السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نظرة على تجربة الإمارات الثقافية

نظرة على تجربة الإمارات الثقافية
7 مايو 2014 19:55
15 أكتوبر عام 2001...مطار دبي الدولي... موظفو الجوازات يستقبلون ويودعون الضيوف الوافدين بمعاملة حميمة، من دون تمييز. الجو السائد خارج المطار مشمس وقليل البرودة وأبناء الشعوب المختلفة يتعاملون مع بعضهم بعضا بمنتهى اللطف والرقة، وكل ذلك يضفي على الحالة المزاجية العامة مزيداً من الفرح والسرور والسعادة. اقتربنا من السيارة التي طلبناها قبل الوصول وركبناها، وأخذنا طريقنا إلى العاصمة أبوظبي. مشاعر البهجة والذهول كانت تراودنا (أنا وزوجتي وبنتنا) منذ أول لحظة غادرنا فيها البلاد متجهين إلى دبي. وحينما كنا نتحرك نحو أبوظبي، لم نكن نصدق أننا لسنا في حلم، وهكذا في دبي التي تتداول ألسنة الأذربيجانيين جمالها وجاذبيتها، ما يجعل من الصعب التعبير عن ما استشعرناه من الأحاسيس. ألخان قهرمان* تسير السيارة على شارع الشيخ زايد الذي يعد شارعاً مركزياً بدبي والذي تنتصب على يمينه ويساره ناطحات سحاب وصروح عالية تسترعي الاهتمام، والتي تم استكمالها أو لا تزال قيد الاستكمال، وكلما تملّينا هذا المنظر الرائع، قويت لدينا قناعة بأن قدرات الإنسان وكفاءاته لا تعرف حدودا. بالمجمل، شارع الشيخ زايد وطرق دبي الأخرى ونظافتها، وتخطيطها الدقيق ومظهرها الجميل والمنشآت السكنية أو التجارية التي تصطف على طول امتداد تلك الطريق، كل ذلك ينمّ عن منتهى الاهتمام والعناية الذي تتمسك بهما قيادة دبي. كل ما سمعناه من أصدقائنا وزملائي الدبلوماسيين عن كون إمارة دبي تعتبر فضاء جغرافيا يجتذب السياح الأجانب والأعمال العالمية، يتفق عن حق مع الواقع. لأنني عرفت بعد فترة قصيرة من مباشرة عملي الدبلوماسي أن دبي قد هيّأت الظروف والفرص المواتية للسياحة وممارسة الأعمال، وأن هذه الظروف والفرص دائما في تحسن ونموّ، بما يواكب المتطلبات المعاصرة. تاريخ ذهبي من المعروف أن كل دبلوماسي يتعين عليه أن يطالع المعلومات ذات المضامين المختلفة أو يزيدها حال توافرها عنده عن الدولة التي سوف يمارس النشاط الدبلوماسي فيها قبل رحيله إليها. وهذا ما فعلته أنا أيضاً، حاولت القراءة والبحث لزيادة معارفي عن دولة الإمارات العربية المتحدة قبل وصولي إليها، لأكتشف أن أي قوة أو تحد لا يمكنهما أن يخلخلا عزيمة القائد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” أو يثنيها، فهو يتمتع بدعم شعبه المتين والقوي. إذ أن توحيد سبع إمارات ليقوم الاتحاد وبالتالي، تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا سيما في ظل التحديات التي كانت تشهدها منطقة الخليج في السبعينات، لم يكن أمراً يسيراً إطلاقاً، غير أننا نعرف من تاريخ البشرية أن كل دولة تملك شخصيات أثرت في تاريخها وخدمت شعبها ووطنها بإخلاص وأمانة. وبالنسبة إلى دولة الإمارات، أنا شخصيا أعتبر المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم من تلك الشخصيات، حيث أثمرت جهودهما ومساعيهما بالذات في بزوغ التحفة التاريخية المتمثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة المستقلة والحرة والمتزايدة قوة ً. ويمكن لهذه المقاربة أن تنطبق على أذربيجان. إذ أن القائد حيدر علييف، تلبية لنداء ملحّ من الشعب الأذربيجاني، تسلم زمام الحكم من منعدمي الخبرة والتجربة والحنكة ووضع بنيان أذربيجان الحديثة التي تعد اليوم دولة متقدمة بكل الأبعاد في منطقة جنوب القوقاز. وهكذا، صنع المغفور لهم بإذن الله الزعيم العام للشعب الأذربيجاني حيدر علييف والزعيمان العامان للشعب الإماراتي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم تاريخا بأحرف ذهبية في تاريخ البشرية. عبرت سيارتنا خطا رمزيا على الطرق (لون مسطحيّ الأسفلت) يفصل إمارة دبي عن إمارة أبوظبي التي تشهد هي الأخرى حالة من النمو المتسارع، نظرا لأعمال الإنشاء والتعمير واسعة النطاق التي تجري على جهتي الطريق. واسترجعت بصورة آلية ماضي الدولة، ولا سيما إمارة أبوظبي، حيث علمت من المصادر التي اطلعت عليها أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” كرس حياته للاطلاع بمهمة بناء الدولة العصرية، وعرف بوفائه لشعبه ووطنه من خلال عمله الدؤوب والشاق. إذ أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعد بناء الاتحاد بدأ باتخاذ الخطوات الرامية إلى توفير الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأنه عزم على تحقيق هدفه مهما كانت إمكانات الدولة حديثة الظهور ضئيلة. واستطاع، بتوكل على الله وسند شعبه الوفي، أن يذلل المحن كلها بمهارة وحذاقة عاليتين. وبعد اكتشاف البترول، تمكن الشيخ زايد من معالجة القضايا القائمة، إلى جانب وضع الأسس الضرورية لتطوير الرأسمال البشري وإقامة النظامين التعليمي والصحي بما يتواكب مع متطلبات ذلك الوقت، وذلك من خلال توظيف العائدات البترولية بشكل محسوب. وكنتيجة منطقية للاهتمام والعناية بلا حدود، تم افتتاح المنشآت التعليمية والصحية في الدولة، لا سيما إمارة أبوظبي وتشغيلها لصالح المواطنين. وثم انطلقت عملية إرسال البعثات الطلابية للتعليم في المؤسسات التعليمية العالمية الأكثر تقدما وذلك على حساب الدولة. اليوم يقوم في دولة الإمارات، خاصة في إمارة أبوظبي نظامان متكاملان: التعليم والصحة، ويتم استغلال القدرات الذهنية للمواطنين بما فيه الكفاية، ويعود الفضل في ذلك إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي أسس لسياسة تضع المواطن على رأس أولوياتها. اتصالات مثمرة كانت تلك هي المرة الأولى في تجربتي الدبلوماسية التي أشارك فيها عن كثب في تأسيس البعثة الدبلوماسية لبلادي في الدول العربية، وترتيب أمورها من البداية. ولذلك، تعيّن عليّ أن أجري الاتصالات مع وزارة الخارجية لتنفيذ ما كلفني به سعادة السفير من الأمور. عادة ما يكون ممثلو الجهات المختصة بعينهم هم الذين يصوغون سمعة دولتهم باعتبارهم أكثر الناس تواصلا مع المواطنين الأجانب. واكتشفت من خلال الاتصالات المتكررة مع الدبلوماسيين في الوزارة، بعدما تعرفت بهم، أنهم يتمتعون بقدر كبير من الاحترافية والإنسانية ورباطة الجأش. فقد ساعدت هذه الصفات في حل كل الأمور الفنية القائمة، بما فيها إقامة علاقات التعاون الثقافي وتنميتها مع الجهات المختصة لدى الدولة، حيث وقعت تلك المهمة على عاتقي، حسب التوزيع الدبلوماسي للملفات. والحقيقة أن اتصالاتي المستديمة في هذا الشأن مع موظفي الجهات الحكومية المختصة ذوي الخبرة والتجربة المتراكمة منذ سنوات أثمرت وآتت أكلها، حيث شهدت فترة 22- 29 أبريل عام 2004 إقامة فعاليات الأسبوع الثقافي الأذربيجاني في أبوظبي، في حين استضافت العاصمة باكو عام 2005 فعاليات الأسبوع الثقافي الإماراتي. ولقد ساهمت تلك الفعاليات الثقافية في التقريب بين الشعبين الأذربيجاني والإماراتي من خلال تعريف أحدهما بثقافة الآخر. وأستطيع القول إن الشعب الإماراتي الذي يمتلك التاريخ الغني الممتد عبر العصور، قام خلالها بعرض تراثه وتقاليده وعاداته التي عكست وفاءه للماضي، وهو الأمر الذي ينعكس أيضاً في الملامح الوطنية التي تبرز أثناء أعمال البناء والتحديث التي تعم جميع أنحاء الدولة وفي ممازجة الخصوصيات الوطنية مع الأسلوب الخاص بالثقافة الغربية خلال التخطيط والتصميم. في السياق ذاته، تحضر الثقافة الإماراتية بقوة في الفعاليات الثقافية ذات الطابع المحلي أو الدولي على حد سواء، التي تحتضنها أبوظبي على مدى السنة. إلى جانب ذلك، تساهم القرية التراثية ومسرح أبوظبي الوطني وغيرهما في تكوين انطباعات لدى السياح والضيوف الأجانب الذين يأتون إلى أبوظبي، عن ثقافة الشعب وتقاليده. وأنا وزوجتي نزور بكل سرور جميع الفعاليات الاجتماعية والثقافية المقامة طوال السنة، بما فيها مهرجان “قصر الحصن” الذي شهدته أبوظبي مؤخراً لأول مرة، ونشجع دبلوماسيي سفارتنا الجدد وأفراد أسرهم على زيارة هكذا فعاليات. لأن كل المعروضات والعروض تنقل مفردات الروح الثقافية المعنوية للشعب الإماراتي. بعبارة واحدة، إن التراث الوطني الثقافي الذي كان قد حظي دوما باهتمام المغفور له بإذن الله الشيح زايد بن سلطان، يتناقل اليوم من جيل إلى آخر بعزة وكرامة. من الناحية الأخرى، أود أن أشدد على الأهمية الخاصة التي يحملها دور سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات) الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة على صعيد المزيد من ترويج السمعة الإيجابية التي تتمتع بها دولة الإمارات سواء داخليا أو عالميا. إذ أن سموّها ترعى إقامة الفعاليات المتنوعة التي تُدعى قرينات رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الدولة للمشاركة فيها، حيث يستشعرن بقوة مدى الأهمية التي تُعطى للمواطن والقيم الاجتماعية الإنسانية، مما يؤكد دور وصفة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك باعتبارها أم الإمارات وبالتأكيد، تتداول الألسن مدى هذا الاهتمام والعناية للمواطن والمجتمع على وجه الدوام. أخيرا، جاء عام 2010 ليصدر المرسوم الرئاسي بشأن تعييني في منصب سفير فوق العادة والمفوض لجمهورية أذربيجان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكم أثلج هذا التعيين صدري، وشرفني، نظرا لأنني اعتدت على دولة الإمارات وأحببتها، وكنت وما زلت أشعر بنفسي كأنني في أذربيجان الثانية. وفي الختام، بودي التنويه إلى أن الكتابة عن علاقتي بدولة الإمارات وثقافتها وتاريخها الغني، لا تكفيه مقالة ويتطلب الكثير من الوقت. لكنني مع ذلك، لا يفوتني أن أؤكد على نقطة رئيسية تنحصر في أن مصير دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد إنجازاً رائعاً للمغفور له الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله”، في أيد أمينة، وكلي ثقة بأن هذه الأيدي سوف تتعاقب إن شاء الله وهذه العدالة لن تنقطع وسوف تظل للأبد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©