الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ابن عربي».. في فاس

«ابن عربي».. في فاس
7 مايو 2014 20:05
احتفى مهرجان فاس للثقافة الصوفية هذا العام بواحدٍ من كبار المتصوفة والفلاسفة المسلمين على مر العصور العالم محيي الدين بن عربي الذي يلقب عند الصوفية بـ «الشيخ الأكبر»، فكان المفكر الأندلسي الذي زار مدينة فاس وأقام بها قبل أن يرحل إلى المشرق وتحديداً إلى دمشق، منجم الإبداع وحلقة التواتر وزاد الروح وغذاء الفكر في فعاليات مهرجان فاس الذي تميز هذا العام بمشاركة علماء ومفكرين وأكاديميين من دول عدة: آسيوية وأميركية وأفريقية وأوروبية. سكينة أصنيب تضمن برنامج الدورة الثامنة، التي نظمت ما بين 12 و19 أبريل الماضي، عروضاً فنية وعلمية تتمحور حول المعرفة الصوفية بكل مقاماتها ودعائمها الجمالية والفكرية، وذلك تحت شعار «على خطى ابن عربي»، وموازاة مع الأمسيات الموسيقية والفنية نظم المهرجان لقاءات فكرية أطرها باحثون ومختصون في قضايا التصوف تناولت فكر وأعمال محيي الدين بن عربي وتأثيراته على المشرق والمغرب، كما ناقش المشاركون مشروع «جامعة للثقافة الصوفية» الذي يسعى المغرب لتنفيذه. الصوفية فكر وفن نجحت الدورة الثامنة في خلق تلاق فكري فني بين الندوات الفكرية والأمسيات الفنية، حيث إن الأفكار التي تناقشها الندوات الفكرية والورش العلمية في الصباح تتم ترجمتها في الحفلات الفنية الصوفية في المساء، مما ساعد المتلقي على مقاربة بعض المفاهيم والمقارنة بين المفكر والممارس للطريقة الصوفية وخلق نوعاً من الدينامية الجديدة في مجالي الفهم والتجريب الصوفي. وافتتحت الدورة الثامنة بتقديم عرض فني للفنان الإسباني كورو بينانا الذي برع في أداء مجموعة من أغاني الفلامينجو المستوحاة من قصائد وأشعار محيي الدين بن عربي، بالإضافة إلى عرض فني قدمه المنشد مروان حجي وزميلاه حمام خيري وأمينة بنسودة الذين أبدعوا في أداء موشحات صوفية متنوعة. ومن منظور روحي متجدد قوامه الذكر والمناجاة وتذوق الجمال، استطاع الفنانون الذين أحيوا الحفل الافتتاحي أن يأسروا الجمهور بإشراقات إبداعية امتاحت من المتن الصوفي الذي يحتفي بإنسانية الإنسان ويكرس ثقافة مشتركة ترتكز على قيم التعايش والإخاء والتسامح. وتميزت الدورة بتنظيم حفلات سماع الطرق الصوفية في استعادة فنية تعبيرية خاصة بالموروث الروحي للطرق الصوفية من المغرب وتركيا وفلسطين والبوسنة والهرسك. واختتمت الأمسيات الصوفية بسهرة تمزج بين السماع الصوفي والموسيقى الأندلسية مع كبار منشدي السماع بالمغرب أمثال عبد الرحمان الصويري ومحمد بجدوب. جامعة الثقافة الصوفية حضر فعاليات المهرجان أسماء وازنة من مختلف أنحاء العالم من رسامين ومنشدين ومبدعين سينمائيين ومهتمين بالشأن الصوفي، ومحاضرين وخطاطين من لبنان وسوريا، وفلسطين والسنغال وفرنسا وإيطاليا والمكسيك والولايات المتحدة الأميركية والمغرب. وخصص المهرجان تكريماً لسعاد الحكيم أستاذة علم التصوف بكلية الآداب بالجامعة اللبنانية، «عرفانا بدورها الريادي في الدراسات الأكبرية المعاصرة». واعتبر المنظمون أن اختيار سعاد الحكيم لم يكن اعتباطاً، بل لاهتمامها الكبير بالشيخ الصوفي المحتفي به، وهي التي ألفت عدة كتب بينها «معجم المصطلحات» و«الحكمة في حدود الكلمة»، وأضافوا أن الحكيم «شخصية مهمة جمعت عملاً ملحوظاً حول ابن عربي وتأثيره في ثقافات أخرى». وكانت أقوى لحظات المهرجان المائدة المستديرة التي خصصت لتدارس سبل وكيفية تأسيس «جامعة للثقافة الصوفية»، واعتبر فوزي الصقلي مدير مهرجان فاس للثقافة الصوفية، أن مدينة فاس مؤهلة بقوة لاحتضان هذه الجامعة، نظراً لمؤهلاتها وتراثها الصوفي الغزير، وجمعها كل تراجم المفكرين والفقهاء البارزين في فكر المتصوفة. وأوضح أن اختيار مدينة فاس لاحتضان هذا النوع من الجامعات تأكيد للمكانة التي تبوأتها عبر التاريخ، منذ تأسيس القرويين كأقدم جامعة في العالم، وأكد أن مئات المتصوفة عاشوا في هذه المدينة، كما ذكرت ذلك التراجم الخاصة بالأولياء الصالحين، وأضاف: «لنا الأمل في احتضان فاس الغنية بالثقافة الصوفية، لهذه الجامعة الأولى من نوعها في العالم... فالدعوة لتأسيس الجامعة، جاءت بعد تزايد الاهتمام العالمي بهذه الثقافة، والمشاركات الوازنة في الندوات المنظمة منذ انطلاق مهرجان فاس للثقافة الصوفية قبل سبع سنوات خلت». ودعا الصقلي إلى تنظيم ندوات دولية بالمغرب حول الصوفية لدعم اختيار فاس مقراً لجامعة الثقافة الصوفية، وأبرز أن الاهتمام يجب أن يترجم واقعاً بتنظيم ندوات حول رابعة العدوية وجلال الدين الرومي وحسن البصري وابن عربي وكل المتصوفة، في لقاءات شهرية يؤطرها باحثون. ابن عربي سيطر فكر ابن عربي (1165 - 1240) على فقرات الدورة الثامنة للمهرجان، حيث خصصت اللقاءات الفكرية والجلسات الفنية لتسليط الضوء على بعض مظاهر وبواطن هذه الشخصية الصوفية الفريدة عبر العالم، حيث تم تنظيم ندوات وموائد مستديرة تناولت «السيرة الذاتية لابن عربي»، و«صور من الأنوثة عند ابن عربي»، و«ابن عربي في فاس»، و«الأعمال الشعرية عند ابن عربي»، و«ابن عربي ودين الحب»، و«تفسير القرآن والحديث عند ابن عربي»، و«الحضور المعاصر للفكر الحاتمي». ويقول الباحث المغربي إبراهيم السعيدي، إن الاحتفاء بابن عربي لم يكن اعتباطياً اعتباراً لمكانته في تاريخ التصوف ومنجزه المعرفي الذي تجاوز سقف 400 كتاباً مرجعياً تناول فيها عدة قضايا إنسانية بعمق وتبصر. ويوضح أن مهرجان فاس حاول اقتفاء أثر هذا العالم الذي عاش مرحلة مهمة من حياته في فاس وأقام بمسجد الأزهر بالمدينة العتيقة، ومنها انطلق إلى مكة المكرمة ومصر والأناضول وسوريا فبلغ صيته الآفاق، ويضيف: «ركزت ندوات المهرجان على مسار ابن عربي ومنجزه المعرفي وبعض مواقفه الفكرية إزاء المرأة وعالم الأخلاق وحوار المشرق والمغرب، وراهنيته المعاصرة». ويشرح فوزي الصقلي المدير العام للمهرجان منطلقات اختيار ابن عربي قائلاً: «الشيخ الأكبر، أقام في مدينة فاس في عدة مناسبات خاصة في مسجد الأزهر بالمدينة العتيقة، وهو أحد أكبر المنتجين والمبدعين شمولية وعمقا في عالم التصوف، ذاع صيته وأضاء علمه وحكمته مسار رحلاته إلى الأندلس التي ولد فيها، مروراً بالمغرب، ومكة المكرمة، ومصر والأناضول... لذلك حاول المهرجان أن يقتفي اثره ويرسم عبر ملامح فكر هذا المتصوف الكبير ورحلاته حدود التجارب الروحية والتلاقح والحكمة التي لا يزال انتشارها وتأثيرها حاضراً إلى اليوم في الثقافة الإسلامية بشكل خاص ومختلف مدارس الحكمة عبر العالم». ويهدف مهرجان فاس للثقافة الصوفية الذي تنظمه «جمعية مهرجان فاس للثقافة الصوفية» إلى تكريس قيم التعايش بين الثقافات والتسامح مع الآخر. ويستقطب المهرجان الذي يقام سنوياً منذ 2007، العديد من عشاق الموسيقى الصوفية من المغرب والخارج. ويسعى المغرب، من خلال مهرجان فاس للثقافة الصوفية، لتقديم صورة إيجابية للإسلام على المستوى العالمي من خلال إبراز عمق ومقاصد ثقافة الانفتاح والتسامح التي اعتمدها المتصوفة في تجاربهم، إضافة إلى تكريس ثقافة مشتركة ترتكز على قيم التعايش والتسامح والإخاء وتعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©