السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراع الكتّاب أم المكتوب؟

صراع الكتّاب أم المكتوب؟
16 ديسمبر 2009 22:25
كان زخم ملتقى القاهرة الدولي الأول للقصة العربية القصيرة موضع مؤاخذة عدد من الحضور والمشاركين في الملتقى، ففي وقت واحد كانت هناك جلستان بالإضافة إلى المائدة المستديرة طوال أيام الملتقى وكانت هناك جلسات قراءة، قرأ فيها عدد من الكتاب نماذج من قصصهم وتولى النقاد والمستمعون التعليق عليها والقضايا المطروحة مهمة للكاتب وللناقد، فضلا عن المهتمين بالأدب عموماً، ولأنه الملتقى الأول فقد حشدت اللجنة العلمية التي ترأسها د. حسين حمودة، الاستاذ بجامعة القاهرة، الكثير من القضايا وكأنه الملتقى الأول والأخير. هناك محور عن جذور القصة القصيرة العربية وتاريخ نشأتها ومحور القص في التراث العربي القديم مع التوقف أمام إنتاج عدد من القصاصين العرب مثل نجيب محفوظ ويوسف ادريس والطيب صالح ومحاولة تناول تجربة القص في عدد من البلدان العربية مثل المغرب والسودان. القصاصون وجدوا في الملتقى رد اعتبار لفنهم ـ فن القصة القصيرة ـ واشتكى سعيد الكفراوي وهو من أبرز كتاب القصة القصيرة، في الجلسة الأولى من أن القصاص حين ينجز عملا يقول له النقاد والمتابعون “مبروك وعقبال الرواية” ويرى الكفراوي في ذلك انتقاصا من قيمة القصة كفن، ولم يتردد عدد من القصاصين في مهاجمة الرواية كفن، هي عند ابراهيم الحسيني فن التطويل إلى حد الملل، وقال قصاص عربي كبير: يطالبونني بأن اكتب الرواية ويندهشون انني أخلصت للقصة القصيرة عمري كله ولا يدرون أن الرواية هي فن الثرثرة والكلام الكثير بينما القصة هي فن التركيز. وعلى هذا المستوى تعرض د. جابر عصفور في العديد من الجلسات للانتقاد والهجوم، فهو صاحب مقولة: اننا نعيش زمن الرواية، وله كتاب بهذا العنوان صدر في أوائل التسعينيات من القرن الماضي أكد فيه أن الرواية هي الفن الذي سيواصل الازدهار، وحين قال عصفور ذلك كان يقصد المعنى الذي صرح به قبله د. علي الراعي من أن الرواية صارت ديوان العرب، وكانت الصياغة هي أن الرواية تقابل الشعر، ولذا غضب عدد من الشعراء من عصفور وهاجموه حتى أن الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي أعلن وقتها أن الشعر في أزمة بالفعل ويتراجع، لكن الأزمة سوف تصيب الرواية أيضاً. زمن السرد هذه المرة صارت الرواية مقابل القصة القصيرة واضطر د. عصفور إلى ان يقول: “شعرت بأن هذا الملتقى عقد خصيصا لمهاجمتي، سواء من المبدعين أو من النقاد وحين قلت إننا نعيش زمن الرواية قصدت أننا في زمن السرد والسرد هو الأساس وللسرد طرفان هما الرواية والقصة القصيرة”. لم يكن د. عصفور وحده هدفا للانتقاد، بل نوبل نجيب محفوظ كذلك، جاءت نوبل إلى محفوظ ولم تذهب إلى يوسف إدريس ورغم أن محفوظ لديه مجموعات قصصية مهمة لكن الجائزة ذهبت إلى رواياته، ومن هنا اتجه انتباه المترجمين والمؤسسات الدولية إلى الرواية العربية وليس إلى القصص القصيرة، والباحثون الأجانب يفتشون عن الرواية. وقال القاص ابراهيم الحسيني فيما يشبه الاتهام ان الاجانب يتطلعون إلى الرواية لامتلائها بالتفاصيل عن حياتنا ومجتمعنا، لكي يتعرفوا عليها، بينما القصة فن التكثيف وبحاجة إلى فهم عميق، لا يقدرون عليه، وفي العالم العربي تحتفي المؤسسات الثقافية بالرواية وليس بالقصة، مثل جائزة البوكر العربية، لذا اتجه عدد كبير من القصاصين إلى الرواية حيث الجوائز والتكريم والترجمات، وهو ما اعتبره بعض المتحدثين عيبا خطيرا في الكاتب، فلا يليق ان يقوم الكاتب بتفصيل عمل على مقاس جائزة بعينها، سواء كانت في العالم العربي أو حتى جائزة نوبل نفسها. واشتكى القصاصون من انصراف النقاد عنهم وتركيزهم أو احتفائهم بالرواية فقط، لكن د. خيري دومة حاول التخفيف من هذه الجزئية، فانصراف النقاد إلى الرواية عن القصة القصيرة وعن غيرها من الأنواع الأدبية لا يقتصر على العالم العربي وحده، وإنما يكاد يكون ظاهرة مشتركة بين آداب العالم. يمارس د. خيري النقد ضد نقد القصة القصيرة عموما، فهناك دراسات عديدة وكتب كثيرة صدرت وتصدر عن القصة القصيرة، لكن معظم هذه الدراسات تهتم بنشأة هذا النوع الأدبي وتطوره واتجاهه، ومن هنا يجد القارئ نفسه غارقا في فيض ببلوجرافي من أسماء الكتاب وعناوين قصصهم ورغم أهمية هذا الجانب من الدراسات للقارئ والدارس، فإنه يتجاهل القصة القصيرة بصفتها فنا وإبداعا متميزا عن غيره من ألوان الإبداع الأدبي. وهناك نوع آخر من الدراسات يهتم بنظرية القصة القصيرة كنوع أدبي له أشكاله المختلفة ورؤيتها وفلسفتها الخاصة. وثمة نوع ثالث من الدراسات يهتم بتناول أعمال كاتب بعينه أو اتجاه من اتجاهات كتاب القصة القصيرة، وفي العموم يرى د. خيري دومه ان نقاد القصة القصيرة في النهاية مستويان، الأول يتعامل مع القصة من منطلق نظري وكأننا بإزاء قانون علمي صارم والثاني لا يملك سوى اقتراح خجول أو سؤال متردد ولا يملك حسا. وقد لعب الاثنان دورا سلبيا بالنسبة للقصة القصيرة وغيرها من أنواع الأدب الحديث. على غير رأي معظم القصاصين، ذهبت بعض الأوراق النقدية إلى ما يمكن أن نطلق عليه فضائل القصة القصيرة على الرواية والنموذج لذلك ورقة د.سيد الوكيل، فقد توقف عند الرواية الجديدة التي تحررت إلى حد كبير من القالب القديم للرواية، فقد كانت الرواية تعمل على تنمية السرد في اتجاه غاية كلية ووحيدة وتنهض على علاقات بين شخوص أما الآن فالرواية تسعى الى علاقات تنهض على التعدد والتجاور وتسبح في فضاء سردي مرن ومفتوح يقبل الكثير من طرائق التعبير، ويذهب الى ان القصة القصييرة هي المسؤولة عن انتقال الرواية من الشكل القديم إلى البناء الجديد. وقد توقف العديد من الأوراق حول الحدود والعلاقة بين القصة القصيرة والرواية، فهناك جانب من الدارسين أكدوا تميز القصة القصيرة كنوع أدبي مستقل، لكن هناك من خلطوا بين الرواية القصيرة أو القصة القصيرة الطويلة، ولذا وجدنا بعض المؤرخين يعتبرون قصة “الفتاة الريفية” لمحمود خيرت، الصادرة عام 1911 هي الرواية الأولى قبل “زينب” لكن في هذا الملتقى اعتبرها البعض قصة قصيرة ووجه التداخل والالتباس يرجع إلى ان الرواية حين نشأت كان يطلق عليها قصة وان معظم الروائيين كتبوا القصة القصيرة. بدا الملتقى بتساؤلات عديدة وبرغبة من القصاصين في رد الاعتبار لفنهم بإزاء الرواية وانتهى بتساؤلات أكثر وأعقد. وأهمية الأدب والدراسات النقدية والإنسانية ان تثير وتطرح تساؤلات أكثر مما تقدم إجابات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©