الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا لاتوجد كاتبات محترفات للمسرح الإماراتي؟

لماذا لاتوجد كاتبات محترفات للمسرح الإماراتي؟
1 أكتوبر 2008 22:01
لا أحد يستطيع أن ينكر القفزة النوعية للمسرح في الإمارات خلال السنوات الخمس الأخيرة، سواء على مستوى نشاط الفرق المسرحية والمهرجانات وتطور أيام الشارقة المسرحية، وظهور جيل جديد من المخرجين والممثلين والكتاب والعاملين في حقل لواحق العرض المسرحي، وفي ذات الوقت لا يستطيع أحد القفز على جملة من ''الإشكاليات'' التي تعاني منها حركتنا المسرحية، وأهمها ما يتعلق بالنص وندرة الكاتبات للمسرح، وهي في الواقع إشكالية تحضر بقوة على خريطة أبو الفنون الذي يعاني أيضا من ندرة في عدد الممثلات المحترفات المتواصلات بلا انقطاع مع مهنة التمثيل، حيث لاحظنا أن هناك انزياحا للممثلات عن التواصل مع المسرح لأسباب كثيرة· يذكر الدكتور يوسف عيدابي في كتابه ''النص المسرحي في الإمارات'' أنه لم تظهر في الدولة مسابقات تدعو لكتابة النصوص المسرحية وتشجيع الكتاب وبخاصة أبناء الإمارات لتأليف النصوص المسرحية إلا في العام ،1973 بمبادرة وزارة التربية والتعليم، في حين نظمت وزارة الإعلام والثقافة العام 1981 مسابقة للنصوص المسرحية وكانت على صنفين الأول للمسرحيات ذات الفصول الثلاثة، والثاني: لذوات الفصل الواحد، وهذه المسابقات لم تختص بالنص المحلي، وإنما بالخليجي والعربي بغية إثراء ''بنك النصوص المسرحية'' الذي اقترحه المسرحي الكبير الراحل صقر الرشود· بالمقابل وجدنا أن هناك جملة من المحاولات للحد من هذه الإشكالية، بمحاولة دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بدءا من العام 1985 بتنظيمها مسابقة للتأليف المسرحي، وما زالت هذه المسابقة مستمرة في إطار جائزة الشارقة للإبداع العربي، ويقابلها محاولات عدة من جانب رابطة أديبات الإمارات في الشارقة وتتبنى ''ملتقى المبدعات الناشئات''، وأيضا جهود معهد الشارقة المسرحي، وجمعية المسرحيين التي اعتادت على تنظيم دورات في كتابة النصوص والسيناريو، كذلك جهود الإدارة العامة لمراكز الأطفال والفتيات التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة والتي انتهت مؤخرا من تنظيم الدورة الثانية لورشة التأليف المسرحي للأطفال· بالنبش في النتائج نجد أن ظهور كاتبات المسرح المحلي كان ظهورا خجولا والأمثلة نادرة، باستثناء ما كتبته القاصة باسمة محمد يونس من نصوص مسرحية: آخرة ليلة باردة وأخرجها لمصلحة فرقة مسرح دبا الحصن حسين محمود علي، دمى، صاحب المطعم، بحاران، قلب في الماء، عروس البحر، البديل، بنات النوخذى· أما القاصة شيخة مبارك الناخي فقد ركزت في مجموعتها ''رياح الشمال'' على الحوار ، واقتربت بعض نصوصها من فضاء المسرح، وهي كما بدا لنا تمتلك طاقات الكتابة لفن المسرح ، ولكن أيا منها لم يتم تحويله الى خشبة العرض· كما وجدنا محاولة طيبة للكاتبة الإماراتية نجلاء علي الشحي في انجاز نص مسرحي بعنوان ''موزه'' وكتبته العام 1982 بمناسبة العيد الوطني للإمارات وهو أقرب الى فن الاوبريت ويتحدث عن ماضي الغوص على اللؤلؤ في المجتمع البحري القديم· واللافت في هذا الأمر غير ندرة الكاتبات للمسرح، أنهن باستثناء باسمة يونس يهجرن الكتابة لهذا الفن العظيم دون إبداء الأسباب· وفي حديث خاص معها أرجعت الكاتبة باسمة يونس رئيسة قسم البرامج والجوائز في وزارة الثقافة عزوف النساء عن الكتابة للمسرح بقولها: ''يمكن النظر الى أساليب التربية والتعليم في المدارس، والتي تعتبر الوعاء الحاضن للكثير من المواهب، على أنها جزء أساسي وكبير في زيادة مشكلة عدم استكشاف المواهب والإبداعات· إن وسائل التعليم والمؤسسات الثقافية والإعلام يقع على عاتقها جميعا دور الاهتمام بالبحث عن الموهوبات، علينا أن نعترف أن هناك تجاهلا كبيرا لمفهوم تمييز المبدع عن غيره، ومنحه الفرصة للشعور بهذا التميز، ربما تكون فكرة عدم الاستقرار وعدم الأمان عند المثقف والمبدع في عالمنا العربي من أسباب العزوف عن التفرغ للكتابة'' واعتبرت يونس أن كتابة النصوص المسرحية بالنسبة للمرأة الإماراتية تشكل مشكلة كونها كتابة مفتوحة في مواجهة الجماهير والقراء، وتحتاج الى الحرية والقدرة في التعبير ومواجهة المجتمع بكل عاداته وتقاليده وأفكاره، لهذه الأسباب تتجه النساء لاختصار الطريق وكتابة القصة والشعر دون المسرح''· والسؤال المطروح هنا: إذا كانت المرأة تزاحم الرجل في كافة مجالات العمل والمهن فلماذا لا تزاحمه في مهنة الكتابة للمسرح؟ والكلام موجه للقاصات والشاعرات والباحثات الإماراتيات على وجه الخصوص باعتبارهن الأقدر على خوض مثل هذه التجربة، ولعل هناك أمرا مهما يجعل بعضهن يحجمن عن فعل الكتابة للمسرح، هو الانتظار حتى اكتمال التجربة والنضج الفني بحجة وعورة كتابة النصوص المسرحية، الى آخر هذه الأعذار، لينتهي الحال بالكاتبة الى تكلس في القلم، يتبعه الانصراف عن الكتابة والانشغال بغيرها فنفقدها الى غير رجعة ويظل النص المسرحي في قبضة الكتاب الرجال· ربما تكون مشكلة قلة عدد الممثلات في المسرح الإماراتي أهون بكثير من مشكلة عزوف المبدعات والكاتبات عن دخول حلبة كتابة النصوص المسرحية لأسباب قد تتعلق بالنظرة الاجتماعية لمهنة التمثيل والمسرح بشكل عام، وغير ذلك فان هذه الإشكالية تدخل في اختصاص المؤسسات المعنية وبخاصة وزارة الثقافة، ووزارة التربية والتعليم والجامعات والمدارس والمعاهد العليا· فإذا كانت هناك دولا مثل فنزويلا والأرجنتين والبرازيل تعمل على إنتاج وصناعة ''الجمال''، فلماذا لانعمل نحن على إنتاج وصناعة الكاتبات للمسرح وتشجيعهن على احتراف مهنة الكتابة؟ هناك نساء خلقن موهوبات ومبدعات وعلينا اكتشافهن وصقل مواهبهن وتجاربهن، ويمكن التفكير بإقامة مؤتمر وطني للمسرح يشارك به نخبة ممتازة من الكتاب والنقاد ورجال المسرح لوضع استراتيجية واضحة لورشة مسرحية متخصصة متواصلة في الكتابة المسرحية النسوية ولهذه الورشة امتدادات في كافة أنحاء الإمارات بالتعاون مع الفرق المسرحية والمؤسسات المعنية بهذا الشأن على نحو نجاح قصور الثقافة في مصر في تعزيز الثقافة الجماهيرية في الأقاليم والمحافظات وتشجيع الكاتبات الشابات والناشئات على خوض غمار مجال كتابة النصوص المسرحية· في مناقشة هذه الإشكالية علينا أن نفهم أن المسرح ليس فقط مجرد عروض مسرحية بل هناك الملامح الفكرية الموازية للعرض وتلك يأخذ ناصيتها كتاب النصوص والمشتغلون بالنقد والفكر المسرحي، لهذا فان تجربة مثل تجربة مسرح المعمل أو المسرح الفقير التي قادها المخرج البولندي المعروف ''جروتفكسي'' كانت من أنجح المحاولات في إعادة اكتشاف المسرح ووسائله من خلال تجربة إحياء النص المسرحي وإعداد وتأهيل مجموعة من الكتاب والكاتبات من خلال ورشة جماعية للتأليف، حيث يعتبر المعمل المسرحي النص الوسيلة المساعدة أو العامل الكيميائي المساعد لإحداث تأثير عنيف أو رد فعل حقيقي عند الجمهور· وفي السياق ذاته لاننسى النجاحات التي تحققت في ''مسرح الجماعة'' في العالم وجذب عدد كبير من الكتاب الشباب لتعلم فن وأصول وقواعد تأليف المسرحيات، وقد استفاد المسرح الجامعي في العديد من الدول من هذا النمط في تصدير مجموعة ممتازة من الكتاب للمسرح، هذا الى جانب ما تفرزه تجربة الدراما الإبداعية CREATIVE DRAMATIC من تشجيع على ممارسة الكتابة، خاصة للطفل من خلال ورش الكتابة بإشراف ''دراماتورجي'' أو رجل المسرح بجانب عدد من المؤلفين المحترفين، وقد حققت التجربة نتائج طيبة في هذا المجال وبخاصة في المسرح الأردني بإشراف مؤسسة نور الحسين، ويمكن لنا استثمارها للنهوض بالمسرح المدرسي وتحقيق ولادة لكاتبات مسرحيات ناشئات لمسرح مستقبلي جديد يتمتع بعمل روح الفريق· بقي أن نشير الى أن مسرح الدراما الإبداعية يقدم الأفكار للأطفال، وعليهم استخدام وتدريب خيالهم، مع تعلم أسلوب الممارسة الكتابية، وعلينا هنا أن نتجه الى مدارسنا وسنجد عشرات المواهب والإبداعات المجمدة على مقاعد الدرس· إن المسرح العالمي ما زال مدينا لتجربة المخرج الأميركي ''إيليا كازان'' الذي اعتمد عنصر فن الارتجال لدى ممثليه وهو جزء من تكنيك الكتابة للمسرح، حيث أطلق العنان لخيالهم لارتجال بعض الأفكار وكتابة المقاطع المسرحية لتنمية ظاهرة ''التخيل'' لديهم بحيث تم مع الوقت من خلال ورشة مسرحية متزامنة مع التدريبات وصقل هذه الأفكار وتحويلها الى نصوص مسرحية، ضاعفت من خيال الممثلين وتحويلهم في ذات الوقت الى كتاب للمسرح، بما ساهم أيضا في تحقيق معايشة أفضل للشخصيات والحالة المسرحية، ونفيد من ذلك أن وسائل كثيرة أمامنا لصناعة كتاب وكاتبات للمسرح، لكن المهم كيف نبدأ؟ إن مسرح المرأة لم ينل اهتماما حقيقيا بحيث يعمل على إذكاء روح المسرح النسوي بما يفضي مع الوقت الى إقامة مهرجان مسرحي للإبداع المسرحي النسوي على غرار مهرجانات سينما المرأة التي تجد قبولا متعاظما في الوطن العربي لن نكتفي بالنوايا الطيبة تجاه هذه الإشكالية لان النوايا الطيبة لا تصنع مسرحا ولا تصنع كاتبة مسرحية محترفة ؟! قد تكون الكاتبات المسرحيات الموهوبات بيننا دون أن نلحظ ذلك والأمر موضوع على طاولة وزارتي الثقافة والتربية والتعليم وجمعية المسرحيين والجامعات والمؤسسات المعنية بشأن المسرح وتطوير الإبداع، وعلينا أن نبحث بجدية في هذا السؤال: لماذا تنصرف مبدعاتنا عن الكتابة لفن المسرح؟ نحتاج فقط الى المناخ الذي يجذب الموهوبات الى ساحة التأليف المسرحي الذي لا يزدهر إلا في مناخات صحية وظروف اجتماعية ملائمة تتيح لإبداع الرجل والمرأة معا فرصة النقد والتعبير وتحقيق التنوير المنشود من خلال كلمة المسرح الأداة الفعالة لنهضة أي شعب· المهمة في تقديري ليست مستحيلة إذا علمنا أن هناك دائما في عالم المسرح أبوابا مفتوحة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©