السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلير وحرب العراق... سجال حول المبررات

19 ديسمبر 2009 22:53
كنت من أشد المعارضين للحرب على العراق، غير أني أشكر رئيس الوزراء السابق توني بلير على تأكيده قبل بضعة أيام على صحة قرار التخلص من صدام حسين. فما الذي يدعوني إلى شكره على ذلك التصريح؟ ليس لهذا الموقف علاقة بتغير موقفي المبدئي من الحرب، لأنها لا تزال حرباً خاطئة. ولكن ما دفعني إلى قول ما قلت هو حديث بلير بلغة "الخطأ" و"الصواب" عن الحرب. وبذلك الجهر العلني بما يراه، تمكن بلير من إخراج الحوار العام الدائر بشأن الحرب من المأزق الحقوقي الذي وقع فيه، إلى مجال الأخلاق والسياسة الذي ينتمي إليه في الأصل. هذا وقد أثارت تصريحات بلير خلال لقاء تلفزيوني أجري معه يوم الأحد الماضي، عاصفة من التعليقات في العاصمة لندن. وعندما سأل المذيع الذي أجرى الحوار رئيس الوزراء السابق قائلاً: هل كنت ستمضي في تنفيذ قرار الغزو حتى لو علمت بعدم وجود أسلحة للدمار الشامل هناك؟ أجاب بلير قائلاً: "كنت سأعتقد من الصحيح حينها إزالة صدام حسين من السلطة، ما أقصده هو أنه كان يتعين عليك أن تستخدم عدداً من الحجج في تفسير طبيعة الخطر الذي كان يمثله عراق صدام". وقد أصاب البعض في اعتقادهم أن بلير كان يبحث حينها في عام 2002 عن ذريعة أو حجة ما تدعم وجهة الحرب التي اختار المضي فيها سلفاً. وكان قد اختار حجة أسلحة الدمار الشامل، غير أن نفي وجودها إن حدث لم يكن يثنيه عن البحث عن حجة أخرى تدفع به نحو غمار الحرب. وربما في ذلك التبرير الذي اختاره بلير لحربه ما يشف عن افتقاره للجرأة والجهر بما كان يراه حقاً. ذلك أن ما كان يراه في الأصل هو "صحة" الإطاحة بصدام حسين. ولكن لم يجد سبيلاً آخر للحصول على الدعم الشعبي اللازم للحرب سوى البحث عن مسوغ قانوني أقوى يبرر به مشاركته في الغزو على العراق. ومهما يكن فليست مراوغة بلير الواضحة في قوله "إن عليك أن تستخدم عدداً من الحجج في تفسير طبيعة الخطر الذي كان يمثله عراق صدام" هو ما أثار تعليقات المحللين والمعلقين هنا، بقدر ما أثارها استخدامه لعبارة "صحة إزالة نظام صدام حسين". وجاء تعليق المحللين عن تلك العبارة أنها تكشف عن صلف ووهم ونزعة ديكتاتورية واضحة في شخص بلير. لكن الحقيقة هي أن استخدام بلير لتلك العبارة، أتاح لنا فرصة الخروج بالحوار العام الدائر عن الحرب من مأزقه القانوني الدائر حول مدى مشروعية شن الحرب، والمضي به إلى طرح السؤال الأخلاقي: لأي مدى كان صحيحاً أم خاطئاً شن تلك الحرب؟ يذكر أن هذا الحوار ظل يدور لفترة طويلة حول مسائل قانونية بحتة. وفي بريطانيا بالذات اقتصر هذا الحوار تقريباً على المحامين والمستشارين القانونيين للحكومة، بينما ظل السؤال الرئيسي الذي يدور حوله الحوار، ما إذا كان مقبولاً شن الحرب وفقاً لنصوص القانون الدولي التي تحكم العمل العسكري. وفي ذلك السياق قدمت دراميات تلفزيونية عما وصفوا بـ"المحامين الشجعان" الذين نصحوا بلير مقدماً بعدم شرعية الحرب. وفي الوقت نفسه نشرت سلسلة من الكتب التي تناولت هذا الجانب، واصفة كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية بانتهاك القانون الدولي، نذكر منها على وجه الخصوص كتاب المؤلف فيليب ساندس: عالم الغاب: أميركا وسن وانتهاك القوانين الدولية". وكثيراً ما رفع المتظاهرون ضد الحرب شعارات مثل: "لا مزيد من الحروب غير القانونية"و"توني بلير مجرم حرب". وفي تلك الأثناء بدأت إجراءات تحقيق لجنة شيلكوت -التي اتخذت اسمها من رئيسها سير جون شيلكوت" في نهاية شهر نوفمبر المنصرم. يذكر أن المهمة الرئيسية لهذه اللجنة هي التحقق والحكم بشأن الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب على العراق. وحتى الآن دار معظم التحقيق الذي أجرته اللجنة حول المسائل القانونية للحرب، حيث أبدى عدد من المستشارين القانونيين للحكومة قلقهم من مدى قانونية الحرب. والمتوقع لها أن تمضي في هذا الجانب القانوني حتى آخر مشواره. غير أن من الواجب القول بعدم اتساق حصر الحرب في جانبها القانوني وحده. فكثير من الذين يصفون الحرب هذه باللاقانونية سبق لهم أن أيدوا حروباً سابقة لم تكن قانونية هي الأخرى. نذكر على سبيل المثال، أن صحيفة "ذي أوبزرفور" البريطانية -التي تعد من أقوى الأصوات الناقدة لبلير، والتي تتهمه بانتهاك القانون الدولي بسبب مشاركته في غزو العراق- هي نفسها الصحيفة التي كانت قد أيدت عمليات القصف الجوي التي نفذها كل من بلير والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في جمهورية يوغوسلافيا السابقة عام 1999. فتلك العمليات لم تحظ هي الأخرى بموافقة إجماعية من مجلس الأمن الدولي، ما جعل منها حرباً غير قانونية. كما أن حصر الحرب في جانبها القانوني وحده، يجعل منها حرباً يقتصر الحكم فيها على صفوة المهنيين القانونيين وحدهم، العارفين بتفاصيل نصوص القانون الدولي، ما يعني حرمان عامة الناس من الحكم عليها، على رغم كونها حرباً تهم الشارع العام أكثر مما تهم المهنيين. بذلك أصل لاعتراضي الأخير والأهم على هذا التركيز القانوني في الحكم على الحرب، لكونه يقصي الجانب الأخلاقي منها، بما فيه ما يتصل بالديمقراطية والسيادة الوطنية وتأثير الحرب على المواطنين العراقيين، وعلى الاستقرار والأمن الدوليين. محلل سياسي بريطاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©