السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات العراقية واحتمالات تغيير الخريطة السياسية

الانتخابات العراقية واحتمالات تغيير الخريطة السياسية
31 يناير 2009 01:58
ما زال مقهى الشاهبندر يقف شامخاً كشاهد على مدى صلابة العراق وعاصمته بغداد حتى في ظل التغيير الذي اجتاح المنطقة وبدّل ملامحها، فبإعادة بنائها بعد تفجير العام 2007 اكتست أعمدتها الزرقاء لوناً بنياً وظلت اللبنات الصغيرة بارزة من جدرانها التي علقت عليها صور الملك فيصل، الذي أُعدم في أول انقلاب يشهده العراق وإلى جانبه أربع صور لأبناء مالك المقهى وحفيده، الذين قتلوا في الحرب الطائفية· ولم ينجُ اسم المقهى التاريخي، الشاهبندر، والمعروف به بين أبناء المنطقة بعدما تحول إلى مقهى الشهداء· لكن هذه التغييرات التي طالت المقهى تسربت أيضاً إلى أحاديث رواده التي انصبت جلها على الانتخابات العراقية الثانية بعد تلك التي شهدها في العام ،2005 وهنا كان التغيير أيضاً واضحاً على مناقشات الناس، حيث تؤشر التعليقات التي تتخللها أبيات الشعر والأمثال على إمكانية بروز خريطة سياسية جديدة في العراق تفرزها الانتخابات الحالية، وذلك في الوقت الذي تستعد فيه إدارة أوباما سحب القوات الأميركية من العراق· وفي بلد - كثيراً ما لاحقته أسئلة الشرعية سواء أكانت مرتبطة بوجود القوات الأميركية، أو بالدستور، أو بالنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية يبدو أن الانتخابات تحظى بتوافق العراقيين، لتبرز كساحة تتنافس فيها مختلف الإثنيات والطوائف والقبائل على المشاركة في رسم مستقبل العراق· وفيما كانت انتخابات عام 2005 مطلوبة في حد ذاتها، كما عبر عن ذلك رواد مقهى الشاهبندر، وهم يحتسون فناجين الشاي، ويذكرون كيف أن تلك الانتخابات كانت ضرورية بغض النظر عن طبيعة المرشحين، فإنهم يعتقدون اليوم أن التنافس حقيقي هذه المرة· فحسب ''جاسم إسماعيل''، مدرس متقاعد ''هناك تنافس شرس في هذه الانتخابات، ونحن اليوم نطلق رصاصة الرحمة على ما كان يحدث في الماضي''· والواقع أن انتخابات اليوم تعتبر فعلاً من أكثر الانتخابات تنافساً في تاريخ البلاد، حيث سيتعين على العراقيين الاختيار بين مجالس 14 محافظة من بين 18 موجودة في العراق· وكان السُنة العرب قد قاطعوا الانتخابات السابقة مما أعطى سلطة كبيرة للشيعة والأكراد في العديد من المحافظات بما فيها بغداد ونينوى، أما في الجنوب الشيعي والغرب السُني، فقد ائتلفت السلطة حول الأحزاب الدينية التي استفادت من سنوات وجودها في المنفى والشبكات السرية التي بقيت من عهد النظام السابق، فضلاً عن المساعدات القادمة من إيران والدول المجاورة والموجهة لبعض القوى السياسية· وبحلول العام ،2006 بلغ الاستقطاب الطائفي أوجه واندلعت أعمال عنف واسعة ذات صبغة طائفية لم تخمد إلا في العام الماضي، لكن خلال هذه الانتخابات تواجه الأحزاب المختلفة منافسة حادة بما فيها الأحزاب الدينية المتنفذة في البلاد· ويوجد حوالي 14400 مرشح موزعون على 400 قائمة يتنافسون على 440 مقعداً في مجالس المحافظات، وفيما يتوقع المراقبون أن تفرز الانتخابات عراقاً أكثر تمثيلا لأبنائه على اختلاف انتماءاتهم، إلا أنهم يتوقعون أيضاً عراقاً أكثر انقساماً وربما أشد اضطراباً· ففي محافظة الأنبار بغرب العراق التي كانت من أخطر المناطق على الجيش الأميركي، يسعى بعض رموز العشائر المحلية ومتمردين سابقين إلى وضع حد لاحتكار الحزب الإسلامي للسلطة، وهو من التنظيمات السُنية القليلة التي شاركات في انتخابات العام ،2005 ولضمان بقائه في السلطة يحاول الحزب الإسلامي نسج تحالفات مع القبائل· من جانبه، يسعى رئيس الحكومة، نوري المالكي، الذي تخلى عن شعاراته الإسلامية لصالح برنامج يروج للقانون والنظام إلى مواجهة المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، الذي ما زال يتمسك ببرنامجه الديني، وفي المقابل هناك أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهؤلاء يدعون الناس إلى التصويت لصالح قائمتين من المرشحين المستقلين صورياً وينتمون إلى التيار الصدري فعلياً· وتسعى الأحزاب العربية السُنية إلى تمثيل أفضل في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، حيث حاز الشيعة والأكراد الأغلبية في انتخابات 2005 عندما قاطع السُنة العملية السياسية، وهم أيضاً يسعون إلى الشيء نفسه في محافظة نينوى شمال العراق التي تعتبر الأخطر حالياً في البلاد، حيث يتوافر الأكراد على 31 من ضمن 37 مقعداً· لكن الانتخابات وإن كانت مهمة في التطور الديمقراطي للبلاد، إلا أنها لا تمثل الحل لكل المشاكل، لا سيما وأنها كشفت عن مشهد ربما يكون أكثر اضطراباً من ذلك الذي ورثته الولايات المتحدة في عام ·2003 فقد تحولت التنظيمات القبلية بتقاليدها إلى أحد صناع الرموز السياسية، كما أن الأحزاب الدينية ورغم تراجع شعبيتها بين العراقيين، فإنها أثبتت قدرتها الفريدة على تعبئة الموارد وحشد الأتباع· وفيما يتخوف البعض من ظهور أمراء الحرب وتحكمهم في دواليب السلطة والسياسة يخشى آخرون من اندلاع الصراع على الحدود العربية الكردية، خاصة أن الحدود مع منطقة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي لم ترسم بعد· وفي خضم هذه المشاكل التي تنتظر العراقيين وتضارب التوقعات والتخمينات يقفز وسط النقاش بقلب مقهى الشاهبندر عبارات يرددهـــا البعــض تعبيراً عن حجم المشاكل: ''ليس كـــل ما يتمناه المرء يدركه، وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن''· وفيما تكثر تعليقات العراقيين حول مصير بلادهم بعد الانتخابات ينصب تركيز خاص على طبيعة التحالفات التي ستبرز بعد ظهور النتائج، لا سيما في ظل الانشقاقات التي يشهدها الائتلاف الحاكم ودخول بعض الأحزاب الشيعية إلى حلبة المنافسة منفردة، فضلاً عن انقلاب المالكي على حلفائه الأكراد في محاولة لخطب ود الشعور القومي للناخبين العرب· ويتوقع بعض السياسيين في هذا السياق ظهور تحالفات جديدة قد تجمع المالكي مع القبائل السنية والشيعية، فضلا عن احتمال انضمام أحزاب علمانية، وهو ما يعبر عنه ''رافع العيساوي''، أحد السياسيين السُنة ونائب رئيس الحكومة قائلًا ''الجميع يعرف أن الخريطة السياسية ستتغير بشكل جذري، والكل ينتظر النتائج لإعادة ترتيب أوراقه والاستعداد لتحالفات جديدة''· أنطوني شديد - بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©