الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية العائد إلى حيفا.. الغاربة

حكاية العائد إلى حيفا.. الغاربة
20 يناير 2010 19:51
تبدأ مونودراما “عائد إلى حيفا” المقتبسة عن رواية الفلسطيني غسان كنفاني، وتحمل الاسم ذاته، باستقبال عزاء استشهاد “خالد” لتتحول المشاهد إلى عرس للشهداء الذين رووا أرض فلسطين بدمائهم وهتافات الجمهور في خمسة عشر عرضا قدمت في الزرقاء والعاصمة الأردنية عمان “خالد لم يمت.. أبناؤنا كلهم خالد”. وتتحدث المسرحية عن فلسطين المستقبل كما كتبها غسان كنفاني ونظمها شعرا محمود درويش ورسمها ناجي العلي وغناها مارسيل خليفة، وتكشف السر الذي يخفيه “سعيد” من أن ابنه خلدون ظل في حيفا عام 1948 وعمره خمسة أشهر وبعد احتلال اليهود كل فلسطين 1967 عاد مع زوجته صفية ليراه في حيفا، وينصدمان عندما يجداه أصبح “ديفيد” جندي الاحتياط في الجيش الإسرائيلي الذي ينكر صلته بهما. ووفق لوحات المسرحية فإن ابنه الثاني “خالد” اعتقلته الشرطة الفلسطينية تحت ذريعة حمايته، لكن الجيش الإسرائيلي اقتحم المعتقل واختطفه بالقوة.. خالد المقاوم توفي بجلطة قلبية في زنزانة انفرادية في سجون الاحتلال بعد معرفته باقتتال أخوة السلاح وهو الذي كان يتضرع لله تعالى أن يستشهد في مواجهة مسلحة مع الاحتلال. ومن مزايا العرض أن ردود الفعل تلتقي في نقطة الأساس سواء لدى النخبة أو المشاهد العادي، فالكل أجمع على أن المسرحية تمس وجدانه وتعبر عن قناعاته مع وجود نماذج اختلفت في بعض اللحظات مع الطرح المتعلق بانتقاد الواقع الفلسطيني الحالي، إلا أن الدموع كانت تغسل وجوه الجميع دون استثناء وكانت المسرحية بمثابة استفتاء جماهيري حول المضمون والشكل المسرحي الذي قدمت فيه وسمحت التجربة بإعادة اكتشاف وسائل الاتصال بالجمهور. وفي مشهد من مسرحية المينودراما التي كتبها بالفصحى الدكتور يحيى البشتاوي، يناجي بطلها ومؤلفها غنام غنام باللهجة المحكية الفلسطينية حيفا فيقول: “حيفا من حد ما طلعت من البيت/ هبت عليّ حيفا.. شجرها وبحرها/ حيفا بعدك صبية ع شط البحر/ وبعدو الموج يغسل رجليك/ والهوا لما يهب يحمل ريحة شجرك وأرضك/ بعدك حورية ممددة ع الشط/ وبعدها رايات العشاق اليّ راحوا كرمالك/ وأنا اللي جاي من بعيد/ أنا المحروم أصليّ على أعتابك/ أنا المحروم أندفن في ترابك”. ويقول غنام عن المسرحية: كلما احتدمت القضية والصراع كلما برزت الأسئلة الكبرى، ورواية “عائد إلى حيفا” التي تعد من عيون الأدب العربي تتضمن أسئلة كبرى حول هوية الفلسطيني تحت الاحتلال خاصة إذا ترك وانقطع عن امتداده الاجتماعي، فهي تطرح بجرأة مفهوم القضية الفلسطينية.. هل هي قضية هوية أم إنسان؟ وهل مفهوم المقاومة مجرد واحد من الخيارات أم هو الخيار الأساسي؟. فهناك الكثير في الفترة الحالية التي يختلط فيها الحابل بالنابل وتصبح الخيانة وجهة نظر والتساوق مع المحتل أسهل من التفاهم مع المقاوم، في مرحلة يقيد فيها الفلسطيني الفلسطيني، وأصبح في أكثر من خندق بمواجهة أبناء شعبه، وتحولت فلسطين من فكرة نبيلة ووطن إلى كانتونات ممسوخة وسجن، كان لا بد من إعادة طرح الأسئلة الكبرى ونعيد “تزمين” هذه الأسئلة وإعطائها زمنا جديدا. ويضيف أنه ما بين 1968 حين كتبت الرواية و2009 هناك تعقيدات جديدة في مسيرة الإنسان الفلسطيني، والمهم في التناول هو إبراز البعد الإنساني للشخصية الفلسطينية غير خاضعين لسطوة الشعار السياسي المباشر بل توظيفه ضمن السياق الإنساني لحياة الفلسطيني وإبراز أنموذج فلسطيني حر وجريء وذكي يملك عاطفة وقدرة على التضحية في نفس الوقت. وكشف غنام عن اتصالات مع أكثر من جهة فلسطينية لعرض المسرحية في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر بعد أن شاهدها مسرحيون فلسطينيون جاءوا خصيصا من حيفا وعكا والناصرة، كما تلقى دعوات من دول عربية وأوروبية، لكن يبقى موضوع التنسيق الإداري والمالي لتغطية تكلفة المسرحية، كونها رسالة ينبغي أن تصل. من جهته قال الناقد المسرحي جمال عياد: لقد جاء جمهور كبير للعرض لسمعة كاتب النص كنفاني نفسه، عبر أكثر من جيل، وأثره في نفوسهم، فضلا عن جاذبية أداء فريق المسرحية، فجاء المتن النصي بليغا بسيطا في الطرح وفي إيصال المعنى، وكعادة كنفاني جاءت الثيمة إنسانية، ترصد معاناة الفلسطينيين، من جانب الاحتلال الإسرائيلي، المتقدم أبدا في احتلال الفضاء الفلسطيني، حتى غدا يبتلعه شيئا فشيئا مع تعاقب الزمن، فطرح النص معادلات جسدت هذه الثيمة، ففلسطين تصبح أرض الميعاد، والطفل الفلسطيني خلدون الذي أنجبته صفية يصبح ديفيد، لأم يهودية بولونية مهاجرة تدعى ماريام. وبعد هذه الصدمة التي تحدث للأبوين، تنشغل الرؤية الإخراجية في توجيه مسار شخصية الأب سعيد في إعلان المقاومة كحل مناسب، لوقف هذا الاستحواذ على الشعب الفلسطيني ومقدراته البشرية، وحقوقه في أرضه وانسانيته، من خلال ردود الفعل المختلفة لباقي الشخوص الأخرى. وكان لتنوع أساليب الأداء التي تراوحت بين البرختية الملحمية والتعبيرية، التي قدمها غنام، الأثر الكبير في إنشاء التنوع الأدائي، وبالتالي الحفاظ على شد الجمهور طيلة العرض، كما نجح غنام وإلى حد ليس بالقليل في أداء تقنية استلال الحكاية من الحكاية الأخرى، بعفوية جذابة. وقال الناقد عياد: لكن لا بد من التنويه إلى أنه ورغم هذا الإعداد الدرامي للنص، أيضا من قبل الدكتور البشتاوي، إلا أن جوانب أخرى عميقة، ونداءات خفية فيه، لم يستنطقها أحد بعد من المسرحين، أثناء تقديمه فنيا، والمتمثلة في الإشارة إلى فهم طبيعة الآخر، الذي لا يمكن أن يرتدع أخلاقيا، أثناء تحقيق مشروعه على حساب ضحاياه من الفلسطينيين، والذي تظهره النداءات الخفية في النص الأدبي لغسان كنفاني، ولم تلتقطه هذه المسرحية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©