الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كاتبات في حضن الذكورة

كاتبات في حضن الذكورة
16 ديسمبر 2009 22:25
كان الإبداع النسوي في الأردن تحت مطرقة نقاد، فبعضهم اعتبر التجنيس مؤامرة غربية هدفها خلق مزاحمة بين الرجل والمرأة لا تكون في محصلتها لصالح المرأة، فالمرأة المبدعة مطالبة بالتصالح مع ذاتها أولا، على الرغم من اعتراف كثيرين بقامات نسائية لا يمكن تجاوزها في مجال القصة والشعر والرواية. توفيق عابد النتيجة الأبرز التي خلص لها ملتقى الإبداع النسوي في جامعة الزيتونة، عقب ثلاث ساعات من الحوار، كانت أن إبداع المرأة خرج من حضن الذكورة، فالمرأة تبدأ الكتابة على شكل ذكوري، وهي تخسر معركتها إذا وجهتها ضد الرجل لأن المناكفة تعطل المنجز الأدبي وتتحول إلى تموضع أو حرب مواقع تبقي المرأة في خانة التابع وليس المبادر. أزمة وترى الروائية ليلى الأطرش أن معركة تحرير المرأة ما تزال في الفكر والواقع تستدعي بذل جهود مضاعفة لتتمكن من تفتيت سقف الأفكار والمواقف ولا يمكن فصل الحرية عن الإحساس بالذات أو تحديد هوية الذات ودورها وحقها والنضال من أجل تحقيقها في المحيط الخاص أولاً ثم في الصدام مع المحيط العام. وقالت إن الوعي السياسي للكاتبات تزامن مع مخرجات التعليم وحركات التحرر واندحار الكولونيالية من الدول العربية وبروز دعوات لمشاركة المرأة ووصولها إلى مراكز صنع القرار تعييناً أو كفاءة، وانعكس ذلك على الأدب الذي تكتبه المرأة اقتحاماً للتابوهات وامتلاكاً لناصية البيان اللغوي والتجديد في الشكل ولكن ظلت أزمة الهوية المرتبطة بالذات وحريتها الشخصية الأكثر ظهوراً في ما تكتبه المرأة وتجاوزت أخريات الذات الخاصة إلى التحولات الاجتماعية والحريات العامة، ومزجت الخاص الأنثوي مع العام المتقلب والمضطرب والمتفاعل بالنكوص السياسي والفكري حسب الظروف الخاصة ودرجة الوعي المجتمعي والفكري والإحساس بالهوية من خلال الذات وتصادمها مع محيطها الخاص والعام. أرقام من جانبه يرى الناقد نزيه أبو نضال أن مرحلة التسعينيات شهدت ما أسميته بانفجار الكتابة النسوية وهي جزء من ظاهرة عربية أوسع بل من حراك عالمي أيضاً، لما شهده أواخر القرن الماضي من اهتمام عالمي بالمرأة ونزولها الهائل للتعليم والعمل مما مكنها من انتزاع حريتها العقلية واستقلالها المادي رغم بعض الظواهر المعاكسة وبما أسهم بالتالي في التعبير عن ذاتها إبداعياً بهذا الزخم والكثافة والجرأة أيضاً. فأرقام الإبداع النسوي تقول إنه صدر في حقل الرواية النسوية الأردنية حتى نهاية العام الماضي (88) رواية، منها 14 فقط بين عامي 1957 و1979 وفي الثمانينيات 16 رواية، ليرتفع في التسعينيات إلى 28 رواية، وفي الألفية الثالثة (2000 ـ 2008) زهاء (30) رواية. وفي القصة القصيرة صدرت 36 مجموعة من 2001 حتى 2008 وأجمع معظم النقاد والمهتمين بأن ظاهرة الإبداع القصصي النسوي في الأردن ظاهرة متميزة، ليست على مستوى أنواع الإبداع المحلي فقط وإنما على المستوى العربي كذلك. وفي الشعر، تشير الأرقام المتوفرة لدينا بأن مساهمة الشاعرات الأردنيات حتى عام 2003 كانت 89 ديواناً وأن قصيدة النثر المسماة بقصيدة المرأة قد تسيدت المشهد الشعري النسوي الآن حيث بلغت نسبتها بين 2115 قصيدة 60.66 % والتفعيلة 33.75 % فيما لم تتجاوز قصيدة البيت الفراهيدي الـ 5.6 % وعدد الكتب النقدية الصادرة بين 1955 و2008 حوالي (56) كتاباً من بينها 16 صدرت حتى بداية التسعينيات و40 كتاباً، حتى 2008. زنازين ويقول أبو نضال: حين نقارب هذا الإبداع النسوي المتنوع فإننا لن نجد صعوبة بملاحظة سمتين واضحتين. الأولى: أنه لا يزال يشكل حالة تراكم كمي هائل لم يتحول بعد، من ناحية الكيف إلى إبداع نسوي متميز.. صحيح أن الإبداع هو في نهاية المطاف إنجاز فردي حر متفلت من حتميات القوانين الطبيعية أو الوضعية ولا يجوز إطلاق أحكام مطلقة عن ظاهرة أدبية بل عن مبدعيها كذوات فردية ولكن يظل الإبداع كذلك ابن شرطه الثقافي الاجتماعي والتاريخي وبما يتيح بالتالي إمكانية مقاربته وقياس حركته واتجاهه نحو المستقبل. الثانية: إن الإبداع النسوي قد خرج أساساً من رحم الكتابة الذكورية، إذا جاز التعبير ويحمل الكثير من خصائص أنواعها الأدبية وقوانينها وبالنسبة لي الرهان بشأن مستقبل الكتابة النسوية هو بمغادرة هذا النموذج الذكوري باتجاه كتابة تعبر عن خصوصية الأنثى وبما يعكس لغتها وأسلوبها وما خفي أو احتجب من عوالمها الداخلية بفعل قوانين العيب والحرام وجرائم الشرف التي يرتكبها على الأغلب سفاحو المحارم. ويقول إن من حق المرأة المبدعة أن تغادر هذا الذكوري السائد في المجتمع كما في الأدب فتروح تقترح وتمارس أشكالاً تجريبية من الرواية تتجاوز فيها ما مارسته هي نفسها من كتابة ذكورية سابقة. ومن هنا نلحظ أن الرواية النسوية، في جزء منها، غادرت عالم السرد الجميل ومشوقات الحكي فيه إلى لعبة اللغة والتجريد وتهاويم الشعر وتؤكد المنشغلات في النقد النسوي أن المبدعة الحقيقية، حين تكتب أدباً نسوياً، فإنها تضيف ما هو جديد ومهم ووحدها الكاتبة الفاشلة تكتب أدباً ذكورياً، كما يقول غالب هلسا.. وحتى تحقق المبدعة ذاتها فإن جهد كاتباتنا يجب أن يمضي، وهو ماضٍ، باتجاه امتلاك المزيد من الجرأة في ردم الهوّة الهائلة الفاصلة بين ذاتها الداخلية وبين قناعها الاجتماعي، كي تصبح قادرة على الإفصاح عن ذلك المسكوت عنه منذ ألف ألف عام. ويرى أن الكتابة النسوية الحقيقية لا تخرج المرأة من زنزانة انكسارها التاريخي فحسب، ولكنها تنقذ الذكر من تخلفه وعبوديته فليس ثمة رجل حر بغياب امرأة حرة. وجهان ويرى الناقد محمد المشايخ أن المرأة لم تكن تراعي عندما تكتب هواجسها الداخلية واحتياجاتها الخاصة وهي نعتبر نفسها صاحبة رسالة غير ذاتية وغير أنانية وكانت سمة التمرد على المألوف هي السائدة في الأعمال الأدبية والقصة بشكل خاص.. إنها ترفض الواقع الذي يقيد حريتها كما أن الهموم الإنسانية كانت في مقدمة أولويات القاصات الأردنيات فهن بعيدات عن الإقليمية والقطرية والطائفية.. تعكس قصصهن معالجتهن لأرق الجماهير وإرساء السلام والعدل والديمقراطية وكراهيتهن للحرب والدمار الذي يحصد الأبرياء. ويقول إن المدهش في قصص الأردنيات تعلقهن بالماضي وخاصة مرحلة الطفولة فهن يتحدثن عن ماضيهن بصراحة وطلاقة بإسقاط الماضي على الحاضر برمزية سريعة الانكشاف. وبحسب المشايخ فإن المرأة أبدعت في كتابة القصة المتكئة على الواقعية المثالية وكتبت الدراما المتكئة على وجهي الحياة (الأبيض والأسود) والخير والشر، والسعادة والتشاؤم، فكاتبة القصة تكون أكثر إبداعاً عندما تقف عند أية جزئية تتعلق بامرأة غيرها وكثيراً ما لجأن لتحميل القصة كماً كبيراً من الأسئلة رغم أنها ليست ورقة امتحان أو محضر تحقيق. تساؤلات وطرحت الدكتورة زاهرة أبو كشك عدة تساؤلات أبرزها هل أفقدت الرواية القصة بعض مكانتها؟ وهل القصة القصيرة حكراً على المرأة؟ وهل تغيرت الصورة السائدة عن إبداع المرأة؟ وهل كان التقليل من النزعات العاطفية قراراً ذكورياً دون اعتبارات نقدية؟ وهل جاء إبراز المرأة المبدعة على حساب الرجل؟ وهل كتبت المرأة من غير مخزونها الفكري الذي عايشته أم خلقت عالمها فشذت عن قواعد وضعت لها أم هي مناكفات لخلق إبداع على الإبداع؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©