الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان والأدب «22»

علم البيان والأدب «22»
28 أغسطس 2016 22:32
بتأثير كتاب «البيان والتبيين» للجاحظ، ألف أبو الحسين بن إسحاق بن إبراهيم وهب كتابه المسمى «البرهان في وجوه البيان»، فإذا كان الجاحظ قد أحصى أصناف الدلالات وحصرها في خمس دلالات هي اللفظ، والإشارة والخط، والعقد، والنصبة، فإن صاحب «البرهان» يجعل وجوه البيان أربعة: «1» بيان الاعتبار: وهو بيان الأشياء بذواتها، وإن لم تبن بلغاتها: فالأشياء تبين للناظر المتوسم والعاقل المتبين بذواتها، فالأشياء وإن كانت صامتة في أنفسها فهي ناطقة بظواهر أحوالها، وعلى هذا النحو استنطقت العرب الربع، وخاطبت الكلل، ونطقت عنه بالجواب، على سبيل الاستعارات في الخطاب. «2» بيان الاعتقاد: وهو البيان الذي يحصل في القلب عند إعمال الفكرة واللب وهو نتيجة البيان الأول، لأنه إذا حصل للإنسان صار عالماً بمعاني الأشياء، وكان ما يعتقد من ذلك بياناً ثانياً غير البيان الأول، وخص باسم «الاعتقاد». «3» بيان العبارة: وهو نطق باللسان، لأن بيان القلب أو الاعتقاد يحصل في نفس المعتقد، ولا يتجاوزه إلى غيره. «4» البيان بالكتاب: الذي يبلغ من بعد أو غاب، لأن بيان اللسان مقصور على الشاهد دون الغائب، وعلى الحاضر دون العابر. إن ابن وهب لا يبعد عن الجاحظ في بيان هذه الدلالات أو إحصاء وجوه البيان، فإن النصبة عند الجاحظ هي «بيان الاعتبار» عند ابن وهب، ويمكن أن يدخل فيها أيضاً «بيان الاعتقاد» لأنه ثمرة «بيان الاعتبار» ونتيجته القلب. وكذلك دلالة اللفظ عند الجاحظ هي البيان الثالث هنا «بيان العبارة الذي هو نطق باللسان، ودلالة الخط هي البيان الرابع «بيان الكتاب». ولم يذكر صاحب «البرهان» دلالتين هما الإشارة والعقد ولكنه مثل للإشارة بقوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، «سورة مريم: الآية 11»، وجعلها وجهاً من وجوه «الوحي» من بيان العبارة، والذي عرفه بأنه الإبانة عما في النفس بغير المشافهة على أي معنى وقعت من إيماء، ورسالة، وإشارة ومكاتبة. وأما العقد أو الحساب، فقد ذكره عرضاً في باب القياس. لقد درس صاحب «البرهان» كتاب «البيان» دراسة مستوعبة عميقة، واهتدى بعد هذه الدراسة العميقة المستوعبة، إلى ما حوى الكتاب من دقائق البحث في أصول البيان بعامة والأدب بخاصة. لم يكتف ابن وهب بتتبع آثار ما كتب الجاحظ، ولكنه عالجه بتوجيه نقد في بعض ما ذهب إليه، كإشاراته إلى أن الناس ذكروا البلاغة ووصفوها بأوصاف لم تشتمل على حدها، وذكر الجاحظ كثيراً مما وصفت به، وكل وصف منها يقصر على الإحاطة بحدها، قال: وحدها عندنا أنها «القول المحيط بالمعنى المقصود مع اختيار الكلام وحسن النظام، وفصاحة اللسان». ومؤلف هذا الكتاب عالم، جمع إلى علمه بالأدب وروايته علمه بالتأويل، وبالفقه وأصول التشريع والمنطق والفلسفة اليونانية، فعقليته عقلية علمية فلسفية، أما الجاحظ فإن الناحية الأدبية هي أبرز ما يلحظ في كتابته، ويغلب على تأليفه. إياد الفاتح
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©