الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هَنِيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ

هَنِيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ
1 أكتوبر 2008 21:59
سُمِي العِيدُ عِيْداً لأنّهُ يَعُودُ كلّ سنةٍ بفَرَحٍ مُجَدَّدٍ· والأعيادُ الإسلاميّة التي وردت بها الشريعة السَمحاء اثنان: عِيْدُ الفطرِ، وعِيْدُ الأضحى· وهناك أعيادٌ أخرى جليلة القدرِ· و قد قال الرسول صلى الله علبه وسلم كما في قصة الجاريتين اللتين كانتا تُغنيان عند النبيّ صلى الله عليه وسلم: ''دعهُما فإنّ لكل قوم عيداً وهذا عيدنا'' رواه الإمام البخاري وعن عقبة بن عامر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''يوم عرفة وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام''· للمُسلمين في كُلٍ مِن هذهِ الأعياد، رُسُوم وقواعد يَبْذِلُونَ فيها الأموال، ويُوزِّعُونَ الصدقات، ويَهدُونَ الهَدايا الوافرة· وقد كانَ الاحتفالُ بالعِيْدَيْنِ الكَبِيْرَيْنِ، في العصور الإسلاميّة السَالفة، على جانبٍ كبيرٍ مِنِ الرّوعةِ والأُبَّهَة في ديارِ المَشرقِ، ولا سيما في العراق والحجاز والشام ومِصْرَ· السُفُنِ في دجلة كانت دار الخلافة العباسيّة ببغداد السلام أيام الخلافة العباسيّة تظهرُ بأبْهَى زِينة وأكمل عُدّة في أيام الأعياد· ويشيرُ المرحوم ميخائيل عوّاد في كتابه المَاتع: ''صُور مُشرقة من حضارة بغداد في العصر العباسيّ'' إلى: أنّ العاصمة بغداد كانت تُفْرَش بالفُروشِ الجميلةِ، وتُزَيَّنُ بالآلاتِ الجليلةِ، ويتمّ ترتيب الحُجَّاب وخلفائِهِم، والحَواشِي على طبقاتِهِم، على أبوابِها، وفي دَهاليزِهَا، ومَمَرَّاتِها ومُخترقَاتِهَا، وصُحونِها ومجالِسِهَا· ويَقِفُ الجُنْد على اختلافِ أجيالِهِم صَفَّيْنِ بالثيابِ الحَسَنةِ، وتحتهُم الخيل بالمراكبِ - السَرْجِ - الذهَب والفضّة، وقد اظهرُوا العُدَد والأسلحة الكثيرة· بينما كان نهر دجلة في بغداد يمتلأ بضروبِ السُفن والمَرَاكب المعروفة أيام العباسيين في عاصمة الخلافة بغداد، كالشَبَّاراتِ، والزَبَازِبِ، والزَلاّلاتِ، والسُمَيْرِيَّاتِ، والطَيَّاراتِ، والشَذّءاتِ، كلّها بأفضل زينةٍ وعلى أحسنِ تعبئةٍ، مملوءةٍ بالنّاسِ، تروح وتجِيء بِهِم· ومن صور العيد عند العباسيين أنّه كان مِن عادة الوزير في صدر الدولة ببغداد، أن يُغَلَّس في الركوبِ إلى المًصَلَّى في أيام الأعيادِ، ليكونَ بين يَدَيّ الخليفة، ثم يعودُ الموكب إلى دارِ الخلافةِ· قَرْع الطبول وكان النّاسُ يحتفلون برؤية هلال شهر شوال، وهي مِن المُناسبات التي تسرّ النفوس وتَقْرَع فيها الطبول احتفالاً بليلة العيد، ثم يتبادلون التهاني بحلول الشهر، ويُخرجُونَ مِن أموالهِم صدقاتٍ ويُقيمون المآدب، ويهيؤونَ نفقات خاصّة بالعيد لعائلاتِهِم· وفي أول أيام العيد يخرجُ النّاس إلى المُصلّى في باب الشماسية في بغداد السلام، حيث يُؤدي الخليفة العباسي والوزير وكبار رجال الدولة صلاة العيد· وقد وصف لنا هلال الصابي هذه المناسبة، ومِن طريف ما يروي هلال الصابي في ''رسوم دار الخلافة'' بشأنِ الأعيادِ ببغداد في تلك العصور المُزدهرةِ بأنّ الوزير علي بن عيسى ذَكَرَ في العملِ - الميزانية - الذي عَمَلَهُ لارتفاع المملكةِ في سنة ستٍّ وثلاثمائة للهجرة، أنّ النفقات التي تُطلَق على سِماطي العيْدَيْنِ، وثمن الأضاحي، والثلج، وما يُطلَق لصاحبِ الشرطة لحَمْلِ الأعلامِ في العيْدَيْنِ، ويخرج النّاس لرؤية الموكب والعسكر، ثم ينصرف الخليفة إلى القصر فيجلس لتقبل التهاني، وبعدها تُوضع المآدب وتُوزع الهدايا، فيما ينصرفُ العامة لتبادل زياراتِ التهاني بالعيدِ، وقد لَبِسُوا ثياباً جديدةً لهذهِ المناسبة· وأِشارَ الصابي بأنّ مجموع ثَمَن الاحتفالات بالعيد يبلغُ نحو اثنين وأربعين ألف دينارٍ في السنّة· والعيد في لغتنا العربية السمحاء مأخوذ من العَوْدة، فهو مُناسبة، وهي تعود مرّة بعد أخرى، وسنة بعد سنة· فالعيد ''ما يعتادُ مِن شوقٍ وهمٍّ وفرحٍ وغير ذلك''· قال أحد الشعراء: ''والقلبُ يعتادُهُ مِن حُبِّها عِيْدُ'' وقال شاعر آخر في ذات المعنى: يا عِيْدُ مالَكَ مِن شوقٍ وإبرَاقِ ومرَّ طيفٍ على الأهوالٍ طَرَّاقِ العيدية يقول الدكتور محمّد رضوان الداية عن العيد: من هنا قال العربُ: العيدُ: كلّ يوم فيه جَمْعٌ ''أي اجتماع ولقاء···''· واستعمل العربُ فعل ''عيَّد'' لمعنى شَهِدَ العيد· وصار اسم العيد، كما قال ابن الأعرابي، يدلُ على عَوْدِةِ كلِّ سنّة بفرحٍ مُجدِّد، وغلب هذا الاستعمالُ على سائر معاني ''العيد''· ويضيف الداية قائلاً: ومِن باب الإنفاقِ في العيد السعيد، وإدخال السرور على قلوب الأطفال والفتيانِ عُرِفَت ''العيديّة''، وينطقُ بها في بعض البلاد العربيّة باسم ''العطيّة'' وهي مبالغ مِن المال يُعطى لهم لكي ينفقوه في فرحهم وسرورهِم بين أشياء يلعبون بها وأخرى يأكلونها، وأشياء يقتنونها فتكون تذكاراً لهذه المناسبة السعيدةِ· والعيديّة عُرْفٌ اجتماعي، موصولٌ بمعاني العيد الدينيّة يُعطى عن محبةٍ، وطيبِ خاطرٍ، ورغبةٍ في زيادةِ التأنيسِ، وإدخال الفرحةِ على القلوبِ والنفوس· ولهم في ذلك عادات متداولة، فالعطاءُ مِن الأبِ والأمِ والجدّ والجدّة، والعمّ والعمّة، والخال والخالة والأخ الكبير والأخت الكبيرة، وقد يجيء مِن غيرهم أيضاً، ونُخرِج مِن العيديّة لهذا المعنى المادي المعروف إلى عيديّاتٍ أخرى· ديوان العرب ضمّ ديوان العرب قصائد وافرة دبجّها الشعراء العرب في ممدوحيهِم للتهنئة بالعيد أو التهنئة بنصر مُبين· فهذا الشاعر المتنبي الذي مدح سيف الدولة الحمداني في قصيدة له مِن قصائده التي اشتهرت باسم ''العيديّات'' يقول فيها: هنيئاً لكَ العيد الذي أنت عيدُهُ وعيدٌ لِمن صلّى وضحّى وعيّدا وقال الشاعر الأندلسي ابن زيدون: خليليَّ لا فِطْرٌ يَسُرُّ ولا أضحَى فما حالُ مَن أمْسَى مَشُوقاً كما أضحَى؟ أما الشاعر أشجع السُّلَمي، فقد أنشد في مجلس الخليفة العباسيّ هارون الرشيد في غزوة له في أرض الروم، وبعد قدومهِ لمدينة الرقّة بالشام في شهر رمضان وجاء عيد الفطر استقبل مُهنئيه، فتقدم السُّلَمي قائلاً: لا زِلْتَ تَنْشُرُ أعياداً وتَطوِيْها تَمْضِي لها بِكَ أيّامٌ وتُمْيْهَا ولانقضت بِكَ الدّنيا ولا بَرِحَتْ يَطوِي بِكَ الدّهرُ أيّاماً وتَطْوِيْها لِيَهنَكَ الفَتْحُ والأيّامُ مُقْبِلَةٌ إليْكَ بالنّصْرِ مَعقودَاً نَواصِيْها كما قال الشعر السريّ الرّفاء في هلال شهر شوال: قَدْ جاءَكَ شهرُ السرورِ شوالُ وغالَ شهرُ الصيامِ مُغتَالُ أما رأيتَ الهلال يرمُقُهُ قومٌ لَهُم إنْ رأوهُ إهْلالُ كأنّهُ قَيْدُ فضّةٍ جُرح فضَّ عَنِ الصّائمينَ فاختالُوا كعك ''أفطِن لهُ''! لعلّ ما نلحظه في أيام العيد انّكَ لا تدخل بيتاً لتهنئة أهلِهِ بيوم العيدِ إلاّ وقدموا لك أطباق الكعكِ والمعمول والحلويات· ويروي علي الجندي في كتابه ''قُرّة العين في رمضان والعيدين'' بأنّ: ''قدماء المصريين كانُوا يضعونه - الكعك - في قبورِ موتاهُم اعتقاداً منهم بالحياة الأخرى وأحسنُوا بهِ على الفقراء كما قيل أنّهم كانُوا ينقشونَ عليهِ صورة الشّمس التي كانُوا يعبدونها''· ويؤثر عن أبي بكر بن محمّد بن علي المادارائي وزير الدولة الإخشيدية في مصر أنّهُ صنع كعكاً حشَّاهُ بالدنانير الذهبيّة أطلقُوا عليهِ وقتئذٍ ''أفطن له''· كذلك دخل الكعك في عهد الفاطميين ضمن مباهِج العيد ومُستلزماته وتناول المماليك والعثمانيون بعدهم صناعة الكعك بالإتقان· ثم أصبحت صناعة كعك العيد عادة تتوارثها الأجيال وكثيراً ما قامت مِن أجل الكعك المعارك والمُنازعات في البيوت حتّى أنّها كانت تتطوّر في كثيرٍ من الأحيانِ إلى الطلاق· وكَم مِنَ السيّداتِ باعت حُلِيّها الذهبيّة مِن أجل الكعك حتّى لا يُعايِرِهِنّ الجيران· البوصيري: أقبلَ العيدُ ولقد أصبح كعك العيد مادة دسمة ألهمت الشعراء والكُتّاب بِما اشتهر على الألسنةِ في المحافل والمجالس الأدبيّة خاصّة أنّهم مزجُوا أقوالهم بالفُكاهةِ فالشعرُ قديمه وحديثه لم يخل مِن حديث كعك العيد· فهذا الإمام البوصيري صاحب قصيدة ''البُردَة'' قد شكا فيها حاله في قصيدةٍ رفعها إلى الوزير ''بهاء الدين'' قائلاً: إليك ''يا سيّدي'' حالنَا إننا عائلة في غاية الكَثْرَه صامُوا معَ النّاسِ ولكنّهُم كانُوا لِمَن يبصرَهُم عِبْرَه أقبلَ العيدُ وما عندَهُم قمْحٌ ولا خبزٌ ولا فِطْرَه ارحمهم إن أبصَرُوا كعكةً في يدِّ طفلٍ أو رأوا تَمْرَه!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©