الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرض أبوظبي للكتاب في عيون المثقفين الإماراتيين

معرض أبوظبي للكتاب في عيون المثقفين الإماراتيين
26 ابريل 2013 15:06
شهيرة أحمد (أبوظبي) ـ حتماً، كانت لحظة ثقافية استثنائية، تلك التي قررت فيها أبوظبي أن تفتح روحها على المعرفة، وأن تخوض غمار بحرها المتعدد التجليات بثقة المقتدر وعزيمة المالك لزمام مستقبله.. كانت تلك لحظة فارقة من لحظات الوعي المنتبه إلى أهمية الحضور الثقافي المؤسس على المستويين؛ العربي والعالمي، وما يعنيه ذلك لدولة ناهضة تسعى الى التقدم والعصرنة بكل ما في روحها من قوة. في العمق، يتحدث منظرو الثقافة وعلماء الاجتماع والمبدعون بشكل عام عن قطيعة، وإذا ما تلطفنا في الكلام سمّيناها خصومة بين المال والثقافة، وعن مسافة واسعة يرى بعضهم أنها آخذة في الاتساع بين الاثنين، ما جعل بينهما ما صنع الحداد، على حدّ تعبير بلاغتنا العربية شفاها الله من أسقامها الكثيرة. من هنا بالضبط، يمكن للمرء أن يتحدث عن أهمية الفعل الثقافي الذي اجترحته وتجترحه أبوظبي، المدينة الذاهبة بكل ألقها إلى الحياة، فهي في ذهابها الى الثقافي بتجلياته المختلفة جسّرت الهوة العميقة بين المال والثقافة.. وربما نتفق أو نختلف حول مدى العلاقة أو شكلها بين القطبين لكن المتبصّر سيجد أن من المتفق عليه نجاح أبوظبي في أن تجعل بين المال والثقافة ما صنع الألق، وما يحتفي بالروح، بالحياة التي تخرج من ربقة المادي وجفافه إلى فضاءات الثقافي وثرائه.. والحال، يحق لأبوظبي أن تبحث عن الثراء الثقافي بعد أن وهبها الله الثراء المادي، ويحق لها أيضاً أن تفخر بتجربتها، التي أنجزتها بضربة تدبّر حاذقة، تجمع بين الحداثة والأصالة، وتقبض على الماضي بقوة في الوقت الذي ترنو فيه الى المستقبل بالقوة ذاتها. واليوم، تفتح المدينة روحها على اتساعها للمعرفة، ممثلة هذه المرة بالكتاب الذي منه بدأت الحضارة وسوف تستمر إلى ما شاء الله.. كما تفتح فضاءها الروحي لأكثر من 200 ألف زائر تتوقع أن يرتادوا معرض الكتاب في دورته الثالثة والعشرين. ولمعرض الكتاب في قلوب المثقفين مباهج عديدة، وله في ذواكرهم مشاهد متنوعة، وشغف لا يخلق على كثرة الرد، رصدنا هنا بعض تفاصيله في شهاداتهم. ورطة جميلة حين سألت الكاتبة والقاصة فاطمة حمد المزروعي عن معرض الكتاب وحضوره في ذاكرتها وفي الحياة الثقافية ردّت بكل عفوية وتلقائية: هذا أصعب سؤال يمكن أن توجهيه لي. ولما استفسرتُ عن السبب قالت: لأنني متورطة به، وعندما تكونين متورطة في حب شيء لا تستطيعين الحديث عنه أو الكتابة حوله، ويصعب أن تصفي حضوره في ذاتك.. مع ذلك، تلتقط فاطمة من ألق الكلمات ما يعينها على وصف فعل المعرض في وعيها لتؤكد أن المعرض “عرس أو فرح يتجدد كل عام”، ثم لتعود الى علاقتها الحميمة مع المعرض التي بدأت منذ كان يقام في المجمع الثقافي. “تابعته طوال تلك السنوات”، تقول فاطمة، ثم تضيف: “لقد كبرنا معاً”. وبالنسبة إلى فاطمة المزروعي لا يقتصر تميز معرض الكتاب على ما يحويه من الكتب والذخائر الفكرية والإبداعية، بل ينطبق ايضاً على “برنامجه الذي ينظمه والفعاليات الكبرى التي تتزامن معه مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب والمؤتمر الثاني للترجمة، ناهيك عن الحوارات والندوات وركن الرسامين ومجلس كتاب، واستقطابه لأهم الكتاب العالميين متيحاً لنا الفرصة للتعرف إليهم واللقاء بهم”. وترى صاحبة “نهار الظباء” أن المعرض يحرص في كل دوره على أن يقدم شيئاً جديداً ومتميزاً، وتثمن دوره في العناية بالنشر والناشرين وحقوق الملكية الفكرية وسواها.. أما زيارات المدارس فهي من أبرز جماليات المعرض، وهنا تشير فاطمة الى مبادرة مجلس أبوظبي للتعليم “أبوظبي تقرأ” معلقة: “و الجميل أنها جاءت قبل المعرض”. ويبدو أن حب الكتاب والمعرض لم يقتصر على فاطمة بل انتقلت هذه “العدوى الجميلة” إلى أبنائها الذين يحبون المعرض ويحرصون على زيارته مرات متعددة، مشاركين في أنشطته، باحثين عن متعتهم المعرفية في كتبه وبين رفوفه. لا يحتفي المركز الوطني للوثائق والبحوث الذي يشارك في الدورة الـ 23 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب بالصداقة الأسطورية بين الهند والإمارات فقط، وإنما يتسع احتفاءه ليشمل الصداقة الوطيدة التي تربط بين المركز و معرض الكتاب الذي يرى فيه الدكتور عبد الله الريس مدير عام المركز “تظاهرة ثقافية سنوية كبرى، تسهم في نشر رسالة المركز، وإبراز أهدافه النبيلة في خدمة تاريخ الوطن وتراثه، وتتيح فرصة التواصل مع جمهور المثقفين والباحثين والقراء”. ويؤكد الريس أن “المركز الوطني للوثائق والبحوث بمشاركته في المعرض يسهم في تعميق الوعي بدوره الاجتماعي وتعريف الجيل الجديد بالإرث الحضاري والثقافي، وتعزيز الإحساس بالهوية الوطنية، وانطلاقاً من أهدافه هذه فهو يعمل على أن تكون إصداراته ثرية وعلى مستوى الطموح، فيقدم للباحثين والمستفيدين كتباً توثيقية تمتاز بمادتها التاريخية والتراثية القيّمة والفريدة والمميزة، ويعمل المركز على تقديم الجديد في هذا المعرض كل عام ليعزز الحراك الثقافي الذي تمتاز به دولة الإمارات”. علامة ونافذة يصف محمد مانع المنصوري مدير ادارة الثقافة والاعلام بالانابة في مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، معرض أبوظبي الدولي للكتاب بأنه “علامة مضيئة وبالغة الأهمية في الساحة الثقافية المحلية والعربية نظراً لما يستقطبه كل عام من رموز للثقافة والفكر، وما يحتضنه من فعاليات وأنشطة ثقافية متخصصة”. ويرى أن المعرض “يعتبر واحداً من أبرز معارض الكتب في العالم، سواء بحجم المشاركات او الزوار، كما انه يعبر بجلاء عمّا تشهده العاصمة أبوظبي من حراك ثقافي يجسد بوضوح مكانتها على الساحتين العالمية والإقليمية، بوصفها منارة للإشعاع الثقافي، ومنصة للحوار الحضاري”. ويؤكد المنصوري أن المعرض “يشكل نافذة كبيرة للاطلاع على أحدث الأعمال الإبداعية وخلاصة الفكر الإنساني، كما انه يشكل إضافة نوعية على مستوى الثقافة المحلية وأصبح حدثاً ثقافياً وفكرياً موسمياً بارزاً يترقبه المثقفون من الإمارات والعالم بكل شوق”، مشيراً إلى أن “البرنامج الحافل الذي أعلنت عنه إدارة معرض معرض ابوظبي للكتاب في دورته الـ 23 يعطي صورة واضحة عن مدى تقدم المعرض وفتحه فضاءات رحبة أمام المثقف في تفاعله وتواصله مع المثقفين والمشاركين في هذه الدورة”. ثمار المعرفة يرى الكاتب والقاص حارب الظاهري أن معرض ابوظبي الدولي للكتاب “علامة بارزة ليس على مستوى الدولة وحسب وإنما على صعيد الخليج العربي؛ حيث تحرص شريحة كبيرة من الكتاب والأدباء العرب على الحضور والتفاعل مع الأنشطة المختصة التي ينظمها القائمون على المعرض، فضلاً عن كونه مناسبة جميلة للإطلاع على ثمار المعرفة في شتى المجالات”. ويلفت الظاهري إلى أن البرامج المصاحبة للمعرض “تتميز بالتنوع، وتخاطب شرائح مجتمعية مختلفة ما يعني امتداد الفعل الثقافي إلى مساحات أوسع وأكثر رحابة”. ويجد الظاهري أن الأنشطة التي تقام في المعرض “تثري الفكر وتجدد الأفق الثقافي لدى رواد المعرض، ذلك أن سمات المعرض البارزة في دوراته المختلفة حرصه على عرض آخر الإصدارات الإبداعية والفكرية وإتاحتها للقارئ”. وينتظر حارب الظاهري معرض الكتاب بشوق ليقتني منه زاده الفكري، فهناك “الكثر من الكتب التي قرأ المرء عنها تقارير ثقافية أو قراءات نقدية وحان قطافها من خلال المعرض”. حضور الآخر مع الشاعر والمترجم الدكتور شهاب غانم تنفتح سيرة الترجمة التي يوليها معرض أبوظبي الدولي للكتاب عناية خاصة، وهي عناية تجد ترحيباً لدى المثقفين والمترجمين لكونها تؤسس لحركة ترجمة نشطة تتنافذ مع الآخر وتتصل بعلائق إبداعية مع الحضارات والثقافات الأخرى. يقول الدكتور شهاب غانم: “لا شك في أن معرض كتاب أبوظبي من أفضل معارض الكتب في العالم خصوصاً بعد أن انتقل إلى مقره الحالي. فهو يستقطب المثقفين والقراء والطلبة من الإمارات ومن خارج الإمارات. كما تصاحب المعرض أنشطة ثقافية كالمحاضرات والأمسيات الشعرية (وندوات الترجمة لمشروع “كلمة”) والنشاطات المتعلقة بالأطفال التي تجذب الكبار والصغار”. ويضيف غانم: “خلال السنوات الماضية شاركت في كثير من دورات المعرض عبر حفلات توقيع لكتبي الجديدة، كما أحييت أمسيات شعرية واشتركت في ندوات ترجمة، وقدمت بعض كبار الشعراء الأجانب من خلال ترجمات عربية لقصائدهم أمثال: رام كريشنا وساتشيدنندان الذي أصبح مرشحاً بعد ذلك لجائزة نوبل”. عيد للمثقفين “معارض الكتب هي عيد للمثقف”، هكذا بدأ أحمد العسم حديثه عن المعرض ليوضح: “معرض الكتاب مكان للقاء مع الآخرين، كتاباً ومبدعين وجمهور. وفي كل جولة يقوم بها المرء فيه يكتشف جديداً ما. بالنسبة لي كمثقف وكاتب ابحث عما يعطيني شكلاً جديداً للجنس الأدبي الذي أتعاطى معه”. والمعرض بالنسبة لأحمد العسم سبب للسعادة لأنه “يوفر لي زاداً فكرياً أغتني به ويستمر معي طوال العام. وكم أشعر بالسعادة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وأظن أن واحدة من جمالياته الكثيرة أنه يوجه الدعوات للمثقفين الإماراتيين من جهة ولمثقفين وكتاب ومبدعين عرب وعالميين يتعرفون إلينا ويطلعون على تجربتنا، ونحن بدورنا نتعرف إلى تجاربهم عن قرب ونلتقي بهم، وهو الأمر الذي لم يكن يتم في السابق”. ويتابع أحمد: “بمقدار فرحي ببحثي عن الجديد في المعرض أبحث عن الكاتب الذي أقرأ له، وأستمتع بالندوات والحوارات وما يطرح فيها من أفكار وآراء”. ولا ينسى أحمد أن يشكر القائمين على المعرض “لما يبدونه تجاهنا، نحن المثقفين، من حفاوة”، منوهاً إلى أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب “حدث ثقافي كبير أحرص على متابتعته وأترقب مجيئه في كل عام”. سفينة الثقافة ترسو سفينة الثقافة على شواطئ معرض الكتاب الذي ترى فيها الكاتبة مريم الرميثي “ميناء يحتضن الكاتب والقارئ والناشر والكتاب الذين يؤمونه من مختلف دول العالم”. وتؤكد الرميثي أن المعرض في كل عام “يزخر بالمزيد والجديد والأكثر غنى”، منوهة إلى أن واحدة من أبرز جمالياته تتمثل في “استضافته للأدباء والمفكرين في حلقات النقاش”. وتعتقد الرميثي أن “منظومة المعرض تمثل حراكاً ثقافياً يستقطت كل عام أعداداً متزايدة، ما جعله محط أنظار دور النشر المحلية والعربية والعالمية ورواد القطاع الأدبي الذين يحرصون على حجز منصة بالمعرض، ومن شأن ذلك أن يعزز حضور الثقافة ويؤشر على أهميتها”. لكل روح طريقتها في ارتشاف الجمال، ولكل روح سبيلها إلى المتعة؛ وللكاتب والمخرج المسرحي والسينمائي صالح كرامة مع معرض الكتاب حكاية طويلة، محطاتها متواترة، لكنها تظل معلقة هناك في سقف الثمانينات والتسعينات من القرن الذي مضى.. هناك، في الذاكرة الأولى يستعيد صالح كرامة الأثر والدور الذي مارسه معرض أبوظبي الدولي للكتاب.. يحكي عن الحميمية التي كانت تجمع بين المثقفين، عن الجدل والحوار والنقاش والصخب المعرفي الذي كان في بعض الأوقات أهم من المعرض ذاته.. يحكي عن غياب للألفة، وعن خلل في المخيلة، وعن أعراض ثقافية تجعله يقف مرتاباً تجاه ما يحدث على الساحة الثقافية. ويفتقد كرامة المقهى الثقافي الذي لطالما “كان واحة للمبدعين يلتقون في ظلاله، يتبادلون الكتب والإصدارات، يتعرفون، يتشاجرون، يتفقون ويختلفون، ثم يمضي كل منهم إلى مكانه حاملاً الكثير من الألق الداخلي والمعرفة الفكرية”. مع تطور الحياة واتساع رقعة العمل الثقافي، خرج معرض أبوظبي الدولي من مكانه القديم، ذي الحميمية الخاصة إلى مكانه الجديد، فاتحاً بذلك نافذة أوسع على الثقافة في تجلياتها الأخرى، مغادراً فكرته ورؤيته الأولى إلى رؤى أخرى تتواشج مع العصر ومعطياته. بعض الأرواح تألف الأمكنة وتخلص في ألفتها لها، حدث هذا مع صالح كرامة الذي يرتاد معرض الكتاب ويقتني منه ما يحتاج إليه من الكتب، وربما يرى صديقاً هنا أو نشاطاً هناك، لكن في آخر الروح ثمة وهج غائب لا يمنع صالح كرامة من القول بأن معرض الكتاب “ظاهرة صحية، تمارس فعلها في المكان والناس”. مع حديث كرامة، تحركت مفاتن الذاكرة العتيقة.. شعرت أننا كلنا متورطون بشكل ما في حب الكتاب، أياً كان المكان الذي يعرض فيه.. يكفي أن يحضر الكتاب لكي تحضر وجوه كثيرة عرفناها، بعضها غاب وبعضها ما زال ينتظر عودة المعرض لكي يبحث عن أصدقاء الدرب الذين توزعوا في الجهات.. يكفي أن يحضر الكتاب لكي تصبح المدينة أكثر دفئاً وحميمية، ولكي تصبح سماءها أشد صفاء وزرقة، ولكي تنحسر غمامة الرتابة عن الأرواح التي أضناها البحث عن الحقيقي والجوهري في الوجود. يكفي أن يحضر الكتاب لكي يرتفع في الأفق منسوب الغبطة، وتكرج يمامات الإبداع بين الأروقة مغادرة كتب الشعراء وروايات الروائيين، وتنتصب الروح على قدميها نافضة عنها كآبات كثيرة ليس هنا مقام الحديث عنها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©