السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قليل مَن بصره خاسئ والأغلب له بصر وبصيرة

27 أغسطس 2016 23:25
نشر الأستاذ محمد أبو كريشة في جريدة «الاتحاد» مطالعة حادة تحت عنوان «البصر خاسئ وحسير.. في غياهب الفتوى والتفسير» يوم الأربعاء 24 - 08 - 2016م حملت نقداً لاذعاً لم يستثن منه أغلبية المسلمين وهو ينازل المتطرفين، والإرهابيين. وهذا مطالب به كل ناقد وكاتب وذو بيان، لكن الإشكالية في هذا المقال هي المبالغة التي تصل إلى حد المخاتلة في تناوله قضية تزكية النفس، وقضية تحريف النصوص. هو محق في نقده لما آلت إليه تفسيرات زعماء الإرهاب والتطرف والطائفية، ومجمل مطالعته الفكرية ترمي إلى نسف ذلك الركام التفسيري الهوائي - يقصد النسبة للهوى - لمن يتخذون مرشديهم ووليهم الفقيه وأمراء جماعاتهم الإرهابية... أرباباً من دون الله. وإلى هنا - ومع هذا الإجمال - كلنا مع الناقد، ولكن مهلاً فأسلوبه في اتهام تزكية النفس، كان مفاجئاً لي ولغيري، إذ كيف يفوت كاتباً مرموقاً أن يحشر جمال تزكية النفس «التربية الأخلاقية» في قبح التفاخر والغرور ممن عناهم الله عز وجل بقوله «فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى»؟ أين هو من قوله تعالى في سورة الشمس: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا»؟ ضيّع قراءه بين بمفهومي التزكية الذي أورده، وما سكت عنه!! إن الإتيان بألفاظ المسألة الواحدة في القرآن الكريم وضمن أساليبها وسياقاتها شرط أكيد لتقديم فكر متوازن وتفسير دقيق، وإلا سيقع الكاتب فيما وقع فيه من انتقدهم من أولئك الذين يقرؤون الآية: «لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ...»، و«قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ...» يقفون عند «أكله» أي المتاع. ليس من التثقيف النافع هذا التعميم الصادم من السطر الأول فيما قال: تزكية النفس لدى المسلمين هي التي تقف وراء شيوع الإرهاب منذ الفتنة الكبرى... بالتأكيد لا يجهل الكاتب أن مصطلح «تزكية النفس» إذا أطلق يفهمه عامة القراء بأنه التهذيب والتقوى وجميع مفردات الفضيلة ومكارم الأخلاق، بل كل ما اندفع علماء الأخلاق إلى نشره كالإمام الغزالي الذي ضمّنه مؤلفه الشهير: إحياء علوم الدين، وهو ما سماه الشاعر محمد إقبال علم النفس عند المسلمين... وكان عليه أن لا يصدم قراءه الصدمة الفكرية من وراء وراء، وشتان بين مصطلح التزكية، وتلك الدلالة المتورمة الأنف لدى أولئك الذين نقدهم الذكر الحكيم في «فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ...» أيها المغرورون ممن تولّوا عن ذكر الله، وكنتم تسمون الملائكة تسمية الأنثى، وممن أعطى قليلاً وأكدى... ومن هو على شاكلتكم من أهل الفتن وتضخيم الذات. لأي ناقد أن يصفع التطرف والمتطرفين بما قدر عليه، بل أن يركل كل تلك الفرق الضالة، ويوجعها رمياً وإدماءً ولكن لطفاً، لا يكن كمن يرمي براميله المدمرة العمياء على رؤوسنا نحن الشعوب المؤمنة من مدنيين وادعين وأجيال هي بريئة من التطرف والعنف والشذوذ الفكري والإرهاب، ألا ترون عامة المسلمين معتدلين وطيبين يسعون إلى الصلاة فتسعهم بيوت الله، وتراك تصلي وأنت الشافعي بجوار زميلك المالكي، وجارك الحنفي أو الحنبلي، ولن تجد - كما لم أجد - أي غضاضة أو تعصب في ذلك، بل كلنا يحترم المذاهب المعتبرة، ويتعبّد الله تعالى بما أصّلت وفرّعت وأفتت وبيّنت من ثروة فقهية وفكرية معتبرة حتى كنا نحفظ من صغرنا: كلٌّ عــــــــــــــدول وكلٌّ عـادلــــــــــــــــــــون ومـــــا فيهم فتى عن طريق الحق معدول لكنهــــــم درجــــــــــات بعضهــــــــــا عليـــــت والبعـض أعلـى وما فــــيهن تســــفيل هذه هي المجتمعات الإسلامية الملتزمة وتلك مخرجات معاهدها وجامعاتها في العقل الجمعي الإسلامي الرشيد، ومرجعيات الفقه والفكر الرصين وملايين الفتاوى الصادرة عن عباقرة الفقه ومصالح المجتمعات، ومن المجامع الفقهية والمدارس الفكرية على مر العصور وهي الثقافة العامة التي تربينا عليها، ومن شذ فشذوذه انشقاق سافر ومستنكر ونغمة نشاز منفرة يدينها جميع الناس. وما شكل المتطرفون أغلبية ولا عشرها في أي زمن، وليس من النقد الهادف جلد المجتمع بردات أفعال مهما كانت وجيهة. والإشكالية الأخرى المثارة هي التلاعب بتأويل النصوص من أولئك المتطرفين، وتلاعبهم مكشوف عواره وسقطاته، إذ مهما كان لثراء النص القرآني وخصوبته، فعلم اللغة وقواعد تفسير النصوص لا يسمحان بهذا التلاعب أو ذاك، وقد أنجز العديد من الدراسات العلمية في ذلك، كمباحث الدكتور محمد حسن الذهبي في كتابه الماتع «التفسير والمفسرون» وكتابه الآخر «الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم) ومباحث مصطفى محمد الحديدي الطير في «اتجاهات التفسير في العصر الحديث»، وقد ألقى أضواء نقدية قيمة على بعض التفاسير المريضة - كما وصف - لم تنحرف فيها الدلالة انحرافاً لغوياً مقبولاً، وإنما ركبت فيها الدلالات تركيباً قسرياً افتئاتاً على الدين واللغة معاً. والواقع إن كل ما قيل عن التفاسير المريضة لم يشكل ما قال الكاتب في الاتحاد بأنه تحريف في النص القرآني فاق ما تعرضت له النصوص الدينية السابقة لفظاً ومقصداً وانتحالاً، وبأن القرآن تعرض لما هو أخطر، وهو تحريف المعنى وانتحال التفسير.. وأنه أصبح لدى المسلمين ألف قرآن أو يزيد. على رسلك لا تحتاج الحقيقة ولا مجتمعاتنا لهذا التفجير المدوي، ولا نريد أن يسكننا الخوف من كل شيء، ويكفي أن تقرر كما قرر الباحثون في هذا المجال: أن أي مفسر ليس لديه علم بقواعد التفسير لهو إما ناقل يكرر ما قيل، وإما مجدف يفتئت على الحقيقة. مرة أخرى أقدر تلك الدقائق الفكرية التي تنقدها، ولكن صدمت قارئيك بكثرة إشكالات مباديك من حيث أردت أن تنقد عوار أعادينا وأعاديك من أهل الأهواء المهاليك. د. أحمد موسى الموسى
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©