الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين بين تعاليم «ماو» واقتصاد السوق

26 ابريل 2015 23:56
هل يستطيع مخططو السياسة الاقتصادية الصينية التعامل مع الأزمة الراهنة والخروج منها؟ من أجل الإجابة عن هذا السؤال يجب الانتباه قبل كل شيء إلى الفقاعة العقارية التي بدأت بوادر انفجارها بالظهور للعيان. وشرعت فورة البناء والتشييد باتخاذ طريق معاكس فيما يعاني النظام المالي من الغرق في لُجّة «القروض السيئة». وأما الجانب المشرق لوضعية الاقتصاد الصيني فيكمن في النجاح الذي تحقق من تأسيس «البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية» AIIB، والذي أتاح للدولة تقديم نفسها باعتبارها رائدة الاقتصاد العالمي. كما أن مؤشر شانغهاي المالي قفز إلى أكثر من ضعف قيمته خلال الشهور التسعة الماضية. ويعيش العالم الخارجي الآن فترة عصيبة يصعب عليه معها تجميع العناصر الدقيقة، التي تشكل الصورة المتكاملة للوضع الاقتصادي في الصين. فهل يمكن اعتبار القفزة السعرية في أسعار البورصة مؤشراً يبعث على الأمل، أم أنها مجرّد فقاعة أخرى وليدة السياسة ذاتها؟ وماذا يمكن أن يقال عن تعثّر دفع الديون المستحقة على السندات التي أطلقتها «مجموعة بودينج تيانواي» البنكية المملوكة للدولة للتداول، وهل يمكن للتباطؤ المسجل في قطاع البناء والتشييد أن يدفع منتجي المعادن العالميين إلى الخوف والارتباك، أم أنه يعدّ مؤشراً إيجابياً على أن الاقتصاد أصبح يتجنّب الاعتماد على كل من الصادرات والاستثمار في البنى التحتية ليركّز بدلاً من ذلك على نمو مستدام يقوده المستهلكون أنفسهم؟ والشيء الواضح هنا هو أن الحكومة الصينية تستخدم كافة الأدوات والوسائل المتوفرة لديها لضمان استمرار النمو على المدى البعيد. ولقد تمكنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من التحول إلى قوتين صناعيتين في القرن التاسع عشر، إلا أنهما كانتا تقعان في الأزمات المالية وحالات الركود الاقتصادي كل 10 أو 20 عاماً. وابتداء من شهر ديسمبر 1978، عندما حوّل الحزب الشيوعي الصيني اهتمامه الأساسي من النضال السياسي الدعائي وتنظيم الحملات السياسية إلى اقتصاد البناء والتشييد، تعيش الصين الآن عامها السابع والثلاثين من التوسع الاقتصادي المتواصل. وهذا الطرح مقتبس من كتاب يتناول السيرة الذاتية للرئيس الصيني السابق «دينج زياوبينج» لمؤلفيه ألكسندر بانتسوف وستيفن ليفين. وكنت قد أكملت لتوّي قراءة فصل منه يدور حول المعركة التي خاضها «دينج» عامي 1977 و1978 ضد أولئك الذين حملوا اسماً مثيراً ولكنّه يفتقر إلى العظمة الحقيقية هو «الأتباع المتزمتون» Whateverests، وهم الذين تبنّوا شعاراً ما زالت تتبعه الصين إلى حدّ ما حتى يومنا هذا. ففي الأشهر التي تلَت وفاة الزعيم والأب المؤسس للصين «ماو تسي تونج» في سبتمبر 1976، رفع هؤلاء الأتباع شعاراً يقول: «سوف ندافع عن كل القرارات السياسية التي اتخذها الرئيس ماو مهما كانت، وسوف نتبع التعاليم التي أوصى بها كائناً ما كانت». ولقد حرص خليفة «ماو» ووارث حكمه «هوا جوفينج» على الدفاع عن هذين الشعارين الجزافيين، على الرغم من أنه حاول الانقلاب على بعض القرارات والوصايا التي اتخذها «ماو». وما لبث موقفه من وصايا وتعاليم «ماو» أن تغير تماماً بعد عام من وصوله إلى الحكم عندما اكتشف كم كان «ماو» يغير رأيه ويناقض نفسه في قضايا شائكة مختلفة. وآثر بعد ذلك التخلي عن أطروحات «ماو» حتى يحقق الشهرة لنفسه وهو يرفع شعار: «ابحث عن الحقيقة انطلاقاً من الوقائع الماثلة على الأرض». وفتح بذلك باباً واسعاً أمام جدل سياسي لا يكاد ينتهي في أوساط الحزبيين المثقفين أطلق عليه مصطلح «التجربة هي المعيار الوحيد لمعرفة الحقيقة». وهكذا، تم استبعاد الشروط التي وضعها «الأتباع المتزمتون»، والتي تقضي بالالتزام الحرفي بتعاليم ووصايا «ماو». وتبنّت الصين بعد ذلك سياسة راديكالية براجماتية في تسيير شؤون الحكم وإدارة الدولة والاقتصاد. وكان دليلها في ذلك أن كل ما يمكنه أن يحقق النمو الاقتصادي يمثل سياسة جيدة. وبقي شيء وحيد لا يمكن تجاهله يكمن في أن من غير الجائز على الإطلاق تحدي أو تجاوز السلطة المطلقة، التي يتمتع بها الحزب الشيوعي. ويبقى التساؤل المهم الذي يطرح نفسه: هل يمكن للصين أن تحافظ على استمرار هذا النظام سليماً خلال العقود الأربعة المقبلة؟، وهل يمثل الحفاظ عليه فكرة جيدة أصلاً؟ يبدو أن الحزب الشيوعي الصيني بات في الوضع الذي لم يعد معه قادراً حتى على طرح مثل هذه الأسئلة. وأصبح إصدار الأرقام المتعلقة بالنمو الاقتصادي المتواصل يمثل المصدر الأساسي الذي يستمدّ منه شرعية وجوده ومبرر بقائه. جاستين فوكس* *محلل أميركي في القضايا الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©