الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا.. والعودة لسياسة القوة

أميركا.. والعودة لسياسة القوة
7 مايو 2014 23:57
ستيفان إم. والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأميركية من بين أسوأ تنبؤات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ملاحظة أبداها خلال خطاب له في الحملة الانتخابية إذ قال: “في عالم تتقدم فيه الحرية، وليس الاستبداد، لا تستقيم حسابات سياسة القوة الخالصة بكل بساطة، وذلك لأنها غير ملائمة لعهد جديد”. والواقع أن كلينتون قد يكون محقاً بشأن سويسرا أو كوستاريكا أو موناكو، ولكنه كان خاطئاً تماماً بشأن روسيا أو الصين أو إيران أو إسرائيل أو اليابان، أو أي بلد آخر ما زال يأخذ موضوعي القوة والأرض على محمل الجد. وبالطبع فإن إعلان نهاية سياسة القوة تقليد أميركي قديم؛ حيث درج رؤساء متنوعون مثل “وودرو ويلسون”، وفرانكلن روزفيلت، وجورج دبليو. بوش، وباراك أوباما على الإدلاء بتصريحات تبشر بالنهاية الوشيكة للحسابات الجيوسياسية القديمة وبداية عالم معولم ومؤسساتي يزداد ديمقراطية ومنفتح على الأسواق، وخيّر على ما يفترض. وبالطبع، فإنه من السهل قول ذلك عندما تكون أنت هو القوة العالمية المهيمنة، وليس لديك أعداء أقوياء على مقربة منك، وتمتلك أقوى وسيلة ردع على الإطلاق ممثلة في آلاف الأسلحة النووية. بيد أنه خلال العقدين الماضيين للأسف ساهمت خمسةُ تطورات سلبية في إضعاف احتمالات استمرار عصر الهيمنة الأميركية ونهاية سياسة القوة. المشكلة الأولى نابعة من الغطرسة والغرور: فاقتناعاً منهم بألا أحد بمقدوره الوقوف في وجه القوة الأميركية، شرع أفراد من نخبة السياسة الخارجية الأميركية في توسيع حلف “الناتو” في منتصف التسعينيات، ولكن من دون أن يلقوا بالاً لما قد يترتب عن ذلك من تكاليف وأخطار، خاصة إمكانية أن يؤثر هذا التوسع سلبياً على العلاقات مع روسيا. كما ألزموا الولايات المتحدة باحتواء العراق وإيران بشكل متزامن، ثم سعوا في الأخير لتحويل جزء كبير من الشرق الأوسط بالقوة بشكل عام. ولكن النتائج العكسية كانت واضحة على نحو مؤلم وشملت: ازدياد خطر الإرهاب، وهزيمة مكلفة في العراق، ومستنقعا في أفغانستان، وهزيمة مكلفة مع موسكو. وحتى هذه السلسلة من الانتكاسات المتواترة لم تضع حداً لميولات أميركا الإنجيلية بشكل كامل، مثلما يشهد على ذلك تدخل “الناتو” في ليبيا في 2011 وحرب الطائرات من دون طيار، وهي حرب طويلة في اليمن وباكستان وبلدان أخرى. والأدهى أن هذه الأخطاء لم تكلف تريليونات من الدولارات وآلاف الأرواح فحسب، ولكنها صرفت الاهتمام أيضاً عن تحديات أكثر أهمية على المدى الطويل. ثانيا، التحدي الأوضح هو صعود الصين، بالطبع, فبينما ازدادت الصين غنى، لم يرض زعماؤها بالدور السلبي الذي حددته لها النخب الأميركية. ومع أن البلد مازال يواجه تحديات داخلية كبيرة ومازال أضعف بكثير من الولايات المتحدة إجمالاً، إلا أن بكين لا تقبل بكل عنصر من النظام الجيوسياسي الراهن. وبشكل خاص، ترفض الصين التضحية بأهدافها الترابية ورغبتها على المدى الطويل في لعب دور مهم داخل آسيا، أو مساعدة واشنطن على تحقيق أجندتها في أماكن مثل إيران؛ علماً بأنه كلما ازدادت الصين غنى وقوة، كلما ازدادت رغبتها لتحدي الوضع الراهن، خاصة في المناطق القريبة من سواحلها. ثالثا، هناك روسيا، فعندما خرجت روسيا تدريجياً من تداعيات ما بعد المرحلة السوفييتية، لم تعد مضطرة لقبول أي معاملة مهينة أو مذلة قد تقرر واشنطن معاملتها بها. ورغم أن موسكو لن تستعيد أبداً وضع القوة نفسه الذي كان يتمتع بها الاتحاد السوفييتي، إلا أنها ما زالت قوية بما يكفي للعب دور المفسد في بعض السياقات (مثلما يحدث في سوريا) وقوية بما يكفي بكل تأكيد لممارسة تأثير بالقرب من حدودها (مثلما يحدث في أوكرانيا وجورجيا). ومثلما قد يتوقع أي شخص يتحلى ببعض الواقعية، فإن روسيا تدافع الآن عن مصالحها المتصوَّرة الخاصة بكل ما أوتيت من قوة، حتى وإن كلفها ذلك تدهور علاقاتها مع واشنطن. رابعا، التفوق الأميركي شجع حلفاء أميركا على الاعتماد بشكل كبير على الحماية الأميركية، ربما أكثر من ذي قبل؛ حيث عمد الحلفاء في أوروبا وآسيا إلى خفض ميزانياتهم المخصصة للدفاع، ولم يقدموا في معظم الحالات أكثر من دعم رمزي لتدخلات أميركا الخارجية. وعلى سبيل المثال، إذا كانت واشنطن ما زالت تنفق ما يربو على 4 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، فإن حلفاء أغنياء مثل بريطانيا وألمانيا ينفقون بالكاد 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ما زال إنفاق اليابان في حدود 1 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي رغم ازدياد التوتر مع الصين. خامسا وأخيرا، لقد قلصت أزمة 2008 المالية إمكانات القوة الأميركية الكامنة ونالت من السمعة الاقتصادية التي كانت تتمتع بها في التسعينيات. ونتيجة لذلك، تبدد “إجماع واشنطن”، ولم تعد كثير من النخب الأجنبية تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها منبع الحكمة الاقتصادية. ورغم أن الاقتصاد الأميركي تعافى بشكل أسرع من معظم البلدان الأخرى، إلا أن خبراءها الاقتصاديين لم يستعيدوا بعد المكانة والهيبة اللتين كانوا يتمتعون بهما قبل حدوث الانهيار. وبشكل عام، ساهمت هذه العناصر الخمسة مجتمعة في النهاية المبكرة لـ”اللحظة أحادية القطبية”. واليوم، وبعد عقدين من الزمن ونيف على الخطاب الذي أعلن فيه كلينتون موتها الوشيك، عادت سياسة القوة بقوة لتطل برأسها. وقد يسخر أوباما ووزير خارجيته جون كيري من هذا الكلام باعتباره عتيقاً و”قديم الطراز” ويشددان على أن “عهد “عقيدة مونرو” (المعارضة الأميركية لأي تدخل أو نفوذ خارجي في الأميركيتين) قد ولى”، ولكنهما مخطئان. ذلك أن القوة والجغرافيا مثلتا دائماً عنصرين أساسيين في السياسة العالمية. وهناك بلدان أخرى ما زالت تشتغل، وفق هذه القواعد حتى وإن لم تكن الولايات المتحدة تفعل ذلك. وعليه، سيتعين على الولايات المتحدة في المقبل من الأعوام أن تعيد تعلم مبادئ سياسة القوة، وهي مادة كانت متفوقة فيها من قبل. وفي عالم يتميز بتجدد التنافس بين القوى العظمى، يتعين على الزعماء الأميركيين أن يتعاملوا بحزم وصرامة مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وذلك لضمان أن الخصوم يحترمون القوة الأميركية، وأن الحلفاء لا يستغلونها. وفي هذا السياق، سيتعين على الرؤساء ومستشاريهم أن يحددوا أولويات واضحة ويلتزموا بها، بدلا من أن يحيدوا عن المسار بسبب كل أزمة أو قلاقل جديدة، أو يسمحوا بخضوع السياسة الخارجية لنزوات المسؤولين ورغباتهم (ومثال ذلك: كيري والشرق الأوسط). كما سيتعين عليهم أن يقوموا بعمل أفضل في ما يتعلق بشرح أسباب وأماكن تدخل الولايات المتحدة في الخارج، وذلك من أجل طمأنة الحلفاء، من جهة، والحفاظ على دعم الأميركيين الذين باتوا يتساءلون على نحو متزايد بشأن مزايا وإيجابيات دور أميركي موسع في العالم، من جهة ثانية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©