الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ليلة العيد

ليلة العيد
30 سبتمبر 2008 01:19
لا ينام الأطفال ليلة العيد·· حين تعلو الأصوات بالتكبير، يفركون عيونهم وينهضون، يتفقدون من خلال نوافذ قلوبهم وأبواب أحلامهم قادماً له شكل مختلف في رؤوسهم، لكنهم ينهضون، يطلون على فرحة أكبر من أرجوحة في حديقة وثوب جديد، أجمل من فستان مزركش بلون العيد، أهم من عيدية وقبلة وكلمات، يطلون على عبقٍ غريب، يشمون كل ما يمر بهم، وما يدب حولهم، يتفحصون كل الزائرين والمودّعين، يحدقون في عيون آبائهم وأمهاتهم، حتى إذا انتصف النهار، يكون الحلم مرَّ، بعضهم يغير ملابسه بأخرى جديدة أو قديمة، بعضهم يسلم نفسه لنفس الإيقاع الرتيب· وفي المساء يسألون: هل مر عيد، وفي أي الاتجاهات يمضي؟ فتبزغ في وعيهم شمس تشرق من وراء جبل ما، وتسقط في بحر ما، تماماً، كما يتجسد العيد في المدى، ويغيب في المدى، والأسئلة تدور على غير هدى·· لا ينام الكبار ليلة العيد·· يعودون في صباح كل عام ليوقظوا الأطفال، يدهشون لبيت يعج بالآمال، يحتسون قهوة تنبش الذكريات، يستحضرون الغائبين، الراحلين، المهاجرين، المهجرين، يحتلهم شيئا فشيئا صمتهم، يحتلهم وجع دفين، أرض بعيدة، بحر بعيد، وأصوات صيادين يبتعدون، وأغاني حاصدين توحدت بالحبيب· وحين ينتصف النهار، يدخلون في الغناء الرتيب· حين كنت صغيراً·· كنت أشتهي أن أظل في سبات يطول حتى الظهيرة، كي لا أرى العيد يمر في جرار حزن على كتفي والدي، وموجات دمع في وجه أمي، كي لا أسمع أسماء لأشخاص وقرى لا أعرفها، لأقرباء لم أقابلهم، كي أنجو من كلمات يرددها الزائرون ولا أدركها، سألت مرة وكان الجواب: حضن أب يرتجف من بكاء داخلي، وهروب أم لتحضير وجبة الغداء· حتى الآن·· لا شكل للعيد، ينام الأطفال حتى الظهيرة، لا يسألون عن شيء، على الرغم من أن الوجوه مبتلة بالأسئلة، لا يقتنصون موجة في وجوهنا، فلا بحر في عيوننا ولا صيادين في سواحل صدورنا، ولا سهل قمح، لا كلمات مبهمة من زائرين، فلا زائرين· حين الآن·· نطل من بوابة مبهمة، تفضي إلى مدى مبهم، نلقي بتساؤلاتنا عند أول مفترق للعاطفة، كأننا نهرب من لحظة، كان آباؤنا يحدقون فيها بملء حياتهم وموتهم· بعد الآن·· بعد أن تكون السواحل قد تهربت من مجاديفنا، وتكون السهول قد نسيت أسماءنا، بعد أن نمر في دروب نسيت سكانها، ماذا سيكون شكل العيد، كيف ستكون أشكالنا·· بعد الآن، لا حضن أب يرتجف بكاء، فقد أخذته رجفة التراب، ولا وجه أم يهرب لتحضير وجبة الغداء، فقد أخذتها رجفة الأب·· بعد الآن، توق بحجم السماء والأرضين لانتظار العيد، عند أول مفترق للعاطفة· akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©