يخاطب الشرائح العريضة ويتبنى نهاية سعيدة، وقد توفق في ذلك بشكل أكيد مع ما يعنيه ذلك من تحكم في الجوانب التقنية. لكن المجازفة غير المحسوبة كانت على مستوى الرؤية الفكرية وقد تمثلت في ربط تحول الرجل واكتشافه لضرورة معاملة زوجته وعموم النساء باحترام وحب بوقوعه تحت تأثير السحر والشعوذة بالشعوذة والسحر مما قد يفسر في تأويل متسرع أو غير لبيب حث عموم المغاربة على اللجوء إلى هذا السلوك غير العقلاني والمرفوض. ضبابية الرؤية في “حجاب الحب” استشهد د. نورالدين الصايل، في محاضرة ألقاها مؤخرا، بالمسرحي العالمي صامويل بيكيت وهو يقول “هل حاولت؟ هل فشلت؟ حاول مرة أخرى. افشل مرة أخرى. الفشل أفضل من عدم المحاولة”. وقد يكون هذا هو “برنامج عمل” أغلب الحاصلين على أموال صندوق الدعم السينمائي، “صيادي المنح” حسب تعبير الناقد مصطفى المسناوي، دعم يقدم نظريا على أنه تسبيق على المداخل لكنه في الحقيقة يظل مجرد “هدية” دون أن تعرف مناسبتها ومراميها وإلا فما الذي يبرر، مثلا، حصول فيلم “حجاب الحب” لصاحبه عزيز السالمي على دعم يقتطع من المال العام؟ “حجاب الحب” فيلم أثار جدلا. فيلم مرتبك الرؤية وغير ناضج، وحواراته تتداخل فيها اللغة الفرنسية والدارجة المغربية. فضيلته الوحيدة هو أنه يصور المجتمع المغربي باعتباره، كما هو بالفعل، مجتمعا معقدا ومركبا وذا تحديات فكرية واجتماعية عنيدة ويعيش اختناقات عدة. موضوع الفيلم هو الحجاب حينما يرتبط بالحب وبالجنس تحديدا، وهو بذلك يحيل على معطى ذي إحالات اجتماعية ودينية، وله امتداداته في الحياة اليومية وفي معيش الأسر ويجعلنا نطرح هذه الأسئلة المترابطة: ما معنى ارتداء الحجاب في مغرب اليوم؟ هل هو اختيار أم استسلام؟ مناورة أم تقية؟ تتعدد الإجابات بتعدد الحالات، لكن فيلم “حجاب الحب” عجز عن الإمساك بتعقد الظاهرة، واختار الحل السهل المتمثل في الإثارة (أجساد أنثوية جميلة متخففة من الثياب، رقصات متكررة وموسيقى صاخبة بحانات أنيقة) وفي تقديم شخصيات مسطحة تنتقل من موقف إلى آخر ومن ارتداء الحجاب إلى عدم ارتدائه، بالنسبة للشخصيات النسائية، دونما تبرير ودون منطق موجه لتصرفاتها. فالباتول الطبيبة الوديعة والشخصية الرئيسية تعلقت بحمزة الدون جوان المتمرد، وستهديه عذريتها دون أن تخبره بالأمر في مشهد فاتر وستربطهما بعد ذلك علاقة متوترة ترددت فيها الباتول بين ارتداء الحجاب أو خلعه وانتهت بأن حملت. وحينما مات أخوها في حادث اصطدام وهو يطارد سيارتها ألح عليها إحساس بالذنب، وفي الأخير سيظهر أنس، قريبها المتدين، الذي سينقذها من ورطة الحمل ويقبل أن يتزوجها بعد أن صدته أكثر من مرة وبعد أن رفض حمزة الحداثي تحمل مسؤوليته. والملاحظ أن باقي شخصيات الفيلم النسائية هي إما شخصيات متذبذبة تائهة تبحث عن زوج بأي ثمن، أو ترغب في نسيان تجربة مرة عبر الخمر والعلاقات العابرة. ولا نعثر على من تعيش حياة طبيعية ومتزنة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©