الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من حول نظرية التناصّ···

من حول نظرية التناصّ···
1 أكتوبر 2008 22:06
لم يَكْلَفِ النقّادُ والسِّيمَائيّون، في العالم كلِّه، وخصوصاً في فرنسا، في العقود الأربعة الأخيرة، بمقدار ما كَلِفوا بنظريّتَيِ التناصِّ والسيمائيّات الأدبيّة يَلُوكونهما لَوْكاً، حتّى أمسَتا ضرْباً من الابتذال النّقديّ! ويعزّز حكمَنا هذا أنّ معظم النقّاد المعاصرين لم يفُتهم التعرّض لمسألة التناصّ في كتاباتهم، قصْداً أو عرَضاً، كما سنرى· وقد اتّفق النُّقّاد الفرنسيّون على أنّ جوليا كرستيفا هي أوّلُ مَن أطلق على هذا المفهومِ مصطلحَ: Intertextualité ، وذلك سنة ·1967 غير أنّا لا نعتقد أنّ جوليا كرِسْتيفا نزل عليها هذا المفهومُ من السماء فاستأثرت به وحْدَها، ففكرة التناصّ وُجِدت في الفكر النقديّ الإنسانيّ منذ القديم، وقد عُرفت عند العرب تحت مصطلح ''السرقات الأدبيّة''، و''توارد الخواطر''، و''قوع الحافر على الحافر''··· ولقد كان علي بن عبدالعزيز الجرجانِيّ صاح مستنكراً صدقيّة السرقات الأدبيّة، قائلاً ما معناه: إذا كان هذا الشعر مسروقاً فالكلام كلّه مسروق! كما عالج فكرة التناصّ، بكيفيّة غير مباشرة، أبو عثمان الجاحظ في أكثرَ من موطن من كتاباته· كما كتبنا نحن قبل ذلك، وكتب غيرنا أيضاً كتاباتٍ مبكّرةً، بالقياس إلى الفكر النقديّ العربيّ المعاصر، حيث بدأ الحديث يدور عن مفهوم التناصّ منذ مطالع الأعوام الثمانين من القرن العشرين في كتابات محمد مفتاح، وعبداللّه الغذامي، وصبري حافظ، وصلاح فضل، وعبدالملك مرتاض، وغيرهم، وإن لم يصطنع بعض هؤلاء مصطلح ''التناصّ'' صراحةً، فِعْلَ عبدِاللّه الغذاميّ بحكم عدم سَيْرُورةِ المصطلح بين النّقّاد العرب، الجدُد، سيرورةً كاملة يومئذ··· وقد خصّصت مجلّة ''الفكر العربيّ المعاصر'' ببيروت عدداً خاصّاً، لذلك أسهم في تحريره طائفة من النقّاد العرب منذ تسعة عشر عاماً· وأمّا في الفكر النقديّ الفرنسيّ فإنّه شاع استعمال هذا المصطلح على يد جوليا كرستيفا، كما سبقت الإيماءة إلى ذلك، ثمّ أفاض النّقّادُ الفرنسيّون الجدُد في اصطناعه مثلُ رولان بارت، و؟ريماس، وميشال أريـ؟ـي وسَوَائِهِم، وذلك على الرّغم من أنّ فكرة هذا المصطلح كانت دائرةً بين النّقّاد الفرنسيّين قبل كرستيفا تحت مصطلح ''السرقة الأدبيّة''، كما كان ذلك جارياً في مصطلح النقد العربيّ القديم، حَذْوَ النعلِ بالنعل، فقد كان سبقها إلى ذلك الروائيّ والناقد الفرنسيّ جان جيرودو (1882-1944) حين قال ''إنّ السّرقة الأدبيّة هي أساس كلّ الآداب، باستثناء الأوّل منها، المجهول على كلّ حال''· فهذا القول هنا، يثبت أنّ جيرودو هو صاحب نظريّة التناصّ في الأدب الفرنسيّ، إن لم يكن، هو أيضاً، سبقه آخَرُ، أو آخَرون، لتأسيس هذه الفكرة، لا جوليا كرستيفا وأصحابها، وإن لم يُطْلِق عليها، هو أيضاً، مصطلح ''التناصّ'' حين كان يتحدّث عن هذه الفكرة، بل اصطنع مصطلح ''السرقة الأدبية''، أي العبارة الفرنسيّة:Le vol littéraire· وما يقوله رولان بارت عن ذلك ليس إلاّ أنّ ''كلّ نصٍّ، هو تناصّ؛ وذلك على نحو تتمثّل فيه كلّ النصوص الأُخَر''· فتعريف بارت لا يختلف عن مضمون مقولة جيرودو (السرقة الأدبيّة هي أساس كلّ الآداب)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©