الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد برقاوي: التجانس مع الاختلاف هو فن التعايش مع الحق

أحمد برقاوي: التجانس مع الاختلاف هو فن التعايش مع الحق
8 مايو 2014 23:00
محمد وردي (دبي) نظم «مجلس العويس الثقافي» محاضرة للمفكر السوري الدكتور أحمد برقاوي نائب رئيس الاتحاد الفلسفي العربي، بعنوان «الحراك العربي في إطار فلسفة التاريخ» مساء أمس الأول بمقره في الممزر بدبي، بحضور لفيف من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الفلسفي. استهل اللقاء، الشاعر محمود نور مدير عام مجلس العويس الثقافي، مؤكداً أن ما يقدمه ويتبناه المجلس، باتجاه الحراك الفكري والأدبي والفني والاجتماعي، يأتي باعتباره كياناً معرفياً، يضع في أولوياته دعم المبادرات الثقافية وتأمين سبل وأسباب نجاحها. قدم المحاضر الدكتور عبد الخالق عبدالله عضو مجلس إدارة «ندوة الثقافة والعلوم» معتبراً أن المجلس وُفِّق بشكل مزدوج، سواء لجهة اختيار موضوع الحراك العربي في هذا الوقت بالذات، أو لجهة اختيار الدكتور أحمد برقاوي رئيس قسم الفلسفة في جامعة دمشق، صاحب العديد من المؤلفات المهمة، من أحدثها كتابي «الأنا» و«كوميديا الإنسان والوجود». واستهل الدكتور برقاوي محاضرته بتوطئة حول إمكانية مقاربة موضوع الواقع العربي المتعدد على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في إطار نظرة كلية لكل ما يجري في المنطقة، من دون التساؤل عما إذا كانت هناك ملامح عامة تسمح بالقول: إن ما يجري نوع من الضرورة التاريخية، بحيث تحقق هذه الضرورة معقولية التاريخ، أم أنها مجرد مصادفات حزينة ومزعجة؟ وقال الدكتور برقاوي: «من زاوية الرؤية الفلسفية، إن كل ما جرى وما يجري في مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن والعراق، إنما يعبر عن تناقض شديد بين بنية المجتمع من جهة، وبنية السلطة من جهة ثانية». وفي تأويل هذه الأطروحة «نجد أن هناك ميلاً عفوياً لتطور المجتمعات، مقابل ميل غير عفوي إلى الثبات والمراوحة لدى السلطة، وهي معادلة، القميص فيها يشبه السلطة، والمجتمع يشبه الجسد، فبقدر ما يتسع القميص لتطور المجتمع تحصل المصالحة بين الجانبين، وكلما تطور الجسد، وظلت السلطة في مكانها يتهدد القميص بالتمزق، فيحصل الانفجار . وهذا يفسر ما سميته، »مجتمع الشرارات«، الذي اختزن القهر وكَبَتَ تمرده، بحكم القوة الطاغية العمياء، ما راكم التأفف إلى درجة كانت تكفيه شرارة واحدة للانفجار في مجتمعات عدة في وقت واحد»، وهذا ما حصل. احتكار السلطة والقوة ويرى الدكتور برقاوي أن البنية العميقة للسلطة الاستبدادية تقوم على أمرين: احتكار السلطة واحتكار القوة، وهي معادلة غير قابلة للمساكنة أو التعايش، أي هي بعكس جوهر الديمقراطية، التي هي التوزيع العادل للقوة، حسب تعبير برتراند راسل. وهذه المعادلة هي التي صنعت المستنقع السياسي الآسن على مدى أربعة عقود، وعندما حصل الانفجار لفظ المستنقع ما بداخله من عفن، فراح يعتقد البعض أن ما نشاهده من سلوك غير أخلاقي هو من فعل الثورات، وهذا ليس صحيحا، وإنما يدعو للتساؤل بشأن السبب الذي جعل انهيار السلطة يؤدي إلى انهيار المجتمع، لأنه نظرياً يجب أن لا ينهار المجتمع مع انهيار السلطة، ولكن كان يُظن أن هناك مجتمعات قائمة، في حين أن الواقع ليس كذلك، لأنه على مر التاريخ لم يكن ممكنا للأقلية أن تحكم إلا بالقمع، فغُيب المجتمع وتحطمت معقولية التاريخ، وظهرت كل لا معقولياته الممكنة، وطالما جرى تحطيم القيم، فلم تًعُدْ هناك لحمة تحمي المجتمع من الانهيار، لذلك باتت القوى التي تؤسس للمستقبل الآن نوعان: قوى الممكن، والقوى التي تعتقد إنها قادرة على المستحيل بالإرادة، ولكن الإرادة لا يمكن أن تخلق عالماً على هواها، فالممكن الذي كان قابلاً للتحقق مات وقتل معه الإرادة، فصار من الصعب استعادة الممكن، أي ما كان ممكنا بالأمس لا يمكن اليوم. وبهذا المعنى فإن أصلاح أي عنصر من عناصر الدولة المستبدة يؤدي إلى انهيارها، لأن زمن الممكن يفوتها على الدوام. أما الثورة فتقوم من أجل الممكن، وممكنها هو الدولة الديمقراطية الوطنية، ولكن القوة التي تراكمت عبر كل أشكال الديكتاتورية تحول دون ذلك، فتتقدم الأصولية الدينية باعتبارها قوى تريد تحقيق المستحيل، وتعتقد أن بالإمكان استعادة التاريخ، لكنها تبقى تضحية مجانية بالتاريخ، إلا إذا كانت بعض أساليب اللا معقول تحقق المعقول في التاريخ. ويخلص الدكتور برقاوي إلى نتيجة أن المشكلات العميقة لهذا الحراك، تكمن في حقيقة أن القوة التي انفجرت في مجتمع اللامجتمع لم تعد لديها لغة مشتركة، ولم تتعود في الأصل على منطق تعايش الاختلاف؟ فالتجانس مع الاختلاف، هو فن التعايش مع الحق. ولكن الوعي الآيديولوجي بسِمة عامة مفسد للرؤية، لأنه ينطلق من عدد من الأوهام، والوهم لا يقدم وعياً متطابقاً. والفرد لا يستطيع أن يخلق الممكن، إنما الواقع هو من يخلق الممكن. لذلك يصبح اكتشاف الممكن إبداع، واكتشاف إرادة تحوله إلى واقع آخر إبداع. أما الإرادة فغير الممكن، وهي إرادة مدمرة وقاتلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©