الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العيد بشرى بميلاد جديد

العيد بشرى بميلاد جديد
29 سبتمبر 2008 00:40
العيد بشرى بميلاد جديد لكل من أثقلت الهموم كاهله، فأيقن أنه في اليسر يكون الشكر، وسيجزي الله الشاكرين، وفي العسر يكون الصبر، إذ يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وفي ظل العسر والضيق يأتي العيد ليحمل البشرى لكل مسلم بأن مع العسر يسرا· فالبهجة والفرحة سنة في الإسلام، بهما يستبشر المسلم بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين· العيد في الإسلام هو يوم الفرح والسرور والزينة، يحب الله تعالى فيه أن تظهر أثر نعمه على عباده، بلبس الجديد من الثياب، وتناول الطيب من الطعام بدون إسراف ولا خيلاء؛ يقول تعالى في سورة الأعراف: ''يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(الأعراف: آية 32,31)· ويفهم من ذلك أن الله تعالى قد أحل الطيبات من الطعام واللباس في ذلك اليوم، لخلقه وعباده بيد أنه تعالى وهو -الحكيم الخبير- قد حدد ذلك بعدم التبذير والإسراف؛ حتى لا ينسى المسلمون المعنى الطيب من العيد، وهو شكر الله على إنعامه وتوفيقه إياهم إلى طاعته وعبادته، ويندفعوا في جلب المشقة والعنت على أنفسهم وعلى غيرهم من ذوي الدخول المحدودة من الفقراء والمساكين وغيرهم، بالإسراف في ألوان الطعام واللباس والزينة· والعيد ميلاد جديد من الأحزان والهموم حيث يسمع الحق وهو ينفث فى روعه: عبدي رضيت بقدري فسأعطيك على قدري، فيجيب الإنسان: أي ربي رضيت بحكمك ثقة في حكمتك وطمعاً فى فضلك وجنتك· وهو ميلاد جديد لكل إنسان دب الخلف والشقاق بينه وبين أخيه الإنسان· إذ الصيام خلق فى الإنسان المسلم نفساً وروحاً شفافة، تتوق إلى الجنة وتتعلق بالله، فأيقنت أنه لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وأيقنت أن خير المتخاصمين هو الذى يبدأ أخاه بالسلام· ومن ثم يكون الميلاد الجديد بالعيد لهذه النفوس المتشاحنة كى تصفو مع نفسها وتسامح غيرها رجاء أن يتسامح الخالق معها ويهبها العفو والغفران يوم تبيض وجوه وتسود وجوه· كما انه ميلاد جديد لكل من أسرف على نفسه بالذنوب· إذ المؤمن بصيامه قد صهر في بوتقة الطاعة، حتى تنحى الخبث عنه، فخرج ذهباً إبريزاً، ومرآة صافية ظاهرها كباطنها· فمما لاشك فيه أن للإنسان نفسا تتجاذبه إلى الهوى، فيقع المسلم بسبب ذلك فى الإثم، غير أن عناية الله تسعفه بمكفرات الذنوب وعلى رأسها الصيام الذى يناجى ربه لأجله أى ربى حرمته الطعام والشراب فشفعنى فيه، فيشفع له الصيام عند ربه، ويتجلى عليه ربه فى آخر ليلة من رمضان معلناً الصفح والغفران لكل من صدق فى صيامه، مخلصاً نيته فيه· ومن ثم يأتى العيد على المذنبين بميلاد جديد وصحيفة بيضاء يسطرون فيها بأحرف من نور ما عاهدوا عليه ربهم فى شهر الصيام من طاعة وعبادة ترتقى بهم إلى ربهم وخالقهم ليكونوا أهلا لجنة عرضها السماوات والأرض· العيد ميلاد جديد لكل مكلوم أعوذته الحاجة بيد أنه تعفف عن سؤال الناس· وذلك من خلال صدقة الفطر التى جعلها الله· طعمة للفقراء والمساكين ، وطهراً لصيام الصائمين ، والتى تحمل توجيهاً نبوياً عنوانه ''اغنوهم عن ذل السؤال فى ذلك اليوم''، ومن ثم يكون الميلاد الجديد لكل محتاج تاقت نفسه إلى عرض من أعراض الدنيا يستشعر بها رحمة الله الذى فرض هذه الصدقة على عباده الصائمين، ومن خلالها يتمثل الجنة التى تحفل بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر· بل انه ميلاد جديد للأمة بأسرها حيث انتصرت فى معركتها الرمضانية على الشيطان وجنده وعلى الهوى والشهوة فحق لها أن تستلهم من هذا النصر ميلاداً جديداً فى عيدها، به تنتصر على ما يعوق مسيرتها من عقبات فى واقع الأرض ودنيا الناس لتتبوء ما هو مأمول لها من ريادة وسيادة بها تبرهن على أنها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله· العيد ميلاد جديد لكل من ابتلى بعادة رزيلة يريد أن يتحول عنها، فمن ابتلى بشرب الدخان أو تعاطي المخدرات مثلاً يأتيه شهر الصيام ليزرع فيه قوة العزيمة ويستنفر منه مارد الإرادة ليتخلص مما ابتلى به من عادات قبيحة مرزولة فيستقبل العيد بميلاد جديد يكون فارقاً بين ماض تطوى صفحاته المحملة بالآثام والأوزار، وحاضر يحمل فجراً مشرقاً وانطلاقة جديدة لإنسان ربانى جديد يقوم فى كل شؤونه بأمر الله· ويبتغي بفعله رضوان الله· ومما ينبغى أن نعيه أن الأعياد في الإسلام من حيث كنهها وطبيعتها تختلف عن الأعياد في الأديان الأخرى، فالعيد في غير الإسلام يغلب عليه مادية الطبع والطابع ومن ثم تغيب الروحانية التى تجعل الإنسان يتعامل بالفضل والمرحمة مع غيره· فمثلا في غير الإسلام نجد الإنسان الذى يجنى من تجارته ربحا وفيرا يتخذ من يوم ربحه عيدا· ومن يحقّق أمنية لنفسه وذاته طالما داعبت الأحلام والمنى لديه يعد يوم تحقيقها له عيدا، أضف إلى ذلك مظاهر الأعياد لدى الأمم الأخرى التى تكسوها طابع المادية دون أن تأخذ بعدا دينيا أو روحانيا به ترق القلوب وتصفو الأفئدة والنفوس ومن ثم تعمل على التركيز على الماديات المحضة وإشباع الرغبات الجسدية فحسب· أما العيد في الإسلام فإنه يختلف اختلافاً جوهريا عن هذا التصور السطحى للعيد ودلالته إذ يرى الإسلام الإنسان في جوهره وحقيقته جسماً وروحاً مبنى ومعنى، ومن ثم يعمل على التعادل بينهما والتناسب فيهما، فيجمع في أعياده بين الماديات والمعنويات صاهرا إياهما في بوتقة واحدة لا يعلم ظاهرها من باطنها، مؤكدا أن الإنسان كما يستفيد من مظاهر العيد المادية، يستفيد كذلك من أبعاده الروحية والمعنوية التى تضفى عليه طابعا إنسانيا· ومن ثم يصبح العيد في التصور الإسلامى هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، ويوازن فيه بين ملذاته الفردية وما لغيره من حقوق اجتماعية، فمثلا يأتى عيد الفطر بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الجسمانية من طعام وشراب وغير ذلك مما يمتنع عنه الصائمون طاعة وتلبية لنداء الله تعالى، ومن ثم يمثل عيد الفطر مظهرا لقوة الروح وسلامتها، وانتصار الإرادة الإيمانية على النفس وشهواتها وملذاتها· ويدلل على الوسطية الإسلامية التى أفلحت على إيجاد التعادل بين الروح والجسد، أضف إلى ذلك تللك الإرادة الصلبة التى برهن المسلم على وجودها لديه فتغلب بها على شياطين الإنس والجن ، وقهر بها نزعة الأنا لديه، فكان إحساسه بمن دونه من خلق الله الذين ذاقوا صنوف الجوع والحرمان· من ثم كان قول النبى صلى الله عليه وسلم ''إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فتنادي: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم· وعندما يصلوا ينادي منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم؛ فهو يوم الجائزة · وورد عن الإمام علي قوله عن عيد فطر ''إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©