السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصاد الكولومبي... رهين اتفاقية التجارة الحرة

1 يناير 2011 23:12
يُفترض بأوباما أن يقود وفداً من النقابات الأميركية ومنظمات حقوق الإنسان ويتجه إلى كولومبيا ليس من أجل السياحة والاطلاع على النمط المعماري، بل للتجول بين البيوت المؤقتة والأحياء المتسخة التي يُطلق على بعضها أسماء مبتكرة مثل بوسطن، فما سيجدونه هناك هو مئات الآلاف من اللاجئين الذين نزحوا عن ديارهم بسبب حرب الميليشيات الطويلة، وزد على ذلك ما تعرضت له البلاد مؤخراً من كوارث طبيعية كالفيضانات والانجرافات والسيول التي دفعت آلافاً أخرى من الناس إلى هجر مناطقهم بعدما قُطعت الطرق وجُرفت المنازل تحت مياه السيول، بل إن قرى بأكملها مُسحت من الخريطة بسبب الفيضانات الخطيرة التي اجتاحت البلاد. وحسب تقديرات حكومة الرئيس،"سانتوس"، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين مواطنيه، وصل عدد المهجرين إلى 2.2 مليون كولومبي إلى درجة أنه كان على الحكومة تأجيل خططها للتنمية الاقتصادية والتركيز على إغاثة المنكوبين، وهي العملية التي قد تمتد إلى أربع سنوات أخرى. وهنا يتعين على أوباما ومحيطه أن يخجلوا من أنفسهم لأن مسؤوليتهم فيما تعانيه كولومبيا واضحة لا يمكن إخفاؤها، فهم يساهمون في تعقيد الوضع الداخلي لكولومبيا من خلال عرقلتهم تمرير اتفاقية التجارة الحرة التي مضى عليها أربع سنوات، ومازالت تنتظر من يصدق عليها. والحقيقة أن السبب لا يكمن فيما يعتقده البعض قصوراً في احترام حقوق الإنسان في هذا البلد اللاتيني، بل يكمن في الصراع السياسي والأيديولوجي داخل الولايات المتحدة الذي يعطل العديد من المشاريع ومن بينها اتفاقية التجارة الحرة مع كولومبيا. فالأيديولوجية التي تحرك هذا التعطيل تنبع من الكراهية التي يشعر بها البعض في أميركا ضد أي شيء له علاقة بالتجارة الحرة، أما الصراع السياسي فهو معارضة ما جاء به الرئيس بوش الذي كان على وشك التوقيع على الاتفاقية مع نظيره الكولومبي ألفارو أوريبي، وعندما تغيرت الإدارة ومعها الطيف السياسي في واشنطن تغيرت أيضاً السياسة. والمفارقة العجيبة التي تدهش كل مراقب هي أن كولومبيا وبموجب برنامج محاربة المخدرات المشترك مع الولايات المتحدة، والذي ظل قائماً لأزيد من 19 عاماً تحظى بالفعل بمعاملة تفضيلية وتستطيع منتجاتها الوصول إلى السوق الأميركية دون مشاكل، لذا فإن الاتفاقية التجارية التي ينتظر التوقيع عليها لن تفيد كولومبيا بقدر ما ستنتفع منها الشركات الأميركية التي تسعى للاستثمار في كولومبيا ولا تستطيع في غياب اتفاقية للتجارة الحرة تؤطر عملها وتوفر لها الغطاء التشريعي والقانوني. أما ما تسعى إليه كولومبيا من وراء تمرير الاتفاقية، فهو تثبيت التفاهمات الحالية وضمان استقرارها إلى الأبد دون حاجة إلى تمديدها كلما انتهت صلاحيتها، وهو ما سيشجع المستثمرين الأجانب على القدوم إلى البلاد ومساعدتها على توفير الموارد الأساسية لإعادة إيواء أكثر من مليون نازح بسبب الحرب، أو على الأقل دفع تعويضات مناسبة لهم، هذا بالإضافة إلى مساعدة البلاد على تمويل جهازها القضائي الفعال الذي يقوم بدور حيوي في إنصاف ضحايا الحرب وصون حقوق الإنسان، ولا ننسى أن الاستثمارات التي ستتدفق على البلاد في حال التوقيع النهائي على اتفاقية التجارة الحرة ستساهم في تطوير البنية التحتية من طرق وسكك حديدية وشبكة اتصالات، فضلاً عن توفير الكهرباء التي يحتاجها الاقتصاد، فالتنمية الاقتصادية التي ترفع المستوى المعيشي للمواطنين إلى حد معقول هي أيضاً جزء من حقوق الإنسان التي تركز عليها المنظمات والهيئات الدولية. وإذا كان الشغل الشاغل لمنظمات حقوق الإنسان مثل "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة "العفو الدولية" هو حماية النقابات الكولومبية التي يتعرض أفرادها للقتل، فإن التحقيقات التي باشرها الجهاز القضائي المشهود له بالكفاءة والفاعلية، أثبتت أن أغلب تلك العمليات التي تستهدف النقابات لا تحركها دوافع سياسية، ولا تتواطأ فيها الدولة كما يعتقد البعض، بل هي نتاج انتشار الجريمة بصفة عامة وتفشي ثقافة العنف في المجتمع الكولومبي، الذي يحل خلافاته بالعنف. والحقيقة أن المنظمات الدولية بتحالفها مع النقابات الداخلية المتوجسة من التجارة الحرة ورفع القيود تكون قد ساهمت في تكريس الأزمة الاقتصادية داخل كولومبيا وحرمت البلاد من استثمارات خارجية هي في أمس الحاجة إليها للخروج من ضائقتها المالية والاهتمام بالعدد الكبير من النازحين. اللافت هو سعي إدارة أوباما إلى التنصل من مسؤوليتها بإلقاء اللوم على الكونجرس "الجمهوري"، كما تبين في تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض في 17ديسمبر الماضي عندما أرجع سبب عدم إحالة الإدارة لنص الاتفاقية إلى مجلس الشيوخ إلى "عدم توفر الأصوات الضرورية في الكونجرس". والحقيقة أن كولومبيا قامت بواجبها عندما انخرطت في حرب طويلة ضد عصابات تهريب المخدرات التي يعد الأميركيون من أهم مستهلكيها ودفعت في سبيل ذلك الكثير من أرواح أبنائها ومواردهم، كما أن الوضع السياسي اليوم في البلاد مستقر ومثالي بالنظر إلى الشعبية الكبيرة التي تحظى بها الحكومة الائتلافية، ليبقى السؤال المحوري هو: ما الذي قامت به أميركا لمساعدة كولومبيا؟ إذ كل ما أنجزه الكونجرس في الأسبوع الماضي هو تمديد المعاملة التفضيلية للمنتجات الكولومبية لستة أسابيع إضافية ليظل الاقتصاد الكولومبي مرهوناً بحالة عدم الاستقرار واللايقين. إدوارد شوماكر-ماتوس كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©