السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحبيب بولعراس: أنا ساكنٌ في تاريخ تونس

الحبيب بولعراس: أنا ساكنٌ في تاريخ تونس
7 مايو 2014 20:05
كان الكاتب والسياسي التونسي المرموق الحبيب بولعراس، الذي رحل في التاسع عشر من أبريل الماضي بعد صراع مرير مع المرض، محل وفاق حول إبداعه وشغفه بالكتابة، لكن مسيرته السياسية ظلت مسألة خلافية. رحل (سي) الحبيب عن سن 81 عاماً، كانت زاخرة بالعطاء في المجالين الأدبي والسياسي، فلقد ترك لنا رائعته المسرحية «مراد الثالث» و عديد النصوص المسرحية باللغتين العربية والفرنسية، وأنجز «بيبلوغرافيا حنبعل»، أما آخر مؤلفاته بالفرنسية الصادر سنة 2011 فقد كان عملا ضخماً وعميقاً (720 صفحة) حول «تاريخ تونس، التواريخ الكبرى: من ما قبل التاريخ حتى الثورة». رضا الملولي الوجه الآخر لـ بولعراس، هو الوجه السياسي المنخرط في الشأن العام، صحافة وتحزبا. تولى بولعراس عديد المناصب الوزارية كالثقافة والإعلام والخارجية والدفاع ورئيس مجلس النواب التونسي وأمين عام اتحاد المغرب العربي وقبل ذلك تولى إدارة وكالة تونس أفريقيا للأنباء وبعدها مدير الإذاعة والتلفزة. هذه المسيرة سبقتها الكتابة السياسية على أعمدة جريدتي الصباح الخاصة والعمل الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم آنذاك وقد تولّى إدارة التحرير في كليهما.، دون نسيان كتاباته في مجلة (افريقيا الفتية Jeune Afrique) الفرنسية. وبولعراس من السياسيين المخضرمين، فقد انتصر للشق البورقيبي أثناء الصراع بين بو رقيبة وصالح بن يوسف قبل وبعد استقلال تونس بقليل، وفصل من الحزب الحاكم في سبعينات القرن الماضي عندما انحاز الراحل إلى الشق الليبرالي ضد «صقور» الحزب الحاكم، إلى حين انتخابه في المجلس النيابي سنة 1981 وانخراطه في ما اعتبر تحولًا سنة 1987. أما الخيط الرابط في هذه المسيرة التي ابتدأت سنة 1933 وانطفأت سنة 2014، فهو وطنية الحبيب بولعراس وإيمانه بتونس الحرة المنفتحة. التقيناه قبل وفاته بمنزله بضاحية المرسى وكان مرحاً، مستعرضاً بعض النوادر مع السياسيين التونسيين، وهنا تفاصيل الحوار: تيارات دفينة ? من يكتب التاريخ من خارج المجال التاريخي، هل يطمح إلى التناول الموضوعي للأحداث التاريخية أم أن هناك أسباباً أخرى تدفع رجل الكتابة المسرحية والصحفي الحبيب بولعراس إلى الانغماس في مثل هذه الكتابات؟ ?? هناك عاملان رئيسيان أولهما: أنّني «ساكن» في تاريخ تونس منذ القدم، يعني تاريخ تونس هو بمثابة البيت الخاص بي وجميع غرفه وكواليسه أعرفها، وأودّ أن أذكّر أنّه في سنة 1956 شاركت تحت إدارة المرحوم الطيب المهيري في ما يسمى في ذلك الوقت «بمحاضرات تكوين المواطن» التي شارك فيها آنذاك: مصطفى الفيلالي، محمد مزالي، محمد السنوسي وغيرهم وكان كل محاضر ملتزم بموضوع معين وموضوعي كان متعلقاً بتاريخ الحركة الوطنية. ثانيهما: أنّني عندما كتبت «مراد الثالث» درست دراسة مستفيضة عهد البايات والعثمانيين والمراديين وقبلهم سنان باشا واستندت بالخصوص في ذلك الوقت إلى أحمد ابن أبي الضياف.وقد كتبت بالفرنسية كتابا بالشراكة مع الكاتب الفرنسي (Jean De Vignean) حول تونس سنة 1978 حيث سجلت فيه تسلسل الأحداث منذ القدم تسلسلا كرونولوجيا ومراد الثالث هو جزء من تاريخ تونس. درست في مدرسة من المدارس العليا للغات الشرقية في فرنسا مدة 4 سنوات في ما بين 1980 و 1984 في موضوع التطوّر الحديث لتونس سياسيا ومن حيث «العشرة» مع تاريخ تونس فهي طويلة، وعندما كتبت عام 2000 «حنيبعل» راجعت تاريخ تونس القديم منذ إنشاء «أوتيك» في 1100 قبل الميلاد إلى سقوط قرطاج، لذا فكل ما كتبته في حياتي سواء كان في الإبداع المسرحي أو التاريخ السياسي هو مرتبط بتاريخ تونس، فإذن تونس ليست غريبة عني بالمرة. ومن جهة أخرى هناك حاجة ملحة إلى جمع تاريخ تونس ويصعب عليهم الاستجابة لهذه الحاجة لأن تاريخ تونس كتب من طرف يعدّ اختصاصياً وكانت نظرتهم ممتازة ومدققة وهي التي استندت إليها في إعدادي لهذا المؤلف، ولكن المشكلة هي أن المجموعة التي أشرف عليها خليفة شاطر باللغة العربية في أربعة أجزاء وبالفرنسية في 5 أجزاء صدرت عن دار الجنوب. أحيانا هناك من الناس من ليست لهم قابلية أربعة أو خمسة أجزاء إما لظروف عملية أو نظراً لعامل الوقت. أخيراً أشير إلى عامل فهم التاريخ، فهو ليس فقط تسلسل أمراء وملوك وليس فقط تسلسل حروب ووقائع وفتوحات وهزائم وإنما هو في الحقيقة ما كان يسميه محمود المسعدي بتكوين كيان وتأصيل المجتمعات التي تتكون شيئا فشيئاً عبر التاريخ بحدودها وبآمالها وبخيباتها وبلغتها وثقافتها. إن انتقال الحكم من بورقيبة إلى بن علي وصولا إلى الثورة له أسباب تتمثل في التيارات الدفينة التي برزت لتكوين هذا الانتقال، نفس القاعدة يقع تطبيقها في كتاب التاريخ الذي إذا قرأته تجد الأسباب والمسببات وإذا لم تجدها فهو كتاب تاريخ ناقص. ? هذه الكتابات؛ هل هي للاعتبار كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين القدامى أم هي مجرد تسلسل كرونولوجي مكثف لتاريخ تونس في كتاب واحد؟ ?? التاريخ تطور كثيراً وكتابته تطورت كذلك، أما مجرد الإخبار عن حوادث التاريخ مع من يسمون بالإخباريين (Les chroniqueurs) الذين يخبرون عن الواقع بشيء من الحياد أو بعدم محاولة الفهم، هذا الموضوع ردّ عليه ابن خلدون في القرن 14 حيث لابدّ من فهم التاريخ. ثانيا: عندما نجمع في كتاب واحد أو جزء واحد بلاداً لمدّة أكثر من 3000 سنة إما ستقتضب فلا تخبر بشيء وإما ستقع في الإطالة وجزء واحد لن يكفي، الخيار كان اختيار أهم المحطات. فوقع الاختيار على 100 محطة مع عدم تناسي محيط كل منها، لأن المحطات الأخيرة منذ الاستقلال (منذ 50 سنة) لم يقع بعد التعمق فيها، تحدثنا عن بورقيبة وما زالت الكثير من الأحداث في حاجة إلى التعمق فيها تعمقا كاملًا حتى نستخلص منها العبرة والتوجه الصحيح، ثم إن التاريخ الفعلي لا يكتب عند تشكله. بالنسبة إلى الخمسين سنة الماضية، اكتفيت بذكر الحوادث فقط ولم أقم بالتعمق الكامل لأن بناء الدولة الجديدة المستقلة كان في حاجة إلى الكثير من الدراسات. العودة إلى الرمز ? ما نلحظه اليوم من عودة إلى الزعيم بورقيبة في ثقله الرمزي، هل هي عودة إلى الرمز؟ أم هي محاولة للابتعاد عما انغمس فيه رجل السياسة من موبقات ومفاسد، والعودة إلى بورقيبة بما يمثله من نضال وتضحيات وعطاء؟ ?? من باب الإنصاف، بورقيبة كان باني الدولة الجديدة، وقبلها كان زعيماً للكفاح التحرري، فالرجوع إليه من باب الإنصاف وبهذا الإنصاف نرجع إلى الرمز بالفعل، لكن في الوقت نفسه، تشكل العودة قدحاً للوضع السياسي لأن ما نعيشه اليوم مثلا هو طفرة وأحيانا أيام. جهالة، وهو وضع يحتاج إلى تصحيح، على الناس تحمل المسؤولية ونحن اليوم في عهد نستطيع فيه أن نكتب تاريخنا كله لا الأيام الزاهية فقط، بل والأيام المظلمة التي من الممكن كتابتها بكل رصانة لمعرفة التاريخ في مختلف وجوهه وهذا لا يمنع أننا نحتاج، مثل الشعوب جميعا، إلى رموز هي في الحقيقة مراجع. ? ما هي طبيعة العلاقة التي جمعت بورقيبة بالصحافة خصوصا أنكم كنتم من المحررين الرئيسيين لجريدة العمل و «L’action»؟ ?? علاقة بورقيبة بالصحافة كانت متينة منذ دخوله إلى معترك السياسة، كان بورقيبة مؤمنا بأن الاتصال بالرأي العام ضروري بالنسبة للسياسة وقد اتبع في ذلك سنّة كثير من كبار السياسيين الأوروبيين الذين كتبوا في الصحف وأسسوها لأن هذا الاتصال هو الذي يفتح الباب على المجتمع. لقد كان لي شرف إدارة جريدة «العمل» ومارست هذه المهنة بتفويض مسجل أمام وكيل الجمهورية من طرف الحبيب بورقيبة صاحب الترخيص في جريدة العمل، ولم أواجه أية صعوبة في مقابلته. لقد كنت أتصل به في كل الأوقات لاستفساره. مرحلة تحوّل ? المشهد السياسي الراهن بمختلف تقاطعاته وفحيحه الأصفر الذي يكتسح الفضاء العام وانتشار الجلابيب الأفغانية واللّحى الغريبة... ألا ترون في ذلك تراجعاً مخيفاً؟! ?? تونس تمرّ الآن بفترة تحوّل كبرى ولابدّ في هذه الفترة من أن يقع بعض التطرف والتذبذبات، وهذا شبيه بدقات الساعة التي إذا سارت في اتجاه لابدّ أنها ستعود له يوما، ما يطمئنني في هذه الفترة بالذات هو أنّ كل حركة تطرفية تقابلها حركة تطرفية مضادّة. كنت أخشى أن يعيث هؤلاء المتطرفون في الأرض فساداً ولا يجدون أمامهم ضدّا، الآن ما يقع شبيه بالمواجهات وطالما كانت هذه الأشياء تعبيراً عن رأي فأنا لا أخشاها ولكن إذا انتقل التعبير عن الرأي إلى العنف فللدولة أن تتدخل. الاعتداء على الأشخاص أو على العلم أو على المبادئ هو عنف بالأساس وهنا يبرز دور الدولة والشرطة والحكومة. ? ما نسب إليكم من تصريحات في عهد بن علي هل كانت سبباً في إعفائكم من مجلس النواب؟ ?? في ذلك الوقت قلت أنني منبهر بما يحدث: «أنا باهت في عجب ربي»، لماذا؟ لأن رئيس مجلس النواب اتصل ببعض النواب من كل الجهات وبلغتني بعض الأشياء عن أساليب السطو واغتصاب الأملاك من طرف العائلة الحاكمة، في تقديري، الخمس سنوات الأخيرة لبن علي كانت سوداء، على عكس سنواته الأولى حيث نادى الكل بـ 7 نوفمبر. جريدة تونسية أجرت معي حواراً تضمن بعض الأسئلة التي أعتبرها «تقليدية» من قبيل «من هي الشخصية التاريخية المفضلة لديك؟» قلت بورقيبة ولم أقل بن علي، وبعض تصريحاتي كانت سبباً في إقالتي من مجلس النواب، لذا فأنا أكرّر أن السياسيين صنفان: أحدهما يباشر مسؤوليات للانتصار لأفكار معينة وفي هذه الحال لابد أن يكون على استعداد في أي وقت للاستقالة أو للإقالة، وثانيهما يدخل المناصب ليضيفها إلى رصيد المسؤوليات الموكلة إليه وهذا لا بد أن يكون مستعداً لصرف النظر عنها. أنا من الصنف الذي يدافع عن أفكار وقد تقبلت بكل صدر رحب الإقالة ولم أقف مكتوف الأيدي حيث أعددت كتاباً يضمّ 700 صفحة (حنيبعل).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©