الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منشآت التعليم في حضارة الاسلام

منشآت التعليم في حضارة الاسلام
30 سبتمبر 2008 02:09
مدرسة الظاهر برقوق هي باكورة الأعمال المعمارية لسلاطين الدولة المملوكية الجركسية أو البرجية التي ورث ملوكها من عناصر الجركس ممتلكات دولة المماليك البحرية بمصر والشام· وأمر بتشييدها الملك الظاهر برقوق بن انس بن عبدالله الجركسي العثماني· وقد ظل برقوق يترقى في الوظائف المملوكية الى أن نجح في إقصاء شريكه ''بركة'' عن الوصاية على عرش الطفل المنصور علي آخر سلالة سلاطين آل قلاوون وانفرد وحده بتدبير المملكة وما لبث أن أعلن نفسه سلطانا للبلاد في شهر رمضان عام 784هـ ''1382م'' وتلقب بالملك الظاهر بعد أن بايعه الخليفة العباسي المتوكل محمد بن المعتضد وظل على كرسي العرش حتى توفي ليلة النصف من شوال عام 801هـ ''1399م''· وشرع الظاهر برقوق في إنشاء هذه المدرسة عام 786هـ ''1384م'' وأراد كسلطان للبلاد ان تطل على شارع بين القصرين، فعمد الى شراء بيت يعرف بخان الزكاة كان في ملكية ورثة الناصر محمد بن قلاوون وعهد الى الأمير جركس الخليلي الامير اخور ''المسؤول عن الاسطبلات السلطانية'' بالاشراف على اعمال بناء المدرسة فابتدأ بهدم الخان يوم الاحد 24 رجب عام 786هـ· وفي أوائل شهر شوال من العام نفسه وضع الظاهر برقوق حجر الأساس لإنشاء المدرسة والخانقاه البرقوقية واستحضر لبنائها أحجارا ضخمة من جبل المقطم أعد لها العجول لسحبها على عجلات خصصت لنقلها من الجبل، ومن ذلك الحين أطلق المعماريون على الحجارة الكبيرة اسم ''حجر عجالي''· أما مهندس البناء فقد كان معلم المعلمين شهاب الدين أحمد بن الطولوني وهو سليل عائلة هندسية شهيرة قامت بتصميم وتنفيذ العديد من الأعمال المعمارية لسلاطين المماليك في مصر وبلاد الحجاز· وبلغ من إعجاب الملك الظاهر برقوق بهذا المهندس وتقديره له أن صاهره في ابنته· وجمال تصميم هذه المدرسة والجهد الفكري الكبير الذي بذله الطولوني للإفادة من كل متر مربع من مساحتها فضلا عن فخامة البناء وأبهة زخارفه الرخامية والحجرية يشهد بعبقرية هذا المهندس المعماري· وفي يوم الخميس 12 رجب عام 788هـ فرشت المدرسة بالحصر والأبسطة واجتمع القضاة والعلماء والأمراء وأعدت الأطعمة وملئت الفسقية في صحن المدرسة بالسكر المذاب في الماء وحضر الظاهر برقوق الى المدرسة بمناسبة الانتهاء من أعمال البناء· وبعد أن عاين المدرسة كلها أنعم على مهندسها ابن الطولوني وعلى مباشر العمارة ''المقاول'' الامير جركس الخليلي ومماليكه الذين عاونوه في مباشرة العمل وكان عددهم خمسة عشر مملوكا وأقيمت أول جمعة في المدرسة يوم العاشر من رمضان عام 788هـ· وحضر قاضي القضاة الحنفي وحكم بصحتها وشرعية بنائها طبقا للتقاليد المرعية آنذاك ثم عين بها المدرسين وقرر بها دروسا للمذاهب السنية الأربعة وكذلك للتفسير والحديث والقراءات· وبالاضافة الى أغراض التدريس والصلاة بهذه المدرسة فقد ألحقت بها وللمرة الأولى وظيفة التصوف وهو ما تواتر تكراره في منشآت المماليك الجراكسة ولا سيما تلك التي أقيمت في صحراء شرق القاهرة المعروفة اليوم باسم قرافة المماليك فمن وقت انشاء المدرسة والخانقاه البرقوقية اعتاد السلاطين والامراء الجمع في عمائرهم بين وظيفتي التدريس والتصوف· ولحقت بهذه المدرسة طوابق لإقامة الطلاب والمتصوفة وكانت بها مكتبة عامرة وإن لم يعثر منها على شيء· ويتبع تخطيط مدرسة الظاهر برقوق تصميم المدارس ذات الصحن والإيوانات الأربعة المألوف في العصر المملوكي الأول· وصحن المدرسة مفروش بالرخام الملون وقد أحاطت به الأبواب الأربعة المؤدية إلى مدارس المذاهب وهي أبواب لها مصاريع مصفحة بالنحاس وحليت أعتابها بالرخام الملبس بالحجر ويعلو كل باب شباك صغير من النحاس المفرغ بأشكال هندسية· وتحيط بالصحن أربعة إيوانات أهمها وأكبرها إيوان القبلة ويكتنف الإيوان الغربي بابان أحدهما يؤدي الى الخانقاه ومازالت بقايا الخانقاه قائمة الى الآن ولبست اعتاب البابين بمزرات رخامية· وتتوسط الصحن فسقية عليها قبة أقيمت على ثمانية اعمدة رخامية صغيرة وتم تجديدها عام 1314هـ ويعتبر إيوان القبلة بالمدرسة واحدا من روائع الاعمال الزخرفية إذ فرشت ارضيته بالرخام بطريقة لطيفة فالقسم الأمامي من الإيوان على هيئة محاريب مقتبسة من مثال سابق في خانقاه بيبرس الجاشنكير وكل منهما مقتبس من زخارف الحصر الفاطمية ذات المحاريب· وجانبا الإيوان مؤزران بالرخام وبصدره المحراب وهو من أدق أعمال الرخام في هذه المدرسة فقد لبس الرخام الأسود على شكل شرفات في ارضية بيضاء بها فصوص صدفية وفيروزية وحمراء وعلى جانبي هذا الإيوان إيوانان صغيران كل منهما أقيم على عامودين من الجرانيت الاحمر ولكل منهما سقف ذو دلايات، أما سقف القسم الاوسط فهو مستو وتتوسطه صرة مخوصة وحلي بنقوش مذهبة وهو من الأسقف النفيسة في عمارة مصر الإسلامية· وبهذا الإيوان منبر خشبي تميزه البساطة· وبطرف هذا الإيوان دكة المبلغ وهي من الرخام كما يوجد به كرسي المصحف وطعمت جوانبه بحشوات من السن ملبسة في الخشب· أما الإيوانات الثلاثة الأخرى فهي ذات عقود مدببة تطل على الصحن، وفي الطرف الشمالي للمدرسة قبة يتوصل اليها من باب على الصحن يؤدي الى المدرسة ثم الى القبة وأمامها طرقة مربعة يحيط بها أربعة أبواب حفرت مصاريعها بزخارف بنائية· ويشير النص التأسيسي للمدرسة المنقوش في الحجر بواجهتها الرئيسية الى أنها من إنشاء الملك الظاهر سيف الدنيا والدين ابي سعيد برقوق سلطان الاسلام والمسلمين وأنها كانت المدرسة المباركة والخانقاه وان الفراغ منها كان في مستهل ربيع الاول عام ثمانية وثمانين وسبعمائة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©