الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق التوافق الوطني

3 يناير 2008 03:04
أعلن المشير عمر البشير رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة ذكرى استقلال السودان، العفو عن جميع المعتقلين السياسيين والعسكريين في قضية ماسمي بالمحاولة التخريبية (الأستاذ علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي ورفاقه الآخرين)·· وتلك خطوة مبشرة كان الناس من كل أطياف المجتمع السياسي بما فيهم نواب من الحزب الحاكم وشركائه، قد دعوا الرئيس البشير أن يمارس صلاحياته الدستورية، وأن يبادر بها منذ أشهر عديدة، ولقد عزز سيادته أمره بالعفو بدعوة -يرجو المواطنون أن تجد صداها في الواقع- للوحدة والتوافق الوطني في مواجهة الظروف الصعبة التي يمر بها السودان والتي لايختلف الوطنيون حول خطورتها، وأن لا مخرج منها إلا بتوحيد الإرادة السياسية السودانية والتوافق الوطني الجاد حول برنامج يحقق الانتقال السلمي نحو الديمقراطية، وتوفر المناخ لكفالة الحريات العامة بالغاء القوانين والممارسات التي تتعارض مع الدستور والتطبيق العادل لمستحقات اتفاقية السلام الشامل، والعمل الجاد بأفق ومقومات قومية لإطفاء بؤر الحروب الدامية في ''دارفور'' وجنوب ''كردفان'' وغيرهما من المناطق المعرضة للانفجار· إن ثمة قضايا ساخنة تفرض نفسها اليوم على السودان، ليس أولها ولا آخرها قضية العلاقة المتوترة مع الجارة تشاد، فالعلاقات السودانية التشادية ظلت ومنذ انفجار الصراعات الأهلية في تشاد خلال فترة سبعينيات القرن الماضي، تتأرجح بين التوتر وسوء الجوار أحيانا، وبين الهدوء وحسن الجوار أحيانا أخرى، وذلك نتيجة تخلي الطرفين عن مبدأ دولي وهو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الدول؛ وزاد الأمر سوءا انفجار الوضع في ''دارفور'' وما أفرزه من مؤثرات سالبة على علاقات الجارتين نسبة للتداخل القبلي والآثني الذي يسود تلك المنطقة إلا أن التوترات لم تترد إلى الدرجة التي انتهت إليها اليوم من عدوان على الأرض السودانية بالطائرات، والمشاة حسب ما قالت الخارجية السودانية في بيانها وشكواها العاجلة التي رفعتها لمجلس الأمن، وهو عدوان متكرر ظل السودان يلفت إليه النظر ودأبت تشاد على إنكاره، غير أن مصادر دولية (رئيسة مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في السودان) أكدت وقوعه، وطلبت رسميا من بعض موفديها العاملين في المنطقة الحدودية الانسحاب منها، وذلك حرصا على سلامتهم، برغم أن توقف أعمال الإغاثة في تلك المنطقة سيفاقم من سوء أوضاع اللاجئين المتردية اصلا؛ ولذلك فإن دعوة الرئيس البشير التي جددها في خطابه للتوافق والوحدة الوطنية يجب أن تتطور وتحمل معها صدق القول والعمل نحو حل وطني سوداني لحرب ''دارفور'' التي فتحت المجال واسعا لكل أشكال التدخلات الأجنبية الحسنة والسيئة على حد سواء· إن مناسبة ذكرى الاستقلال الثانية والخمسين قد تتيح فرصة تاريخية لكافة ألوان الطيف السياسي السوداني حكومة ومعارضة لاستلهام أول وأعظم درس قدمه التاريخ للسودانين عند إعلان استقلال بلادهم؛ ذلك الدرس الذي يجب ان يستفاد منه، واستيعابه واستصحابه في مثل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها السودان، وهو درس الإجماع الوطني الذي جعل حلم تحقيق الاستقلال ممكنا بصورة ماتزال ذكراها تعطر صفحات التاريخ السوداني الحديث· ليست التوترات بين السودان وتشاد التي توشك أن تندلع هي وحدها مايستوجب ذلك الوفاق، بل إن التصعيد في منطقة ''ابيي'' الذي يهدد بعواقب وخيمة على الوطن كله، وهو ما يستلزم النظر إليه بطريقة جادة، فالذي يتعرض للخطر اليوم ليس العلاقات التاريخية بين قبيلتي ''المسيرية'' و''الدينكا'' سكان تلك المنطقة ولكنه علاقات السودانيين جمعيهم مهما بعدت الشقة الجغرافية بينهم وبين ''ابيي'' التي هي اليوم محل صراع يؤججه البعض ليهدد السلم الوطني، ويشعل نيران الحرب الأهلية مرة أخرى؛ وتلك أيضا قضية لا تحل إلا بتضافر الجهود الوطنية التي لا تستثني أحدا· الطريق إلى الوحدة الوطنية أمام الأخطار التي تهدد البلاد -التي أشار إليها خطاب الرئيس البشير في ذكرى الاستقلال- تجعل الفرصة في مطلع هذا العام أفضل مما كانت عليه في العام المنصرم؛ فقط إن ما يحتاجه الناس هو إخلاص النوايا والعمل على تحقيق التوافق الوطني·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©