سوق البهارات بدبي لوحة ترسمها الروائح النفاذة

بخطوات واثقة دفعت نفسي لسوق البهارات بدبي، غصت في عالم آخر فأصوات الباعة التي يرتد صداهم داخل السوق لا يكاد يغادر أذني، نساء يمشين بخطوات متأنية تسألن الباعة عن هذا البهار وذاك السعر، الأطفال يتراكضون مسرعين كي يشتروا مما خصص لهم من بضاعة ليومهم هذا، أصحاب محال البهارات تخترق أصواتهم أذنيك مرددين بأسماء العطارة الموجودة لديهم علك تتذكر بأنك تحتاجه في يوم ما، فتذهب لتشتريه، ناهيك عن رائحة الزعتر البري والكمون والفلفل والزنجبيل، التي تخترق روائحها أنفك منذ دخولك السوق حتى خروجك منه محملاً بمجموعة أكياس من مختلف أنواع العطارة. ?كل ذلك تشاهده في سوق البهارات بدبي القريب من ديرة، والذي يجمع عشرات الباعة من الذين يكسبوا قوتهم اليومي من عرق جبينهم، كما تعودوا منذ أعوام مضت. سوق البهارات في دبي، أو سوق” الحلول”، كما درجت تسميته، أو سوق”الدويات”، أي الأدوية، يبعث في النفس شعوراً مثيراً للدهشة، مصدره الروائح الزكية والعطرية الطبيعة التي تفوح من ممراته المتميزةببساطة تصميمها، أما سقفه فهو خشبي مائة بالمائة، وهو من النوع الذي يختزل الرطوبة، ويحجب أشعة الشمس خلفه، سامحاً ?بمرور بعض من الضوء لينير جزءاً لا بأس به من المكان. يقع السوق على مقربة من ضفاف شريان المدينة، ويفصل بين جناحيه شارع فرعي يؤدي إلى مرسى العبرات على ضفة الخور بديرة، ويمتد في الجانب الآخر إلى داخل السوق الكبير بمرافقه المختلفة ومحاله المتنوعة. ليمتد سوق البهارات على شكل ممرات متوازية تصطف في دهاليزه دكاكين صغيرة، تُعرض على عتباتها أكياس الأعشاب المختلفة، وتشتمل في دواخلها على أصناف متنوعة من البضائع، منها الحلول، وهو مخلوط عشبي من الخروع والورد والزعتر والحلبة? واللبان واليليلان (بذور الكزبرة) واليعده وحبة الحلوة، والكركدية وزهرة البنفسج. تاريخ عابق وفي الداخل هناك الكثير من السياح يفضلون التغلغل في دهاليز هذا المكان، فروائح الأعشاب تجذب القريب والبعيد منذ الصباح الباكر، وإذا اختلست النظر إلى وجوه الباعة ستقع على تقاسيم موغلة في القدم، يقول أحد الباعة متحدثاً عن تاريخ السوق: “سوق البهارات يقلب في ذاكرتي تداعيات عديدة، فقد مرَ علي أكثر من 20 سنة وأنا في هذا المكان، خلال هذه الفترة كلها آتي صباحا وأفتتح محلي، ثم ما ألبث أن أغلقه في تمام الساعة الواحدة”. خلطات مدهشة أما إحدى زبونات السوق، والتي دأبت على ?اقتناء بهاراتها منه، فتقول: “أنا من رواد هذا السوق، أحب أن أشتري منه الكثير من البهارات والأعشاب، فهو نقي ونظيف مائة بالمائة، ومعظم البائعين يعرفونني ويعطوني سعراً خاصاً عند الشراء، أغلب مشترياتي هي”البزار”، وهي كلمة محلية تطلق على مجموعة من البهارات التي تُطحن وتخلط مع بعضها بنسب متفاوتة، وتضاف للطعام حسب الرغبة، من هذه البهارات الكركم، والفلفل الأسود والأحمر، واليليلان، وبذور الكزبرة، والقرفة، والهيل، والحلبة، والمسمار، والسنّوت، والكمون، وحبة الحلوة. ?وتختلف أسعار”البزار” حسب نوعيته، و تتراوح بين 30 إلى 35 درهماً للكيلو. ?موعد مع الماضي هذا هو سوق البهارات بدبي كل من يزوره يعش موعداً مع عبق الماضي الجميل، فهو لوحة فنية ?متحركة لكل من يرتاد هذا السوق يعيش فيها خارج الزمان ليعود الى الماضي الجميل، ويعيش لحظات يفتقدها في المجمعات التجارية الحديثة على كثرتهــا، الناس في هذا السوق تشعر الزائر بالعفوية بين حركتهــم وتزاحمهــم وبين ايقاع المكان الذي تختلط ?فيه رائحــة البخور والعطور والبهارات، ونكهــة القهوة الإماراتية والهيل، مزيج فريد من الأصوات والروائح القديمة والألوان، ومشاهد تعيد صياغة الماضي بروح متجددة، متعددة المذاقــات، وقدمه بهذا الشكل جعله حاضـراً في الذاكرة، فسوق البهارات، رغـم قدمه، ينافس أسواقاً عريقـة أخرى.