هلا عراقي (الشارقة)
الفخار تلك الخامة الموغلة في القدم، الممعنة في الأصالة، الراسخة في أعماق التاريخ، مكانتها محفوظة رغم الحداثة، وحضورها قوي فرضته بانفرادها بخصائص وجماليات فاقت غيرها من الخامات، كونها الأقل تكلفة، والأكثر طواعية.
هذه الخامة، استمدت روعتها من بساطة استوطنتها ومفاجآت عاشت بداخلها، فهي ترسم بدقة لوحة فنية متناهية في الجمال مفادها القليل من الصلصال، والكثير من الموهبة وعشق لهذه الحرفة التي تعيش بداخل من يمتهنها.
كذلك هو إبراهيم جمال الذي فتح عينيه على رؤية الفخار في بيت يكن لهذه الحرفة الكثير من الحب ويوليها جل الاهتمام، فوالده حرفي عريق في هذه المهنة، لذا أحب جمال الفخار منذ الصغر، أغراه كغيره من الأطفال ملمسها الحنون، وقدرتها على اكتشاف ما لديه من فنون وإبداع.
ولا يزال يذكر، تلك الدهشة التي اعترته للمرة الأولى التي شاهد فيها تلك القطعة من الصلصال الهشة في بنيانها والبسيطة في تكوينها، كيف تغدو بعد بضع دقائق بين يدي والده تحفة فنية فريدة، قوية في قدرتها على التحول من الضعف إلى الوجود، ومن اللاشيء إلى أيقونة تتباهي بجمالها.
ويسترسل في حديثه ليغوص بنا في أعماق حرفته التي أغدق عليها الكثير من الوقت، فيقول: نشأت وبين يدي قطعة من الفخار، وخيال خصب يسرح بي بعيداً، وأنا أقلبها بين يدي لإبداع تحف وليدة اللحظة، لأن الفخار يخفي بين مساماته الأسرار، ويختزل الفن على سطحه وأبرز ما يميزه أنه فن عريق متوارث منذ القدم، حيث اعتمد عليها الناس منذ الأزل في تدوين التاريخ والاحتفاظ بالذكريات، لذا رافقت معظم الحضارات.
ويتحدث عن مراحل صناعة الفخار التي تبدأ بعجينة «لينة» تمنحك الفرصة بأن تبدعها بأشكال متعددة وأحجام مختلفة، والجميل أن قطع الفخار أنها طبيعية لا تتدخل فيها أي مواد أخرى، خاصة وإن بقيت بلونها الطبيعي دون أصباغ، وبعد التشكيل نبدأ عرضها لحرارة النار إلى أن تجف وتغدو قطعاً فنية.
يشير جمال إلى أن تقنيات العمل تختلف من حرفي إلى آخر وفقاً لنوع التحفة التي يصنعها، وهل تحتاج إلى زخرفة أو يبقيها كما هي ملساء خالية من النقوش؟. فالطين خامة «طيّعة» تقبل التصنيع في كافة الاتجاهات.
ويضيف أن أهم ما يجذبه في الفخار أنها حرفة أصيلة، فالتطور والحداثة لم تقو على أن تغير فيها الكثير، حيث بقيت على حالها بذات الأدوات وبذات المواد التي تؤلفها، فهي تعتمد على الطرق التقليدية في التصنيع، لذا فهي حرفة أصيلة لا تتغير بمرور الزمن.
ويوضح أن مراقبة المراحل العديدة عند التصنيع، بدءاً بالعجن، ثم التصفية لتغدو صافية من الشوائب تماماً كي نقوى على تشكيلها كما نريد، ثم نعرضها للحرارة لتجف، وكم يكون المرء سعيداً عندما يراه أمامه قوياً صلباً ذا حضور جميل، هكذا هي علاقته بالفخار.
ويشير جمال إلى أن أروع أوقاته تلك التي يقضيها أمام دولابه الدوار، ليبث الحياة بداخله بأشكال متعددة.
ويرى أن أهم ما يميز هذه الصناعة هي الدقة والبساطة والحرفية العالية في تشكيل تحفة من مادة أولية.
ورغم أهمية الفخار وقدمه، إلا أن جمال يرى أن حظ هذه المادة قليل بين المواد الخام، حيث لم تحظ بذلك الاهتمام كغيرها من المواد، لذا هجرها الكثير بحثاً عن مواد أخرى.
عدد اليوم
