النسّابة علي المطروشي: قبائل الإمارات خليط بين القحطانية والعدنانية.. وهناك من يود معرفة نسبه بدافع الفضول

عن علم الأنساب يقول علي المطروشي:” هو يشكل لي أحد أهم العلوم التي استثارت اهتماماتي منذ الصغر، فأنا من النوع الذي يقرأ كثيراً كل العلوم، لكن علم الأنساب منذ الصف الخامس الابتدائي أو السادس جذبني إليه أكثر، حيث إن أول شيء لفت نظري كان دروس التربية الإسلامية عن السيرة النبوية، فحرصت على أن أعرف نسب النبي صلى الله عليه وسلم”، وأتذكر حينما كنت صغيراً كان والدي يردد بعض الأبيات من قصيدة تروي نسب الرسول الكريم تلقنتها في مدرسة الكتاتيب التي أدرس بها في صغري وهي للشيخ عبد الكريم البكري خلال فترة الثلاثينات وتقول بعض أبياتها: هو ابن عبد الله بن عبد المطلب وهاشم عبد مناف قد حسب ثـم قصــي وكــلاب مـــرة كعـــب لـــؤي للكــرام غــرَة وغالب صهر ومالك النظر كنانـــة خزامــة بــه افتخـــر مدركـة إليــاس ثم مضــر نـــزار ومعـــد أيضــا ذكــروا ثـم عدنــان عنـده وقــف متفق الأقوال عند من سلف ويستطرد المطروشي في حديثه المليء بحنين الذكريات قائلا:” طبعا الوالد لم يكن يحفظها كاملة لأنه كان رجلا عامياً وأمياً، فكنت أقول له:”حاول تذكرها” لأنه لم يكن يوجد لدي مرجع لها آنذاك، بعدها استعان الوالد بأحد الأقارب ويدعى الدكتور سالم راشد تريس، ليلقنني سيرة النبي فأحضر لي ملخصاً دوَنه بورقة نقله من كتاب “سيرة بن هشام” فواظبت على قراءته إلى أن حفظته، فكانت هذه بدايات اهتماماتي”. أتذكر في أول عقد الثمانينات - وكنت في المرحلة الإعدادية أني باشرت بكتابة نسب عائلتي، حيث كان يتوفر الرواة آنذاك كالجد والجدة وكبار السن من الأقارب وكانوا ينعمون بذاكرة قوية، فكتبت عنهم ما استطعت، واليوم الكثير منهم قد رحلوا، ولم يعد هناك مجال لكتابة المزيد عنهم، فالحمد لله أني حفظت هذه المعلومات في دفتر أصبح مرجعا لجميع أفراد العائلة. الكتاب صاحبي ينتمي علي المطروشي إلى أسرة محافظة، وكان والده رحمة الله عليه شخصاً أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، وكان يملك دكاناً مختصاً ببيع عدة الصيد، ويروي المطروشي بعض الذكريات عن والده:” كان يحتاجني للجلوس معه كي أدون له الحسابات، وكنت كلما استأذنته كي أذهب لألعب مع رفاقي في السن يمنعني، فكان الكتاب أنيسي خصوصاً بعد أن أعارني أخي، من الرضاعة، أحمد كتباً من مجموعاته يحثني فيها على المطالعة، إلى أن صرت استعين بكتب مكتبة المدرسة عندما انتقلت إلى المعهد العلمي الإسلامي، وأصبحت لا أستغني عن الكتاب طوال العام الدراسي حتى أيام العطلات والصيف. وعندما التحقت بصفوف الجامعة أحببت مادتي علم النفس وعلم الاجتماع حباً جماً، بسبب تأثري بأستاذي الدكتور سالم ساري رحمة الله عليه، حيث كان يتمتع بشخصية قوية وطريقة مميزة في طرحه لمادة علم الاجتماع، حيث لم يكن لدينا منهج نتبعه، وإنما يلقننا ما يعلمه ونحن ندونه ونحفظه. أنساب العرب ويضيف المطروشي أنه بالنسبة لعلم الأنساب التقليدي، فيرجع نسب العرب إلى ثلاث سلالات: - العرب البائدة التي انقرضت، والذين هم قوم عاد، ثمود، عميم، جليس، جرهل ووبر - العرب العاربة: وهم القحطانيون الذين يسمونهم عرب الجنوب “اليمانية”، حيث إن كثيرا منهم نزحوا بعد انهيار سد مأرب إلى مختلف أرجاء الجزيرة العربية، وفيها كتل عربية كثيرة مثل قبيلة الأزد، مدحج، حِميَر حيث كان ملوك الجاهلية حِمير. - العرب المستعربة (العدنانية): هم ذرية النبي إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام، فهناك جد قريب لإبراهيم اسمه عدنان، لكننا لا نعرف حلقات النسب بينه وبين إسماعيل عليه السلام، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وقريش .. كلهم ينتمون إلى عدنان، على غرار قبائل بني تميم، بني عديان. تاريخ الخليج ويوضح المطروشي: في عقد التسعينات تعرفت على الشاعر الأديب النسابة المرحوم حمد خليفة بوشهاب، فهذ الأخير إضافة إلى أنه شاعر هو نسابة وعضو اللجنة العليا للتراث والتاريخ، فزادني هذا اهتماما وحبا أكثر للتعرَف على تاريخ الخليج وأنسابه أكثر فأكثر، وكذلك الأستاذ سالم بن عمران العويس بالشارقة رحمة الله عليه. وأتذكر حينما كنت طالبا بالجامعة استعرت كتاباً من مكتبة الجامعة تحت عنوان “نسب قريش” تأليف مصعب بن عبد الله الزبيري، وصوَرته تصويرا كاملا حتى أزين به مكتبتي المتواضعة النامية في تلك الفترة، كما صوَرت كتاب “جمهرة أنساب العرب” لابن حزم الأندلسي، فأنا متنوع الاهتمامات من أدبية وتاريخية، تاريخ العلوم وتاريخ المكتبات، الشعر النبطي...، لكن علم الأنساب له خصوصية عندي. وعندما التقيت المرحوم حمد خليفة وشهاب، تعرَفت عليه فحثَني على دراسة تاريخ أنساب قبائل الخليج العربي، وقد استفدت منه كثيرا خاصة فيما يتعلق بأنساب الأسر الحاكمة في الإمارات، فدونت عنها الكثير من المعلومات، وحالياً أنا بصدد عمل بحث عن الأسرة الحاكمة في إمارة عجمان سوف يقدَم إلى صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان. وفيما يتعلَق بعلم الأنساب فقد تطوَر أكثر بعد عام 2000 ، أي بعد اكتشاف ما يعرف بـ”هندسة الجينوم البشري” على أيدي علماء غربيين، فاستفاد منه علم الأنساب كثيراً على غرار البحث الجنائي والكثير من التخصصات التي تلجأ إلى تحاليل الحمض النووي الـ D.N.A ، فالآن يوجد عدنا باحثون شباب لديهم القدرة على البحث في مجال علم الأنساب عن طريق فحوصات هذا الحمض النووي. قبيلة بني ياس يقول السيد علي ان أول من فتح الباب في الإمارات هو المهندس علي محمد بن حسون الشحي، والآن خلفه عبدالله بن محمد المهيري، الذي هو الآن بصدد إجراء بحث عن أنساب قبيلة بني ياس، حيث اعتمد في منهج بحثه على تحاليل الـ D.N.A، وأذكر أنه أخذ عينات عدد كبير من أشخاص يشكلون قبيلة بني ياس وأرسلها إلى أميركا للفحص المخبري للحمض النووي، وعلى ضوئه سيتم عمل شجرة عائلة لهذه القبيلة ليست كتلك التقليدية التي نعرفها، وإنما يرسمها الكمبيوتر لهؤلاء الأشخاص الذين فحصوا بحيث يشكلونها وتعود بهم إلى أصول قد تكون إما متشابهة أو مختلفة، كما أن علم الجينات لا زال قيد التطور وفي المستقبل ستكون الإمكانيات أكثر للاستفادة منه. معرفة النسب! يقول المطروشي: يحظى علم الأنساب اليوم باهتمام الكثير من الناس لعدة أسباب لعل أبرزها الدافع النفسي والاجتماعي، وهو قضية التركيبة السكانية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصبح الشعب الإماراتي الآن يشكل قلة قليلة مقارنة بمن هم موجودون على أرض الدولة، فبالتالي الكثير من المواطنين الإماراتيين من يسعى إلى تأصيل نفسه من خلال البحث عن شجرة عائلته وعن قبيلته تحسَبا للمستقبل، وهذا الأمر يكون بعقله الباطن. وهناك من يودَ معرفة نسبه فقط بدافع الفضول لمعرفة تفاصيل أسرته وأجداده، ربما بسبب خصومات بين العوائل، وأحيانا أخرى يكون من أسرة كانت رفيعة المستوى في الماضي فيبحث في تاريخها وأمجادها ليشعر بالفخر، وأحيانا أخرى يدوَن نسبه بدافع الثقافة أكثر من أي دافع آخر. النسب المنقطع ويضيف: هناك ظاهرة علينا أن ننوَه إليها، ألا وهي النسب المتصل والنسب المنفصل، فهناك قاعدة تقول إن لكل قبيلة جدَاً تنتمي له هذه القبيلة وأفرادها، فمن كان من ذريته فهو من قبيلته ومن لم يكن كذلك فهو ليس منها، ولكن أغلب القبائل اليوم نسبها منقطع للأسف، لذلك تواجهني مشكلة كبيرة في التعرف على نسب بني فلان مثلا حين لا نعرف كيف تسلسل نسبه ولا حلقاته حيث لا تتعدى الأب الرابع أو الخامس. بعض البدو خاصة العوامر والمناصير والمناهيل.. أي القبائل التي تتقوقع في جنوب الإمارات- أكثر عراقة في البداوة حيث تحفظ عددا كبيرا من أنسابها فنجد من يحفظ سلالة طويلة من نسبه، لذلك فالنسب المنقطع يجعلنا محدودي المعرفة بهذه القبيلة عن تلك، حتى أن بعض الأسر الحاكمة لا يعرفون الجد الأكبر لعدم وجود حلقات النسب كاملة، حيث لا تتوافر المصادر. الملك سعود ويؤكد المطروشي: من خلال بحوثي وقراءاتي في الأنساب، اكتشفت أن الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود هو أكثر أهل الخليج انجابا بـ 110 أولاد “57 بنتا و53 ذكرا”، وما يؤكد ذلك التفاصيل وأسماء الذرية التي وردت في كتاب “الجداول الأسرية للسلالات المالكة السعودية” الذي أهدته الملحقية الثقافية لصاحب السمو حاكم عجمان، فبعثوه إلينا في المتحف فصورناه لنحتفظ بنسخة منه نظرا لقيمته التاريخية والاجتماعية. قبائل الإمارات أما قبائل الإمارات فهي عبارة عن خليط بين القحطانية والعدنانية وهذا حسب علم الأنساب التقليدي، ولكن مع ظهور فحوصات الـ D.N.A، بدأت تظهر معطيات جديدة لم تكن موجودة من قبل، والآن يقف الباحثون حائرين أمام هذه المعطيات التي تنسف إلى حد كبير كثيراً من المسلمات التي كان يعتبرها علماء الأنساب في الماضي أساسيات في هذا العلم. بطاقة: - علي محمد علي راشد حميد المطروشي - من مواليد إمارة عجمان عام 1964 - بكالوريوس في الآداب، قسم التاريخ من جامعة الإمارات عام 1989 - عمل بتدريس مادة التاريخ من 1989 1993 - اختاره صاحب السمو حاكم عجمان لإدارة متحف عجمان منذ 1993 ولا يزال على رأس عمله - تم تعيينه نائباً لمدير دائرة الثقافة والإعلام بالإمارة إضافة إلى عمله السابق، وهو عضو مجلس إدارة النادي الوطني للثقافة والفنون. - باحث ومحاضر في الأنساب والتاريخ المحلي، وله اهتمامات ثقافية متنوعة. - له ثلاثة مؤلَفات: المواهب اللطيفة في الأنساب الشريفة – مدارس الكتاتيب في إمارة عجمان – عناقيد ثقافية. كما أن له العديد من البحوث والدراسات التي لم تنشر بعد. شجرة العائلة! وفي حديثه عن عمله كمدير للمتحف، يرى المطروشي أن هذا الأمر قد ساعده حيث يجد من خلاله فرصة كبيرة في المطالعة والبحث والتعرف على الناس، خصوصاً وأن المتحف يشكل مؤسسة تراثية تاريخية في الإمارة، إضافة إلى كونه واجهة سياحية ومرجعاً تثقيفياً وتعريفاً للأجيال بتاريخ وتراث دولة الإمارات. أما فيما يخص عمل شجرة عائلة ما فيؤكد أن ذلك ليس بالأمر الهين وإنما هو عمل صعب، ولكنه في الوقت نفسه يقول:”أتمنى من كل الأسر الحاكمة أن تكلَف من يدوَن تاريخ أنسابها، فللأسف الكتاب الوحيد الموجود بالساحة هو “التذكرة في الأرحام” لصاحبه الدكتور سلطان القاسمي الذي تناول فيه تفاصيل نسب القواسم” وإذا تم تكليف أي شخص فلابد أن يكون ابنا لتلك الإمارة، ملما بأنساب عوائلها، جديرا بذلك ويتوخى الحذر والدقة في المعلومات مستعينا بعدة جهات كإدارة الهجرة والجنسية لمعرفة ترتيب الأفراد وتواريخ ميلادهم. مدونات لآل نهيان حينما سألناه عن إمكانية تدوين أنساب الأسر الحاكمة بالإمارات، أجاب قائلا:” حاليا أنا بصدد إكمال شجرة عائلة صاحب السمو حاكم عجمان، ولديَ مسودات عن مدوَنات آل نهيان وآل مكتوم تتعلق بالأجداد والحكام القدامى ولا زلت أحتفظ بها” وعن عدم ذكر المرأة في الشجرة فيرجع المطروشي ذلك إلى مخلفات ورواسب القيم التي كانت سائدة عند العرب من تحجيم لأهمية المرأة وما شابه، ولكن اليوم الأمر اختلف، إذ أصبحت المرأة اللبنة الأساسية في المجتمع فهي ليست مجرد ربة بيت وإنما هي الموظفة وسيدة الأعمال والباحثة والدكتورة والطبيبة، فهي تقوم بدور تربوي اجتماعي لا ينكر، لذا لابد أن نوفيها حقها.