الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقيدة أوباما... وعوائق «الاشتباك» الإيجابي

عقيدة أوباما... وعوائق «الاشتباك» الإيجابي
19 ديسمبر 2009 22:51
ركزت عناوين الصحف حول تسلم أوباما لجائزة نوبل للسلام مؤخراً على ما يبدو أمراً مثيراً للسخرية في الحدث: فها هو رجل أمر للتو بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى الحرب ينتزع جائزة باعتباره أبرز المنتصرين للسلام في العالم. غير أن أوباما نفسه حرص على احتواء هذا التناقض بشكل مباشر في خطابه بأوسلو إذ قال: "إن الشر موجود في العالم بالفعل... والحرب ضرورية أحياناً". بيد أن خطاب الرئيس الأميركي لم يكن حول الضرورة المؤسفة للحرب فقط، وإنما احتوى أيضاً على أوفى عرض حتى الآن لمقاربة أوباما حول الدبلوماسية العالمية، ومن ذلك محاولات الاشتباك الإيجابي أو "الانخراط" لاحتواء الأنظمة المناهضة لأميركا -أو بعبارة أخرى، لقد بدأت ملامح عقيدة أوباما تتشكل وتتضح. وفي هذا المقام قال أوباما: "إنني أدرك أن الانخراط مع أنظمة قمعية يفتقر للتنديد الواضح الذي يرضي النفوس... ولكنني أعلم أيضاً أنه لا يوجد نظام قمعي يستطيع سلوك طريق جديد إذا لم تكن أمامه فرصة باب مفتوح". وحين تفشل الدبلوماسية، يقول أوباما، فإنه يتعين عندها على الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى أن تتخذ عقوبات جادة في حق الأنظمة المارقة - أو "بدائل للعنف تكون صارمة بما يكفي لتغيير سلوك" هذه الأنظمة، كما قال. إن الأمر إذن ينطوي على اقتراحين هما: الانخراط والعقوبات، غير أن أياً منهما لم يُثبت نجاحه حتى الآن. وبالتالي، فإن ترجمتهما على أرض الواقع ستكون هي الاختبار لنجاح عقيدة أوباما وفعاليتها. ولنرَ المسألة في التفاصيل. أولا، الانخراط: يتمثل أحد أبرز وعود سياسة أوباما الخارجية في حملة العام الماضي الرئاسية في أنه، وخلافاً لبوش، لم يهدد البلدان المعادية بتغيير أنظمتها؛ وإنما وعد بأنه سيحاورها بدلا من ذلك. وبالفعل، فقد فتح أوباما خلال أشهره الأولى حواراً أكثر مباشرة مع إيران وكوريا الشمالية حول برنامجيهما النوويين، ومع السودان وميانمار حول حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، قلل أوباما من شأن الانتقادات الموجهة للحكومات الأخرى التي كان في حاجة لمساعدتها في تحريك ملفات دبلوماسية مهمة. وهكذا، تحاشى لقاءً مع الدلاي لاما حتى لا يهين الصين؛ ووصف الرئيس المصري بأنه "قوة للاستقرار والخير"؛ كما أرسل مبعوثاً خاصاً إلى السودان سعى إلى التعامل بلطف مع نظام يُتهم بتعديات على حقوق الإنسان في دارفور . غير أن كل هذا الأدب والكياسة في التعامل يثير قلق نشطاء حقوق الإنسان، الذين يخشون أن يكون أوباما بصدد إرجاع الدبلوماسية الأميركية إلى ما يعتبرونها "الواقعية" غير الأخلاقية لهنري كيسنجر وعهد الحرب الباردة؛ حيث يقول كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة "هيومان رايتس ووتش": "إن الانخراط بدون ضغوط يفسر من قبل الحكومات السلطوية على أنه استسلام". ومن جانبه، كتب جيمي روبن، وهو متحدث سابق باسم وزارة الخارجية في عهد إدارة كلينتون، في عمود بمجلة "نيوزويك" يقول: "هناك أوقات يجني فيها الرؤساء الشجاعة السياسية من التمسك بالقيم الديمقراطية". ولكن رد إدارة أوباما يختزل في كلمة واحدة هي: الصبر. وفي هذا السياق، قال لي أحد مساعدي أوباما: "إن هذا ليس اختلافاً حول القيم؛ بل هو اختلاف حول الوسائل... إن الضغوط لم تحسن حياة الناس في نهاية المطاف... امنحونا بعض الوقت". غير أن الانخراط، حتى الآن، لم يحقق الكثير من حيث النتائج الملموسة. وهنا يأتي دور العقوبات وفق عقيدة أوباما. ففي أوسلو، قال أوباما إن الوقت قد حان "للتشديد على ضرورة ألا تتلاعب دول مثل إيران وكوريا الشمالية بالنظام". فالأشخاص الذين يزعمون احترام القانون الدولي لا يمكنهم غض الطرف عندما يتم خرق هذه القوانين. واستطرد قائلاً: "حين تكون ثمة إبادة جماعية في دارفور وعمليات اغتصاب ممنهج في الكونجو وقمع في بورما، فإنه يجب أن تكون ثمة عواقب. أجل، سيكون ثمة انخراط وستكون ثمة دبلوماسية، ولكن لابد من أن تكون ثمة عواقب حين تفشل هذه الأمور". غير أن هذه المقاربة لا يمكنها أن تضمن نتائج أيضاً. ذلك أن تاريخ العقوبات الدولية حافل بعدد أكبر من الإخفاقات مقارنة مع النجاحات. كما أنه من الصعب تصميم عقوبات تستطيع تغيير سلوك نظام ما، ومن الصعب إقناع بلدان أخرى بالمشاركة، وأصعب من هذا كله تطبيق العقوبات عندما تكون جاهزة. ولنتأمل هنا ثلاث حالات مهمة أشار إليها أوباما: فالولايات المتحدة فرضت عقوبات مشددة على كوريا الشمالية، والحال أن نظام بيونج يانج معزول أصلا إلى درجة أنه يبدو غير مكترث للضغوط. ثم إن الأمم المتحدة فرضت عقوبات على السودان أيضاً، ولكن الصين -التي طورت علاقة تجارة نفطية مربحة مع الخرطوم- تعرقل محاولات تشديدها وجعلها أكثر صرامة. ونتيجة لذلك، اكتشفت إدارة أوباما شكلا من "العقوبات المعاكسة" التي تقدم للسودان حوافز لم يكشف عن طبيعتها في حال قام هذا الأخير بتحسين وضع حقوق الإنسان في دارفور، وطبق اتفاق السلام في منطقته الجنوبية. ولكن حتى الآن، لم تحقق هذه المقاربة شيئاً تقريباً. أما بخصوص إيران، فإن أوباما يستعد لإطلاق حملة بخصوص ما سمته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ذات مرة بـ"العقوبات المعيقة" قصد معاقبة نظام طهران لقيامه بإنتاج اليورانيوم المخصب الذي يمكن استعماله في الأسلحة النووية. غير أن دبلوماسيين يحذرون من أن طريق فرض العقوبات سيكون طويلا وشاقاً، ومن أنه لا توجد ضمانة على أنها ستكون معيقة. وفي خطابين رئيسيين حول السياسة الخارجية خلال الأسبوعين الأخيرين، أضاف أوباما مزيداً من التفاصيل لمخطط سياسته الخارجية الآخذ في التبلور؛ حيث شرح في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية أسباب تصعيد الحرب في أفغانستان، ولكنه سماها حالة فريدة من نوعها، وقال إن الولايات المتحدة لا تتوفر على الموارد لاستعمال القوة العسكرية في كل مكان في العالم. وفي أوسلو، عرض على بقية العالم صفقة: أن الولايات المتحدة ستختار الانخراط دبلوماسياً والتحرك الدولي متعدد الأطراف، ولكنها في حاجة إلى مساعدة الآخرين حتى تنجح هذه الصفقة. ولكن الاختبار بالنسبة لعقيدة أوباما -مثلما يقول صاحبها- هو ما إن كانت ستأتي بنتائج، أم لا. محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©