الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

باحثو معهد مصدر يستكشفون سبل الاستفادة من الطاقة الحرارية الجوفية

باحثو معهد مصدر يستكشفون سبل الاستفادة من الطاقة الحرارية الجوفية
29 أغسطس 2016 13:29
أبوظبي (الاتحاد) ساعد العلم الحديث الإنسان على الاستفادة من العديد من مصادر الطاقة الطبيعية المتوافرة في كوكب الأرض كطاقة الشمس والرياح والمد والجزر، لكن لعل أقدم مصدر هو حرارة الأرض التي استفاد منها الإنسان منذ قرون، وما زال في إمكانه توظيفها في العديد من المجالات المهمة. وهذا ما دفع باحثو معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا للعمل على استكشاف السبل التي تتيح استغلال الطاقة الناجمة عن الحرارة الجوفية، واستخدامها في سد احتياجات الطاقة المستجدة. وتتوافر الحرارة الصادرة عن الأرض والمسماة بالطاقة الحرارية الجوفية بكميات هائلة، وتعتبر اليوم بمثابة طاقة متجددة غير مستثمرة بالشكل الأمثل. ويتمثل الاستخدام الأكثر شيوعاً لحرارة الأرض في ينابيع المياه الساخنة التي نراها في منطقة جبل حفيت في العين، غير أن تحويل جزء بسيط منها إلى طاقة كهربائية من شأنه دعم سبل تأمين حاجة العالم من الكهرباء دون إطلاق الغازات الدفيئة الضارة بالغلاف الجوي. وفي هذا السياق، يسعى باحثو معهد مصدر لاستكشاف الآليات التي تتيح لدولة الإمارات الاستفادة من هذا المصدر الطبيعي الغني بالطاقة المتجددة، والخالي من الكربون بهدف تأمين الطاقة اللازمة لقطاعي الكهرباء وتحلية المياه اللذين يعتبران من أكثر القطاعات المستهلكة للطاقة. وفي سياق شرحه للعلاقة بين الطاقة الحرارية الجوفية وعمليات تحلية المياه، يقول الدكتور حسان عرفات، أستاذ الهندسة الكيميائية والبيئية في معهد مصدر: «يعد قطاع تحلية مياه البحر من أكثر القطاعات المستهلكة للطاقة الكهربائية في دولة الإمارات. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج المياه العذبة يستهلك نحو 30% من الوقود المستخدم في تشغيل محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء المشتركة». ونظراً لارتفاع تكلفة توليد الطاقة الكهربائية في الدولة، جرى الدمج بين إنتاج الكهرباء وتحلية المياه ضمن محطة واحدة، بحيث يتم استخدام الحرارة المهدورة خلال توليد الكهرباء في عملية إنتاج المياه العذبة، ما يسهم في تخفيف الضغط على مصادر الطاقة. غير أن هذا التوجه يتطلب تقنيات تحلية من نوع خاص قادرة على الاستفادة من الحرارة المهدورة، وقد لا تكون هذه التقنيات في الضرورة أقل تكلفة وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. وعلاوة على كونه من أكثر القطاعات المستهلكة للطاقة، يسهم قطاع تحلية المياه في النسبة الأكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى الدولة. فحسب تقرير حالة الطاقة في الإمارات لعام 2015، تطلق محطات الكهرباء والمياه العاملة بالغاز الطبيعي أكبر نسبة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتُقدر بثلث إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة. وبناء على هذه المعطيات، يكتسب استخدام مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الحرارية الجوفية، في إنتاج المياه العذبة أهمية كبيرة بالنسبة إلى الدولة، إذ من شأن المساهمة في الحد من البصمة الكربونية. وكخطوة أولى على طريق استكشاف الطاقة الحرارية الجوفية واستخدامها في عمليات تحلية المياه في الإمارات، قام الدكتور عرفات وسافينا لوتاتيدو، مهندسة باحثة وخريجة ماجستير من معهد مصدر، بالعمل على تحديد جودة الطاقة الحرارية الجوفية المتوافرة في الدولة. وقد أجرى الباحثان دراسة جدوى حول استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في عملية تحلية المياه، وتم نشرها في مجلة «تحلية المياه» العام الفائت. وخلال الدراسة، وجد الباحثان أن مستوى الحرارة الجوفية في منطقة الشرق الأوسط يتراوح بين 90-150 درجة مئوية، وذلك وفق تقييم أجرته شركة «ريكجافيك جيوثيرمال»، الشركة الرائدة في تطوير الطاقة الحرارية الجوفية. وهذا المستوى يعتبر متدنياً ولا يسمح باستخدام التقنيات التي تتطلب حرارة عالية في الإمارات. لكن على الرغم من ذلك، يمكن الاستفادة من هذا القدر من الحرارة في توليد الطاقة، وذلك بالاعتماد على نظام الحلقة المزدوجة الذي يستخدم المياه الساخنة المستخرجة من الآبار الجوفية لتسخين سائل ثانوي ذي درجة غليان أخفض من المياه لتسهيل تحويله إلى البخار اللازم لتشغيل التوربينات. وفي خطوة تالية، بحث الفريق في استخدام الحرارة الجوفية مع نوعين من تقنيات التحلية التي لا تتطلب الربط بعمليات توليد الكهرباء، وهما التناضح العكسي، والتقطير متعدد التأثير ، إذ تقوم محطات التحلية بالتناضح العكسي بإزالة الملح من مياه البحر عبر دفع المياه بضغط عالٍ عبر أغشية تسمح بمرور جزيئات المياه وتحتجز الملح،بينما تعتمد محطات التقطير المتعدد التأثير على تسخين المياه المالحة بشكل متكرر حتى تتبخر، وبعدها يتم تكثيف البخار الناتج للحصول على المياه العذبة. ويشرح الدكتور ستيف غريفيث، نائب الرئيس للأبحاث ومساعد المدير المكلّف في معهد مصدر، أهمية هذه الجهود البحثية بقوله: «إن استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في الإمارات قد يفضي إلى إنشاء محطات تحلية مياه جديدة مستقلة بدل ربطها بمحطات توليد الكهرباء. ومن شأن هذا الفصل بين محطات التحلية والكهرباء أن يفسح المجال أمام استخدام تقنيات تحلية أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، كما أن الاعتماد على طاقة متجددة كحرارة الأرض سيسهم في تعزيز استدامة عمليات التحلية. وما يميز الحرارة الجوفية هو أنها توفر طاقة متواصلة لمحطات التحلية، بخلاف الطاقة الشمسية التي لا يمكن الاعتماد عليها دون تزوديها بتقنية لتخزين الطاقة». ومن ثم عمد الباحثون إلى حساب تكلفة إنتاج متر مكعب واحد من المياه ضمن كل نوع من محطات التحلية اعتماداً على الطاقة الحرارية الجوفية. وقد أظهرت النتائج أن تكلفة المياه المنتجة في كل من محطة التناضح العكسي ومحطة التقطير متعدد التأثير اللتين تعملان بالطاقة الحرارية الجوفية أعلى من تكلفة إنتاجها في محطات التناضح العكسي العاملة بالغاز الطبيعي. وقد وصل الفرق في التكلفة إلى 50% تقريباً، إلا أن ذلك لا يأخذ في الحسبان الفوائد البيئية للتحلية بالطاقة الحرارية الجوفية، وكذلك الحد من الاعتماد على الأسعار الغاز الطبيعي في الإمارات وأسعاره المتقلبة. ويوضح الدكتور عرفات: «لقد أجرينا عملية شاملة تضمنت تصميم النماذج وتقييم الجوانب الاقتصادية والتقنية، وتوصلنا خلالها إلى إمكانية الاعتماد على الطاقة الحرارية الجوفية في ضمان إنتاج مستقر من المياه العذبة وبتكلفة بيئية منخفضة». وفي النهاية، قام الدكتور عرفات والمهندسة لوتاتيدو بتوظيف البيانات التي تم جمعها خلال الدراسة في تطوير نموذج يتيح تقييم الجدوى التقنية والاقتصادية لمحطات تحلية المياه العاملة بالطاقة الحرارية الجوفية وبتقنية التناضح العكسي، وتقنية التقطير المتعدد التأثير، والذي يمكن أن يكون بمثابة الأساس للانطلاق نحو المزيد من الجهود البحثية في مجال الطاقة الحرارية الجوفية في الدولة. من جهة أخرى، يشرف الدكتور أفشين أفشاري، أستاذ ممارس في هندسة وإدارة النظم في معهد مصدر، على مشروع آخر يركز على استغلال الطاقة الحرارية الجوفية في الحد من الانبعاثات الكربونية في القطاعات الرئيسة المستهلكة للطاقة في الدولة. ويتمثل مشروع الدكتور أفشاري في إجراء دراسة جدوى تهدف إلى تقييم الأداء ومدى الخفض في التكلفة جراء استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في محطة التبريد الخاصة بمدينة مصدر المنخفضة الكربون في أبوظبي. وكانت مدينة مصدر قد أطلقت في العام 2009 أول مشروع في الإمارات لاستخدام الطاقة الحرارية الجوفية في توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل محطة تبريد مستدامة. وقد جرى حفر آبار عميقة ضمن مدينة مصدر لاختبار الحرارة الجوفية، وكشفت هذه الجهود وجود مصدر كبير للحرارة المائية على عمق 2,5 كلم تحت سطح الأرض، يمكن أن يوفر مياها ساخنة بحرارة تتراوح بين 90 و95 درجة مئوية، تساعد في إنتاج 10 ميغاواط من الكهرباء على مدار اليوم والأسبوع. وبناء على ذلك، تهدف هذه الدراسة الجارية حالياً وضع نموذج خاص بدراسة الجدوى التقنية والاقتصادية لمحطات التبريد العاملة بالطاقة الحرارية، والتي يعتقد الباحثون أنها مرشحة للمساهمة في الحد من استهلاك الكهرباء بنسبة 15-20% في موقع مثل مدينة مصدر. ومع تنامي حاجة دولة الإمارات للطاقة وسعيها الدؤوب لتعزيز الاستدامة، سوف تكتسب أبحاث الطاقة الحرارية الجوفية التي يقوم بها معهد مصدر، اهتماماً كبيراً. ومن المتوقع أن توفر نتائج هذه الجهود البحثية ودراسات الجدوى للدولة المعلومات التي تساعدها في الاستفادة بالشكل الأمثل من مصادر الطاقة المتجددة لديها، وبالتالي تمكينها من سد حاجتها المتزايدة من الطاقة والمياه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©