الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رشيد رضا صاحب المنار

29 سبتمبر 2008 00:41
شهدت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حركة إصلاحية ونهضة إسلامية واسعة في مجالي الفكر الإسلامى والتجديد الحضاري· وبرزت أسماء ولمعت شخصيات لا تزال تنير لنا الطريق حتى الآن· منها محمد رشيد رضا الذي يعد من أهم تلاميذ الإمام محمد عبده وخليفته من بعده، حيث حمل راية الإصلاح والتجديد· وكان رضا مفكراً إسلامياً غيوراً على دينه، وصحفياً نابهاً· ومن أبرز رواد الإصلاح الإسلامي الذين بزغوا في مطلع القرن الرابع عشر الهجري وعملوا على النهوض بأمتهم، حتى تستعيد مجدها وقوتها الفتية على هدى من الإسلام وبصر بمنجزات العصر· ولد رشيد رضا في سبتمبر 1865 وتوفى في أغسطس 1935 في قرية ''القلمون''· وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان، وتبعد عن طرابلس بنحو ثلاثة أميال· وكان أبوه شيخاً للقلمون وإماماً لمسجدها، فعني بتربية ولده وتعليمه، فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، ثم المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس التي كانت تهتم بتدريس اللغة العربية والعلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية· وأسس هذه المدرسة وأدارها الشيخ حسين الجسر، وكان يرى أنه من الضرورة لرقي الأمة الجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة الأوروبية الحديثة مع التربية الإسلامية الوطنية· توثقت العلاقة بين رشيد رضا ومحمد عبده خلال الفترة التي كان يتلقى فيها الأول دروسه في طرابلس ونزل الثاني بيروت للإقامة بها، وكان محكوماً عليه بالنفي بتهمة الاشتراك في الثورة العرابية، وقام بالتدريس في المدرسة السلطانية في بيروت، وإلقاء دروسه التي جذبت طلبة العلم بأفكاره الجديدة ولمحاته الذكية· وكان الشيخ محمد عبده قد أعرض عن السياسة، ورأى في التربية والتعليم سبيل الإصلاح وطريق الرقي، فركز جهده في هذا الميدان·وعلى الرغم من طول المدة التي مكثها الشيخ الإمام في بيروت فإن الظروف لم تسمح لرشيد رضا بالانتقال إلى المدرسة السلطانية والاتصال به بصورة مباشرة، والتلمذة على يديه· في هذه الأثناء كان رشيد رضا شديد الإعجاب بشيخه، حريصاً على اقتفاء أثره في طريق الإصلاح، غير أن الفرصة سنحت له على استحياء، فالتقى بالأستاذ الإمام مرتين في طرابلس حين جاء إلى زيارتها، تلبية لدعوة كبار رجالها، وتوثقت الصلة بين الرجلين، وازداد تعلق رشيد رضا بأستاذه، وقوي إيمانه به وبقدرته على أنه خير من يخلف ''جمال الدين الأفغاني'' في ميدان الإصلاح وإيقاظ الشرق من سباته· أكد الباحث الإسلامى أحمد تمام في دراسته '' رشيد رضا··الإصلاح يبدأ بالصحافة والتعليم '' أن رشيد رضا كتب مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأمة وتقويتها، وخص العلماء والحكام بتوجيهاته، لأنهم بمنزلة العقل المدبر والروح المفكر من الإنسان، وأن في صلاح حالها صلاح حال الأمة، وغير ذلك بقوله: ''إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمة، فاحكم على أمرائها وحكامها بالظلم والاستبداد وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس''· اهتمت مجلة ''المنار'' التي أسسها رشيد رضا بإصلاح العقيدة ومحاربة البدع والخرافات الشائعة في المجتمع، ونشر الفكر الصحيح، ونقد ما يحدث من انحرافات في الموالد الصوفية من منكرات، وما يقوم به بعض الناس من التبرك بالأولياء الأموات· وكانت المجلة شديدة اللهجة، قوية الخطاب في معالجة هذا الوضع· ولم يمض خمس سنوات على صدورها حتى أقبل عليها الناس، وانتشرت في العالم الإسلامي، واشتهر اسم صاحبها حتى عُرف باسم رشيد رضا '' صاحب المنار ''· وعرف الناس قدره وعلمه، وصار ملجأهم فيما يعرض لهم من مشكلات· كما جاء العلماء يستزيدون من عمله، وأصبحت مجلته هي المجلة الأولى في العالم الإسلامي، وملاذ الفتيا في التأليف بين الشريعة والعصر· لإزالة أسباب الفرقة بين المسلمين اقترح رشيد رضا تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكل فرقهم، في المسائل التي تتعلق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وإحسان العمل، والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى كالشيعة، وترسل نسخ بعد ذلك من هذا الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية، وحث الناس على دراستها والاعتماد عليها· وطالب بتأليف كتب تهدف إلى توحيد الأحكام، فيقوم العلماء بوضع هذه الكتب على الأسس المتفق عليها في جميع المذاهب الإسلامية وتتفق مع مطالب العصر، ثم تعرض على سائر علماء المسلمين للاتفاق عليها والتعاون في نشرها وتطبيق أحكامها· من أهم مؤلفاته ''تفسير المنار'' الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده الذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاته دون إتمام تفسيره، وهو من أجل التفاسير· وله أيضا: الوحي المحمدي ونداء للجنس اللطيف، وتاريخ الأستاذ الإمام والخلافة، والسنة والشيعة، وحقيقة الربا، ومناسك الحج· وقد توصل رشيد رضا إلى مجموعة من المبادئ التي تعد أساساً لفلسفة الحكم في الإسلام وهي: التوحيد الذي يقوم عليه الإسلام ويتنافى معه التسلط والقهر والحكم المطلق وينبثق عن التوحيد العدل الذي يمثل القيمة الثانية للحكم، فهو شرط تولي السلطة والذي يضيف الشرعية إلى السلطة أو ينزعها منها، وينقل ما يقوله ابن القيم (أينما وجد العدل فثم شرع الله) والعدل يتفق مع الوسطية الميزة الرئيسية للإسلام والأمة الإسلامية، ويرفض الاستبداد متى وجد غابت العدالة· وأعطى أبعادا كبيرة للحرية باعتبارها قيمة أساسية للحكم كحرية التنظيم والتجمع، وحرية التعبير والرأي والنشر، وحرية الاعتقاد والعبادة، والمشاركة في الحكم وصناعة القرار السياسي، ويراها تطلق الإبداع والثقة بالنفس، وهي تتفق مع العدالة وتساندها· ورأى أن الشريعة الإسلامية تقتضي سلطة تحافظ عليها وتطبقها، وأن إصلاح الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يتم إلا بإعادة تكوين الدولة الإسلامية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©