السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصيدة على فراش

قصيدة على فراش
16 ديسمبر 2009 22:26
إن قصيدة النثر بُنَيَّةٌ شرعيّة للشعر العربي”. هكذا صرح محمد عبد المطلب سنة 1998 مدافعا عن قصيدة النثر في جريدة “القدس العربي”. أما أحمد عبد المعطي حجازي فإنه سيخصّها بكتاب تشهيري يحمل عنوان “قصيدة النثر أو القصيدة البكماء”. واللافت في كتابه أنه خصص الفصل الأخير منه لاستنفار عدد من الشعراء والكتاب والأساتذة الجامعيين المصريين الذين يستفظعون قصيدة النثر ويعدّونها الفاجعة المحدقة بالشعر العربي. غير أن الناظر في هذين الموقفين يلاحظ أنهما يتعاضدان ولا يختلفان. فالمنتصر لهذه القصيدة يستوي مع المشهّر بها. إن الإلحاح على أن قصيدة النثر “بُنَيَّةٌ شرعيّة” يوهم بالمناصرة ويخفي الخذلان والتشهير. فللتأنيث الوارد في كلمة “بُنَيَّةٌ” دلالته. وللتصغير دلالته هو الآخر. إنهما يخبران عن المسكوت عنه في تلاوين الكلام. فالبُنيَّةُ إذا كانت شرعية لا تحتاج لأنْ نصوِّت قدّام الناس بالبُوق معلنين شرعيتها. إن الإلحاح على الشرعية يخفي تسليما مضمرا بأن هذه البُنَيَّة لقيطة مولودة على فراش أبيها، لكنها ليست من صلبه. قصيدة النثر ستظلّ تجتذب الوعي النقدي والشعري إلى سجالات عقيمة تكشف مدى ما ينبني عليه الوعي التحديثي العربي من تبسيطية. والحال أن العرب القدامى كانوا قد حسموا هذا الإشكال حين ميّزوا بين الشعر والنثر والشعريّة. وألحّوا على أن الشعريّة تقع في الشعر وتندسّ في النثر فتجعل الحدود الفاصلة بينهما مرهفة إلى حدّ التلاشي. وتعتصر المسافة بين النمطين تكاد تلغيها. لذلك كانت الحدود بين النثر الفنّي والشعر، في الثقافة العربيّة، واقفة على الشفا الخطير. تكاد تمّحي ولا تمّحي. ههنا بالضبط يأتي الوزن ليضطلع بمهمّتين في غاية الخطورة. تتمثّل الأولى في كونه ينهض بدور تمييزي. إنه عبارة عن عتبة واقعة في المابين تقي النوعين من التلاشي. فالوزن يقي الشعر من التلاشي في النثر. وبذلك تصبح الشعريّة صفة حاضنة لهويّة الشعر والوزن أمارة مانعة لنوعه. إنه الخيط الدقيق الواهي الذي يحفظ النوع ويقيه من التلاشي في غيره. وتتمثّل الثانية في كون الوزن يضطلع بدور تعميم الإيقاع ودفعه نحو الذرى التي تُميّز الشعر عن سواه. فالوزن عبارة عن أرضيّة على أديمها تنغرس بقيّة المكوّنات الإيقاعيّة. ومن تناغم الوزن وتلك المكوّنات يتولّد الإيقاع باعتباره واقعا في تلك المكوّنات والوزن، مفارقا لها في الآن نفسه، لأن الإيقاع ليس مجموع مكوّناته بل هو محصّل اعتمالها. إنه ناتج عنها، مفارق لها. إن عدم الإحاطة بمقررات المنظرين العرب القدامى هي التي جعلت الخطاب النقدي العربي المعاصر ينشغل إلى حدّ الهوس بقضية الوزن، ويهمل مسألة الموقف من المعنى وكيفيّات إنتاجه. والحال أن تبدّل الموقف من المعنى ومن كيفيات إنتاجه هو الذي جعل الممارسات الشعرية المعاصرة تتشكّل طيلة هذا القرن مأخوذة بضرورة هدم الشعر من جهة كونه إنشاءً وصناعة وتجويدا للكلام، ولاسترداده من جهة كونه كتابة وفعلا وجودا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©