الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رقة الدين

رقة الدين
16 ديسمبر 2009 22:28
يجمع الرواة على أمرين في بشار بن برد كانا من أسباب هلاكه، أولهما رقة دينه، وما أثر من ميله إلى الإلحاد نظرا لقرب عهده بالمجوسية والإسلام معا، وله في ذلك نوادر طريفة وأشعار شهيرة، منها ما يرويه الأصفهاني عن خلاد ابن مبارك قال: كنت أكلم بشار وأرد عليه سوء مذهبه بميله إلى الإلحاد، فكان يقول: لا أعرف إلا ما عاينته أو عاينت مثله، وكان الكلام يطول بيننا، فقال لي: ما أظن الأمر يا أبا خالد إلا كما تقول، وأن الذي نحن فيه خذلان، ولذلك أقول: طُبعتُ على ما فِيّ غير مُخيَّرٍ هواي، ولو خُيرت كنت المهذَّبا أريد فلا أُعْطَى، وأُعطى ولم أُرد وقصّر علمي أن أنال المغيبا فأُصرفُ عن قصدي، وعلمي مُقصِّرٌ وأُمسي وما أعقبت إلا التعجبا ولا شك من يقرأ هذا الشعر يدرك محنة صاحبه، وعبثيته مما سبقه على نزعاته ومشاعره، كما يدرك أن كثيرا من الأخبار قد نسبت إليه انتقاما منه، وربما أسندها إليه من كانوا يخشون مغبة التصريح بآرائهم الموافقة له، فنفسوا عن أنفسهم بحكايتها عنه. على أن بعضها تبدو عليه دلائل الصنعة والتكلف والافتعال، مثل ما يروى عن أن بشارا كان له نديم ماجن مثله، فقال له يوما: يا أبا معاذ، لقد نسبنا الناس إلى الزندقة، فهل لك أن تحج بنا حجة تنفي عنا ذلك؟ قال: نعم ما رأيت، فاشتريت بعيرا ومحملا فركبا، فلما مرّا بزرارة (وهي محلة بالكوفة) قال له صاحبه: ويحك يا أبا معاذ! ثلاثمائة فرسخ بقيت لنا، متى نقطعها؟ مل بنا إلى زرارة نتنعم فيها، فإذا قفل الحجيج عارضناهم بالقادسية (وهى على مقربة من الكوفة أيضا) وجززنا رؤوسنا، فلم يشك الناس أننا جئنا من الحج، فقال له بشار: نعم ما رأيت لولا خبث لسانك، وإني أخاف أن تفضحنا، قال: لا تخف، فمالا إلى زرارة يشربان الخمر ويفسقان، فلما نزل الحاج بالقادسية راجعين أخذا بعيرا ومحملا، وجزا رؤوسهما وأقبلا، وتلقاهما الناس مهنئين، لكن ظن بشار قد صدق في صاحبه، وكان ما خاف أن يكون؛ إذ فضحه صاحبه بهذه الأبيات: ألم ترني وبشارا حججنا وكان الحج من خير التجارة خرجنا طالبي سفر بعيد فمال بنا الطريق إلى زرارة وآب الناس قد حجوا وبروا وأثبنا موقرين من الخسارة فهذا النديم المجهول صار شاعرا بدوره، ولا أحسبه إلا من خيال الرواة، وإن كان ما يريدون إثباته من رقة دين بشار وارد في كثير من الأخبار والأشعار لكنها مما يليق بشاعر كبير مثله، وذلك فيما أثر عنه مثلا من قوله: إبليس أكرم من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الكفار النار عنصره، وآدم طينة والطين لا يسمو سمو النار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©