الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتفاقية سلام كولومبيا

28 أغسطس 2016 22:49
خلال الأسابيع المقبلة، سيُطلب من الكولومبيين المشاركة في استفتاء لا سابق له في تاريخ هذا البلد المضطرب. وسيكون هناك سؤال محدد يتعلق بما إذا كان مواطنو كولومبيا التي تضم ثالث أضخم عدد من السكان في أميركا اللاتينية، يوافقون على توقيع اتفاقية السلام التاريخية لإنهاء أشرس حرب عصابات في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وقد يبدو هذا السؤال سخيفاً ومثيراً للسخرية. فبعد صراع مرير دام أكثر من نصف قرن وحصد 220 ألف ضحية وشرّد أكثر من 6 ملايين مواطن، ما القرار الذي يمكن اتخاذه غير التصويت لمصلحة الاتفاقية؟ ويُذكر أن المحادثات بين حكومة الرئيس خوان مانويل سانتوس وقادة «القوى الثورية المسلحة لكولومبيا» (فارك)، والتي انطلقت في نوفمبر 2012، تعرضت للكثير من الانتكاسات، وتركت العديد من القضايا المعلقة دون بحث وتمحيص. وتتعلق إحدى أهم تلك القضايا الشائكة بكون الثوار، رغم الاتفاق التكتيكي الذي عقدوه مع الحكومة بتسليم أسلحتهم، إلا أن عملية نزع الأسلحة لن تكتمل قبل حلول موعد الاستفتاء المبرمج في بداية أكتوبر المقبل. كما أن انتهاء التمرّد لا يعني انتهاء تهريب المخدرات والاتجار بها، ولا يجبر فصائل مسلحة أخرى على التوقف عن القتال، ومن أقواها «جيش التحرير الوطني» الذي يقدر تعداده بألفي مقاتل. وإذ لا يمكن لأحد أن يتخيل أن إنهاء أطول حرب تشهدها الأميركيتان الجنوبية والشمالية، هو أمر سهل، فسوف يكون الكولومبيون معذورين عندما يتساءلون عما سيحدث بعد ذلك، ومن سيدفع الثمن. على أي حال، فالاتفاقية الواقعة في 297 صفحة، والموقعة في العاصمة الكوبية هافانا يوم 24 أغسطس، ليست إلا بداية لأوقات عصيبة أخرى لهذه الدولة البالغ عدد سكانها 50 مليوناً. ولا بد لأعضاء المجلس التشريعي الكولومبي أن يصادقوا على الصفقة التي أرسلها إليهم الرئيس سانتوس الخميس الماضي. ومن جهة أخرى، لابد لقادة التمرّد أن يستشيروا أنصارهم من حملة السلاح خلال سلسلة اجتماعات ينتظر عقدها داخل الأدغال الكولومبية. وأكد الرئيس سانتوس ثقته في أن توقيع الاتفاقية ذاته يعتبر تصويتاً من الكولومبيين على رغبتهم الصادقة بإحلال السلام، وأن انتهاء الحرب سيشجع على الاستثمار، وبما يرفع معدل النمو السنوي إلى نحو 1,5%. وبالطبع، لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتوازي مع تخصيص مبلغ 16,8 مليار دولار لإعادة بناء البلد. وهذا أحد الأسباب التي تدفع ثلثي الشركات الكولومبية الصغيرة التي تحتكر 67% من مناصب العمل، لدعم عملية السلام. وأظهر استطلاع رأي أنجزته مؤسسة «إنفامير» أن أقلية من الكولومبيين (37%) يعتقدون أن السلام سوف يحسن مستوى المعيشة في الأرياف، ويقلل من العنف المبني على أسس أيديولوجية (22%)، وسيدفع قادة التمرد للمطالبة بالتعويضات عن ضحاياهم (20%)، ويعيد تنشيط الحرب ضد مهربي المخدرات (17%). وهناك الكثير مما يبرر الشك في هذه الاتفاقية. ونبدأ من الحقيقة التي تفيد أن مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس سانتوس لا ينظر إليها الكثير من الكولومبيين إلا كمناورة لتحقيق مكاسب سياسية. وكان الرئيس السابق «ألفارو أوريب»، قد عمد إلى شنّ حرب شاملة ضد متمردي «فارك»، ما أدى لتقليص قدرتهم القتالية عندما كان سانتوس وزيراً للدفاع. والشيء الذي يبدو واضحاً الآن هو أن مصير السلام في كولومبيا أصبح أقل ارتباطاً بالتفاصيل والتأويلات الدقيقة الواردة في الاتفاقية، وأكثر تأثراً بالمعركة التي تدور رحاها بين أقطاب السياسة والتي تزداد ضراوة. وعلى الرغم من أن الكولومبيين الذين أرهقتهم الحرب، أعادوا انتخاب سانتوس على حساب منافسه المتشدد أوسكار إيفان زولواجا، زعيم حزب «الوسط الديمقراطي» العام 2014، إلا أن المحادثات الشاقة والصراعات مع أنصار «أوريب» لم تتوقف. والآن، وبعد عشر سنوات من انتخاب سانتوس رئيساً، فإن واحداً من كل أربعة كولومبيين يؤيدون حكومته. ولا يكمن خطأ سانتوس في أنه يحاول إقحام العدو في معاهدة سلام، بل في سوء تقديره للشكوك القائمة في كولومبيا حول إمكان تحقيق هذا السلام. والآن، وبعد نصف قرن من التمرد الدموي، وسلسلة الهدنات الفاشلة، والكره المتفشي في أوساط الكولوميين ضد متمردي «فارك»، والتنازلات السخيّة التي قدمتها الحكومة للميليشيات السابقة.. تبدو الأمور بالغة التعقيد. وقال لي خبير الشؤون الأميركية مايكل شيفتير: «من الواضح أن الكولومبيين يريدون إنهاء الحرب، إلا أن من غير الضروري أن يتم ذلك عن طريق هذه الاتفاقية». *محلل سياسي برازيلي متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©