الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المستنصرية في بغداد أول مدرسة للمذاهب الأربعة

المستنصرية في بغداد أول مدرسة للمذاهب الأربعة
29 سبتمبر 2008 00:43
وقعت الخلافة العباسية ببغداد في منتصف القرن الخامس الهجري 11م بين قطبي رحى وصارت مهددة بالزوال فإلى الشرق كانت هناك خلافة الفاطميين التي احكمت سيطرتها على بلاد الشام والحجاز واليمن ومصر وأجزاء من شمال أفريقيا وفي العراق وفارس برزت الدولة البويهية وهيمن ملوكها على الحكم في بغداد وباتوا يلوحون بعزل الخليفة العباسي ونقل الولاء الى منافسه الفاطمي بمصر· وبينما ظن المستنصر الفاطمي أنه صار علي بعد خطوة من عرش بغداد ظهرت قوة السلاجقة الاتراك على ساحة الأحداث لتنقذ خلافة العباسيين ولتضع أول تقليد تعليمي من نوعه وهو إنشاء المدارس السنية· فعلى أيدي السلاجقة عرفت بغداد حاضرة العباسيين اولى المدارس السنية بعد أن قدم هؤلاء الأتراك بقيادة زعيمهم طغرل بك اليها في عام 448 هـ لانقاذ الخليفة العباسي القائم بأمر الله من سيطرة آل بويه· وينسب الفضل في وضع أسس خطة إنشاء المدارس وإدارتها الى الوزير السلجوقي الشهير نظام الملك فقد أسس نظام الملك أولى مدارسه النظامية في بغداد وتم بناؤها في سنة 458 هـ· وقد حفز إنشاء النظامية رعاة المذاهب الأخرى على الانضمام لحركة إنشاء المدارس ومنهم شرف الملك أبو أسعد محمد بن منصور في بغداد الحنفي المذهب الذي بنى على ضريح ابي حنيفة رحمة الله في باب الطاق مشهدا ومدرسة للحنفية· وتعتبر المدرسة المستنصرية في بغداد أشهر المدارس التاريخية السنية ليس فقط لدقة نظام العمل فيها وسخاء رواتب مدرسيها وطلابها ولكن أيضاً لأنها أول مدرسة شيدت ليتم بها تدريس المذاهب الأربعة· ومشيد المدرسة هو الخليفة العباسي المستنصر بالله 623 - 640 هـ واختار لها موضعاً على شاطىء دجلة من الجانب الشرقي مما يلي دار الخلافة وافتتحت للتدريس في سنة 631 هـ 1234 م بعد أن استمرت أعمال البناء فيها ست سنوات كاملة· وشاءت الأقدار أن تفلت المدرسة المستنصرية من الأعمال التخريبية التي صاحبت دخول المغول بغداد في عام 656 هـ وقد عاينها الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة أثناء مروره ببغداد سنة 727 هـ 1327م وكتب أن من أسواقها سوق تعرف بسوق الثلاثاء وكل صناعة فيها على حدة وفي وسط هذه السوق المدرسة النظامية العجيبة التي صارت الأمثال تضرب بحسنها وفي آخر السوق المدرسة المستنصرية ونسبتها الى أمير المؤمنين المستنصر بالله ابي جعفر أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين الناصر · وذكر أن فيها المذاهب الأربعة لكل مذهب إيوان فيه المسجد وموضع التدريس وجلوس المدرس في قبة خشبية صغيرة على كرسي عليه البسط ويقعد المدرس وعليه السكينة والوقار لابساً ثياب السواد معتماً وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل ما يمليه وهكذا ترتيب كل مجلس من هذه المجالس الأربعة وداخل هذه المدرسة حمام للطلبة ودار للوضوء· وقد طال التخريب العديد من وحدات هذه المدرسة في مطلع العصر الحديث واحتاج الأمر الى ترميمات واسعة النطاق في منتصف القرن العشرين من أجل استعادة تخطيطها الأصلي ومعظم زخارفها القديمة· ويبدو المسقط الأفقي للمدرسة المستنصرية على شكل مستطيل طول ضلعه نحو 105 أمتار وعرضه حوالي 45 متراً وهي تتألف من فناء أوسط فسيح ذي تخطيط مستطيل وتحيط به الإيوانات والقاعات والحجرات· وتتوزع القاعات والحجرات على طابقين اما الإيوانات فإن اسقفها المعقودة تمتد بارتفاع الطابقين معا وفي المدرسة المستنصرية أربعة إيوانات افرد كل واحد منها لتدريس احد المذاهب السنية الأربعة ''الشافعي - المالكي - الحنفي - الحنبلي'' ويتضح من بقايا زخارف هذه الإيوانات انها كانت على ارفع مستوى من الثراء الزخرفي والاتقان الفني· وبين الايوانات الرئيسية توجد حجرات وقاعات بعضها كان مخصصاً للتدريس والبعض الآخر لاقامة الطلاب ولم يتبق من هذه القاعات سوى اثنتى عشرة قاعة كبيرة ارتفاعها بارتفاع الطابقين معا كما هو حال الإيوانات· ومن المعروف أن المدرسة المستنصرية كانت تشتمل وقت تشييدها على عدد كبير من المرافق مثل مساكن المدرسين والطلبة وخزائن للكتب لمطالعة الطلاب فضلا عن خزانة للأدوية برسم ما يلزم لعلاج الهيئة الوظيفية والطلاب ومطبخ لاعداد الطعام اليومي لرواد المدرسة ومن المرجح انه كان بوسط الصحن المكشوف الذي تحيط به إيوانات التدريس بركة للوضوء يأتي ماؤها من نهر دجلة· وكان للمدرسة المستنصرية ممر او رواق امام حجرات الطابق العلوي السكنية ولكن هذا الرواق المطل على الصحن الأوسط للمدرسة تصدع في سنة 635 هـ - 1237 م بسبب تعرضه لصاعقة وكان بالمدرسة ايضا مسقاة متينة البناء مع حاجز يمنع عنها تسرب مياه نهر دجلة وقد تصدعت المسقاة وشيدت في العصر الحديث مسقاة جديدة وكانت المستنصرية مجهزة بمزملة لمياه الشرب العذبة وألحق بها ايوان للساعات الشمسية خارج المدرسة،ومن مرافق المدرسة حمام خاص بالفقهاء والمدرسين حتى لا يختلطوا بالطلاب ولكن هذا الحمام اندثر ولم يعد له اثر مثلما اندثر ''البيمارستان'' المستشفى الذي كان مشيداً في مواجهة المدرسة حسبما يظهر من الوقفية التي اشارت الى أنواع الأشربة والأدوية التي تعطي للمرضى من هذا البيمارستان· وكان الخليفة المستنصر قد أنشأ بهذه المدرسة خزانة كتب نقل اليها من الكتب ما حمله مئة وستون حمالا وزودها ايضا بساعة مائية عدت من عجائب زمانها· وظلت المستنصرية تمارس التعليم زمناً طويلا بفضل الأوقاف الكبيرة التي حبس الخليفة ريعها للانفاق منها على وظائفها الى أن انهارت الأوقاف في العصر العثماني وتعطلت دروس المستنصرية· وتشتمل المدرسة المستنصرية على عدد من الكتابات الأثرية التذكارية وكثير من زخارف المدرسة مكون بتشكيل اوضاع قوالب الآجر مع حفرها بالزخارف بذات الأسلوب الذي كان سائدا في عمارة الطابوق بالعراق وايران خلال العصر العباسي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©