الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأولوية للمصالح لا للمبادئ

19 ديسمبر 2009 00:28
ستبقى 2009 السنة التي اعترفت خلالها دول العالم بإسرائيل، ضمناً أو علناً، كدولة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. قبل سنة، في 2008، توافد زعماء العالم إلى إسرائيل لمشاركتها الاحتفال بالذكرى الستين لإنشائها، ولم يفتهم أن يمجدوا قوتها وإنجازاتها. وفي السنة الأولى بعد الستين تغيّرت الحال، وأصبح الغرب مهموماً بحماية إسرائيل من نفسها، من غطرسة القوة التي أفقدتها الهالة المعنوية التي ادعتها دائماً ولا يزال بعض المروّجين، ولاسيما الفرنسيين، يعتقدون أنها لم تمسّ بل يحرّم التشكيك فيها. المشكلة في الغرب لا تكمن في تلك الجرائم نفسها وإنما في كون إسرائيل لم تنجح في التعامل معها. فلا استطاعت كتمانها، ولا أحسنت الاعتراف بها والمحاسبة عليها، إذ كان مفهوماً ومكشوفاً أن المجرمين الصغار نفذوا أوامر المجرمين الكبار، حتى أن هؤلاء لم يخفوا مغالاتهم بل صرّحوا بها، مستندين إلى إرث ستين عاماً من عدم المحاسبة ومن الحروب "الأخلاقية" كما يفاخر بها إيهود باراك، وكما دافعت تسيبي ليفني عنها. حرب غزة كانت مقتلة مفتوحة أباح فيها الحاخامات والسياسيون والعسكريون كل أنواع التصفية، كأنهم في تمرين وليسوا إزاء بشر آدميين. خاضوا تلك الحرب بعقلية "الحل النهائي" وفقاً للمصطلح النازي الشهير. نسوا أنهم يذكرون العالم يومياً بـ"الهولوكوست"، فإذا بالتذكير يلفت إلى جرائم اليوم كأنها تكرار لجرائم الأمس، فكيف للعالم ألا يستنكر هذه وتلك على السواء، بل كيف له أن يرفض المحاسبة إذا كان للثقافة المضادة للإبادة أن تسود. ما كانت لندن لتعتقل ليفني حتى لو زارتها، مثلما استبعدت سابقاً تعريض إيهود باراك وشاؤول موفاز لأي إشكال جدي، وكما تفادت قبل ذلك الذهاب بعيداً في قضية دكتاتور تشيلي أوجوستو بينوشيه. فدوافع الدول ومصالحها أقوى حتى من قضائها الذي يبقى فاعلاً ومستقلاً ومتمتعاً بضمير حي. هذه دول راكمت من الارتكابات ما لا يمكّنها من تنصيب نفسها راعية للأخلاقية الإنسانية، إلا أنها لا تمنع التحقيق في الوقائع. حربا العراق وأفغانستان استدعتا عدداً من التقويمات، وحتى المماحكات، في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. هناك ضباط وجنود تعرضوا للمساءلة والمحاسبة على سوء استخدام مسؤولياتهم. في أميركا عوقب بعض من مارسوا التعذيب بشيء من المتعة وكثير من المبالغة، ولم يعاقب من شرّع التعذيب وأجازه. في بريطانيا عوقب أفراد على مخالفات غير إنسانية كانت أحياناً قاتلة ولن يعاقب من قرر بمفرده الذهاب إلى الحرب مستخدماً ذرائع كانت كلها ملفقة وكاذبة. المشكلة في الغرب، أيضاً، أن رأياً عاماً تشكل بنسبة كبيرة من التلقائية، وبفضل إعلام الصورة، ولم يعد لديه استعداد لقبول ممارسات إسرائيل لمجرد أنها حليفة الغرب أو "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط. أي أن هناك وعياً جديداً ومختلفاً للقضية الفلسطينية يضعها في إطار حقوق الإنسان وفي صلب انشغالات المجتمع المدني الذي لا يتأثر بضغوط اللوبي الإسرائيلي. وفي بريطانيا شهد الوسط الأكاديمي حملة مركزة لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، وهناك حملة دائمة للتشهير بشركات كبيرة تروّج السلع المنتجة في المستوطنات وتدعو إلى مقاطعتها وعدم السماح بوصولها إلى الأسواق، بالإضافة إلى العمل الحقوقي الذي توصل إلى حثّ القضاء البريطاني على اتخاذ إجراءات ضد مسؤولين إسرائيليين مشتبهين بجرائم حرب. ومع تكرار صدور مذكرات الاعتقال وبلوغ الأمر حد الأزمة الديبلوماسية بين بريطانيا وإسرائيل، حتى أن الأخيرة هددت بحرمان لندن من أي دور في الشرق الأوسط، تجد حكومة براون نفسها مضطرة، إسوة بحكومات أوروبية عدة قبلها، إلى مراجعة القانون وتعديله بحيث تترك للقضاء أن يعمل عمله لكن من دون أن يحرمها ذلك من إدارة السياسة الخارجية وفقاً لما تقتضيه المصلحة. وفي السابق كان يُعتقد أن بريطانيا آخر من يفكر في تعديل القوانين رضوخاً للضغوط، لكن يبدو أن أولوية المصالح على المبادئ هي السائدة. كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©