الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمل الإنساني وآفة الأجندة العسكرية

العمل الإنساني وآفة الأجندة العسكرية
1 أكتوبر 2008 21:45
ربما ألحقت السفن الحربية الأميركية التي أبحرت في مياه البحر الأسود مؤخراً، وهي تحمل المؤن والمساعدات الإنسانية لمنكوبي جورجيا المتضررين من المواجهات المسلحة، التي جرت الشهر الماضي بين موسكو وبلادهم، الضرر بهؤلاء الذين قصدت الولايات المتحدة مساعدتهم أكثر من أن تقدم لهم يد العون، بسبب الضرر الذي لحق بالعمل الإنساني المحمول على متن السفن الحربية؛ وبوجه عام تثير هذه المساعدات الإنسانية ذات الطابع العسكري التي قدمتها أميركا مؤخراً لجورجيا، قلق الكثير من منظمات العمل الإنساني، بسبب التزايد الملحوظ لمثل هذا النشاط، ليس في جورجيا وحدها، وإنما على امتداد العالم كله تقريباً! ذلك أن أحد أهم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العمل الغوثي الإنساني، هو أن يهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانيـــة للمنكوبين دونما اعتبار للعرق أو الدين أو جنسية أولئك الذين يتجه إليهم العمل الإنساني؛ وضمن هذا المبدأ فإن المؤكد ضرورة خلو هذا العمل من أي نوايا استراتيجية عسكرية؛ ولكي لا نغالي في الأمر، فربما تستدعي الضرورة في كثير من الأحيان، التعاون مع المؤسسات العسكرية لتحقيق هذه الأهداف الإنسانية· ففي أعقاب موجة ''التسونامي'' المدمرة التي ضربت أجزاء واسعة من السواحل الآسيوية في عام ،2004 وكذلك على إثر الهزات الأرضية المروعة التي ضربت إقليم كشمير الباكستاني في عــــام 2005 كثيراً ما كان الجيش الأميركي المؤسسة الوحيدة القادرة على توفير الطاقم البشري والمساعدات اللوجستية اللازمة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين؛ والمسألة في مثل هذه الحالات ليست مسألة جهوية بأية حال، لأن الجميع يهدف إلى تقديم يد العون للمتضررين والمنكوبين· يمكن القول إذاً إن المساعدات العسكرية مرحب بها في التصدي لأزمات الكوارث الطبيعية، وتشكر المؤسسات الحربية على مساعدتها في العمل الإنساني في مثل هذه الحالات؛ غير أن هذا الأمر لا ينطبق على الكارثة الإنسانية التي مرت بها جورجيا مؤخراً؛ والفارق بين الحالتين السابقتين والحالة الجورجية، هي أن الكارثة الأخيرة لم تنجم عن أسباب طبيعية، إضافة إلى أن الولايات المتحدة أعلنت بوضوح وقوفها إلى جانب جورجيا وليس روسيا، والأقرب في الحالة الأخيرة اختلاط أوراق العمل الغوثي الإنساني بالأجندة العسكرية الاستراتيجية، وعليه فقد اختلط الوجه الغوثي الإنساني للمهمة الأميركية الأخيرة بطابعها العسكري· ولكــن علينـــا أن نتساءل: لماذا يثير هـــــذا الخلط بين العمل العسكري والإنساني قلق المنظمات الغوثية مثل ''منظمة الغوث الكاثوليكي'' طالما أن مساعدات الغذاء والدواء والإيواء تجد طريقها للمنكوبين والمتضررين في نهاية الأمر؟ فهل يهم كثيراً الوقـــوف على من يقوم بتوفير هذه المساعدات·· وبأي وسيلة كانت؟ والإجابة الواضحة والمباشرة هي، إن لهذا القلق مبرراته الموضوعية، طالما أنه يستحيل على منظمـــــات العمــــل الإنساني أن تؤدي واجبها الغوثي على أكمل وجه ممكن، إن كانت تنحــــاز إلى هــــذا الطرف أو ذاك من أطراف النزاع المفضي إلى الكوارث التي يتسبب فيها الإنسان، أو حتى إن كانت تعلن انحيازها لمتضررين ضد آخرين هم ضحايا الكارثة الطبيعية نفسها، وهنا يلزم التأكيد تــــارة أخرى على دوافــــع ومبادئ تقديم الغوث الإنساني للمتضررين، فلا دوافــــع البتة سوى الدوافــــع الإنسانية نفسها؛ ومتى ما تم انتهاك هذا المبدأ وتحول هدف العمل الإنساني إلى فرض نوع من السيطرة على حكومة دولة ما، أو التأثير على طرف من أطراف النزاع فيها، حتى ينتقــــل هدف العمل الغوثي من مد يد العـــــون لمتضرري ومنكوبي النزاع، إلى إذكاء نيران النزاع وزيـــــادة الأوضــــاع التي أدت إليــــه بلبلة واضطراباً؛ وبالنتيجــــة يكون العمــــل الغوثي قد أسهم في تفاقم الكارثة وتوسيع نطاقها، بدلاً من مساعدة ضحاياها؛ ومتى ما أصبح عمال الغوث طرفاً منحازاً في نزاع داخلي ما، فإنهم بذلك يكونون عرضة وهدفاً مشروعاً للطرف الآخر الذي أعلنوا انحيازهم ضده· يضاف إلى هذا، أن العمل الغوثي القائم على أساس عسكــــــري، غالبــــاً ما يعجز عن تلبية الحاجات الإنسانية للمتضررين على الأرض، بحكم الطبيعة المزدوجة والمشوشـــــة التي ينطــــوي عليها؛ هذا وقد تعلمت ''منظمــــة الغوث الكاثوليكي'' من خلال التجربة العملية أن أفضل برامج الغوث الإنساني وأكثرها كفــــاءة، هي تلك التي تصمم محلياً ويشارك فيها المجتمع المحلي المعني بهذه البرامج؛ ولمشاركة المجتمع المحلي هذه أهمية كبيرة لضمان استمرار العون الغوثي وتلبيته للأهداف المرجوة منه، يجدر القول أيضاً إنه ليس من اختصاص الجيش تصميم البرامج الغوثية وتنفيذها في المناطق التي تنشأ فيها الحاجة لمثل هذه البرامج عادة، لأنها ليست من طبيعة مهام الجيش أصلاً· وإذا ما تحدثنا هنا في حدود علاقة الحكومة الأميركية بهذه الجهود الإنسانية، فإن من الواجب على وزارة الخارجية و''الوكالة الأميركية للتنميــــة العالمية'' أن تسلطا جهودهما على مسؤوليتهما الرئيسية، المتمثلة في الاستجابة الفعالة للكوارث الإنسانية الناشئة عن فعل الطبيعة والإنسان معاً، على أن هذا لا يمنع بل يستوجب دعم الجيش لهذا العمل المدني، ولكن شريطة ألا يكون الجيش القوة الدافعة الرئيسية التي تقف وراءه، مثلما هو حادث الآن في أنحاء شتى من العالم· كين هاكيت رئيس خدمات الغوث الكاثوليكي ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©