الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

“آسف” من الأعماق.. تذيب جليد الخلافات وتنتزع الصفح من القلوب

“آسف” من الأعماق.. تذيب جليد الخلافات وتنتزع الصفح من القلوب
19 ديسمبر 2009 22:35
خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، لها وقع السحر على المسامع والنفوس ومفعولها يذيب جليد العلاقات الإنسانية، ويبث فيها حرارة الحياة من جديد.. إنها كلمة “آسف” إذا خرجت من الأعماق صادقة تائبة عما اقترفته من خطأ بحق الآخرين، فهل من السهل أن نقولها وننطق بها عند الخطأ؟ وما هي قوة الاعتذار وفائدته؟ يعترف الكثيرون، في عالمنا العربي تحديدا، بأنه من الصعب لديهم أن يعتذروا عما ارتكبوه من أخطاء بحق غيرهم، وأنهم في أحيان كثيرة قد بادروا بالاعتذار، ولكنهم كانوا مرغمين عليه من قبل آخرين، يقول طارق فضل: “ليس عيبا أن نعتذر عما بدر منا من أخطاء بحق الآخرين، فذلك ينم عن قوة وشجاعة من قبل الشخص الذي يعتذر.. هذا الكلام من الناحية النظرية منطقي عظيم، لكن تطبيقه على أرض الواقع يظل صعبا بعض الشيء، فإذا كنا نحن العرب عموما لا نجيد ثقافة الاعتذار، فإن الرجل الشرقي بشكل خاص يفتقد إليه، ومن النادر أن تجد رجلا يعتذر عما بدر عنه من أخطاء لا سيما بحق زوجته أو بحق أولاده”. يستطرد طارق: “عندما كنا صغارا كنا نخطئ ونعاقب على فعلتنا، ثم يطلب منا الأهل الاعتذار، فكنا نقوم به مكرهين وليس عن قناعة بذلك، وكثيرا ما قلنا “آسف” ونحن نبكي، وربما كان ذلك السبب الأساسي وراء ترددنا وتباطؤنا أمام الاعتذار الآن بعد أن كبرنا، وهذا الخطأ التربوي يجب أن نصححه مع أبنائنا عن طريق ترسيخ ثقافة الاعتذار في نفوسهم منذ الصغر”. وترى حنه طه أن الاعتذار للآخرين لا يزيد من قيمتهم وهو أمر لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لهم، وإنما يضفي قيمة على الشخص المعتذر ويرفع من قدره، فالشخص الذي يعتذر هو شخص واعٍ يراجع حساباته ويصحح أخطاءه بنفسه، وهو شخص واضح متصالح مع نفسه، وأيضا ديناميكي، فهو يتقدم باستمرار ويتطور وهو أكثر قدرة على إقامة العلاقات والتواصل مع الآخرين. تضيف حنه: “لا أجد حرجا في الاعتذار إلى شخص أخطأت بحقه، لا سيما إذا كان شخصا عزيزا على قلبي مثل زوجي أو أخي أو أبي”، ثم تستطرد: “حتى أولادي لا مشكلة لدي بالاعتذار لهم إذا ما قسوت عليهم فهذا من حقهم أولا، وثانيا بذلك أصبح مثلا وقدوة لهم في كيفية الاعتراف بالخطأ وتصحيحه وتعليم ثقافة الاعتذار”. أساليب غير مباشرة قد تتردد الزوجة أو الزوج في الاعتذار بعد خصام مع شريك الحياة، وتجنبا لقول كلمة “آسف” يلجأ الكثيرون لاعتماد أساليب غير مباشرة في الاعتذار. يقول أحمد يوسف: “من الصعب أن يقول الرجل لزوجته “آسف” إنه في موروثنا الثقافي ضعف من جانبه، كما أن بعض النساء قد تسيء فهم اعتذار الرجل لتطلق سلطتها وسطوتها وتبدأ بوضع الشروط، هنالك وسائل أخرى غير مباشرة يستخدمها الرجل مع زوجته لإبداء الأسف والاعتذار بعد الخطأ مثل شراء هدية أو اصطحاب في نزهة وغيره”. وتعتبر لملم فيليب أن الاعتذار للزوج من قبل الزوجة بكلمة جميلة مثل “آسفة، فقد كنت متوترة قليلا” كفيل بأن يرفع من قيمتها وشأنها لدى زوجها، وهو لا ينتقص من كرامتها، إذ لا كرامة بين الأزواج، وعلى الزوجة أن تبدي مرونة وضعفا أمام الزوج لكي يحنو عليها ويرفق بها، كما أن الاعتذار بجميع أشكاله وأنواعه، هو أمر إيجابي ويدلّل على شخصية سوية، أما التمنع عنه فهو تصلّف وغرور. دائماً ما يردّد الكبير على الصغير قيمة الاعتذار وشجاعة المعتذر وفضل الاعتراف بالخطأ أو التقصير، فما قيمة الاعتذار ما دام الضرر وقع؟ يقول بلال العبادي، أستاذ لغة عربية: “الاعتذار حالة إنسانية وحضارية تُشعر المعتذر له باحترامه كإنسان وتجعل المعتذر يتنبه من كم ونوع الأخطاء التي يوجهها للآخرين، فعندما نقول اعتذاراً فإننا بالتأكيد لا نقصد منها كلمة “آسف” المستهلكة التي ينطقها الكثيرون دون فهم لمعناها وأبعادها، بل المقصود بالاعتذار الاعتراف بالخطأ واحترام عقول الناس وحقوقهم، هنالك أخطاء لا تكفيها كلمة “آسف” لو قيلت مدى العمر، ولكن يجب أن ترتبط الكلمة بتغيير السلوك وتصحيحه في المستقبل وعدم تكرار الغلط، وهذه هي ثقافة الاعتذار التي يجب أن نعلمها لأطفالنا، فالحلم بالتحلّم والعلم بالتعلّم والصبر بالتصبر، وما دام الله أمرنا بحسن الخلق، فإننا نستطيع أن نعدل طباعنا وأخلاقنا ونستبدلها بأحسن ما يمكن”. ثقافة الاعتذار حول ثقافة الاعتذار وكيفيته تتحدث الأخصائية الأسرية لبنى السيّد مشيرة إلى أن الاعتذار تقويم لسلوك سلبي، يظهر من خلاله مدى شجاعة الفرد على مواجهة الواقع، والحقيقة أن هذه الثقافة غائبة لدى أغلب أفراد مجتمعاتنا العربية، حيث يعتبر الشخص المخطئ أن الاعتذار “تقليل شأن”، بينما العكس هو الصحيح، فالاعتذار ينم عن قوة شخصية، واتزان في التفكير، وهو القدرة على المواجهة في الحياة، وينقسم الناس في إدراكهم لثقافة الاعتذار لثلاثة أصناف: الاعتذار السريع أي مراجعة النفس مباشرة عند وقوع الخطأ، والاعتذار بعد مراجعة النفس، وهو ما يأتي متأخرا نوعا ما، بعد أن يقضي المخطئ حالة مراجعة للموقف ومحاكاة النفس، حيث ينتابه حالة تأنيب الضمير، أما الصنف الثالث، وهو ما نعانيه في مجتمعاتنا، وفهنا يدرك الشخص حجم أخطائه، لكنه يكابر ويمتنع عن الاعتذار. وهذا النوع من الأشخاص يعاني ضعف الشخصية، وعدم القدرة على مواجهة المواقف، ويمكن أن نصفة بالغرور، فليس عيبا أن يخطئ الإنسان، ولكن العيب أن يستمر في الخطأ. وتشير الأخصائية السيّد، إلى أن العلاقات البشرية قد تكون مليئة بالأخطاء والهفوات، خاصة عندما يتعايش شخصان من بيئتين مختلفتين تحت سقف واحد، وهما الأزواج، ولأن العلاقة بينهما من أسمى وأقوى العلاقات البشرية، ولأن المودة من أهم الأسس لذلك الرابط المقدس، فلا فارق فيمن يبدأ الاعتذار طالما هناك محبة ورغبة في استمرار الحياة الزوجية. تضيف السيّد: “ورغم أن كثيراً من الرجال الشرقيين يعتبرون الاعتذار تقليلاً من الكرامة والقدر أمام الزوجة، وهذا خطأ، إلا أن أوجه وأشكال الاعتذار المختلفة كفيلة بتوفير صفاء بين الزوجين وتراض من دون أن يشعر أحد الطرفين بأنه أقدم على ما ينقص من شأنه وقدره أو بانتصار الطرف الآخر، فالعناد والكبرياء من أهم أسباب دمار وخراب البيوت الزوجية التي تقوم على المحبة والتفاهم المشترك”. أما من حيث التعامل مع الأطفال، توضح السيّد قائلة: “كلنا نرتكب الأخطاء مع أطفالنا، ربما نقول أو نعمل شيء مؤلما لهم في لحظة غضب ثم نأسف عليها فورا، ولكن الاعتذار الحقيقي له قوة عظمى لإلغاء هذه الأخطاء، فالاعتذار ذو المغزى سيجعل أوضاع أفضل، كما يعلم طفلك أيضا قوّة المغفرة، شريطة عدم الإفراط في استعمال الاعتذارات وإلا فقدت مصداقيتها”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©