الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهدية.. لغة التواصل وعنوان القلوب

الهدية.. لغة التواصل وعنوان القلوب
3 أكتوبر 2008 00:03
لازلت أتذكر لحظة تأمل انحنيت فيها طويلا أمام أجمل وأغرب هدية لصبي يافع بار لوالدته في ''عيد الأم''، توجز وتلخص كل المعاني العميقة الجياشة، والحب الكبير، والعرفان منقطع النظير، وكانت عبارة بطاقة بسيطة خطها الصبي بدمه في لغة آسرة بسيطة ، يقول فيها:'' أمي الحبيبة·· لم أجد أغلى من دمي الذي هو امتداد لدمك الزكي، كي أخط به هديتي البسيطة اليك، حبا، وعرفانا واعترافا بفضلك يا أعز الناس····'' وما أن أستقبل أياً من الأعياد، حتى تجتر ذاكرتي دائما حيرة الفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي وهو يسأل محبوبته بكلمات الشاعرالشهير ايليا أبوماضي: أي شيء في العيد أهدي إليكِ يا ملاكي؟ وكل شيء لديكِ· أسوارا أم دملجا من نضار؟ أم خمورا ؟ أم ورودا ؟ أم عقيقا ؟ ويختتم حيرته باعترافه: ''ليس عندي شيء أعز من الروح·· وروحي مرهونة في يديكِ''· وقفت مندهشا، باحترام مشاعر الحب أمام شاب في العشرين من عمره يقطع أصبعه لإثبات حبه لفتاة دأب على مغازلتها، وأثارت هديته غضب والد الفتاة ووصفها بأنها ''غير لائقة'، لكن الشاب برر فعلته بأن الفتاة الحسناء قد طلبت منه ''عربون محبة''، فلم يجد المسكين ما يقدمه سوى اصبعه· والرأي الغالب في معظم الثقافات أن الهدية رمز أو وسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية الصادقة بكل ألوانها، وتعد لغة مادية محسوسة للتواصل والترابط بين الناس، ورمزاً للعطاء الانساني، ودليل رضا ومودة وألفة ومحبة، وهى أيضا وسيلة مؤثرة من وسائل التعبير، فهي أبلغ من الكلام وأصدق من القول، ويمكن من خلالها أن يبوح الشخص بما لم يستطع قوله بلسانه، وتعبر عما يخفيه في جنبات قلبه، ولا يستطيع أن يترجم هذا المكنون الا بالهدية· وليس من الأهمية أن تكون الهدية غالية الثمن لكي تكون مؤثرة ، بقدرما تعكس مقدار تقديرنا واعتزازنا لمن سنقدمها له· وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ''تهادوا تحابوا''، وفي حثه ''صلى الله عليه وسلم'' على قبول الهدية قال:''اجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية ولا تضربوا المسلمين''، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ''صلى الله عليه وسلم'' قال: ''لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت''· والهدية عادة ما تقدم في الأعياد والمناسبات السارة، سواء كانت هذه المناسبات دينية، أو اجتماعية كالزواج والميلاد، أو النجاح الدراسي أو العمل المهني، أو الشفاء من المرض، أو عند تحقيق انجاز رياضي، أو الانتقال الى بيت جديد، أو الاحتفال بذكرى عزيزة طيبة، وغير ذلك من المناسبات الاجتماعية، وتختلف قيمة ونوعية وشكل الهدية بطبيعة الحال حسب العلاقة بين الشخص والشخص المهدى له، وحسب السن والمركز والمناسبة· كيف نختار الهدية ؟ يقول المخرج علاء محجوب:'' علينا في البداية أن نفكر في طبيعة الشخص الذي سنقدم له الهدية ونحاول أن نعرف الطريقة التي يفكر بها، وأي الأشياء يفضل، وما هي هواياته، ولمن سنقدم الهدية لرجل أو امرأة أو طفل، وكم يبلغ من العمر، وهل يتميز بصفات خاصة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيارنا للهدية، وهل ستكون الهدية المراد تقديمها له وحده أو سيشاركه بها أفراد الأسرة· وهل هذا الشخص متزوج أو أعزب، وهل لديه أولاد، وما هي طبيعة شخصيته؟ هدية أم رشوة أما عبير حداد مسؤولة العلاقات والاعلام بكلية التقنية للبنات في أبوظبي فتقول: '' كثيرا ما يقف الشخص حائرا أمام الخضم الهائل من الهدايا''، لكن الأهم أن تكون الهدية بسيطة ومعبرة، وتعكس مشاعر الشخص الحقيقية، ومدى الود بينه وبين الشخص المهدى اليه فالهدية عنوان صاحبها بكل تأكيد، فهناك ما يفضل أن تكون هديته الزهور الجميلة، أو الشيكولاته والحلويات، أو التحف النادرة، أوالأشياء المعمرة، وفي المقابل نجد من يفضلون اختيارالهدايا التي يمكن أن يستفيد المهدى اليه منها في بيته أو في استخداماته اليومية''· وتشير عبير الى النوع المرفوض من الهدايا الذي يشيع بين الناس المفاسد، وهي التي تقدم بهدف تحقيق مصلحة ما، أو من أجل الحصول على حق غير مشروع، وفي اعتقادها أن مثل هذه الهدايا هو نوع من الرشوة· أما نيفين شيرازي''ربة بيت'' فتشير الى عدة جوانب تراها مهمة عند التفكير في تقديم الهدية، بأن تحمل السرور للشخص المهدى إليه، ولا تكون وفق الذوق الشخصي، لكن حسب ميول المهدى اليه، وأن تتناسب مع قدرته المالية حتى يمكنه أن يردها دون اساءة أو احراج، ولا يجب أن تقدم مباشرة فور اسداء معروف أو خدمة ما من شخص معين حتى لا يشعر أنها ثمن لما قدم، وانما يفضل انتظار الوقت المناسب، ولا يجب أيضا عدم نسيان محو ثمن الهدية ان كان مثبتا، ولا التحدث عن ثمنها أو جمالها وعراقتها أمام المهدى إليه· ثقافة الهدية تقول الدكتورة موزه المالكي أستاذة علم النفس بجامعة الدوحة: إنّ الهدية كسلوك انساني واجتماعي قديم قدم البشرية، وصفحات التاريخ حافلة بقصص شهيرة وطريفة، وعبر التاريخ الانساني أخذت الهدية مستويات معينة كسلوك، منها بين أفراد الأسرة الواحدة، أو بين الأقارب، أو الجماعات، والزملاء والأصدقاء، أو بين مستويات اجتماعية أعلى وأدنى، ومنها بطبيعة الحال مل يرتبط بتاريخ أو حدث أومناسبة، أو ما يهدف من ورائها الى تحقيق مصلحة ما، أو تحمل رسالة شكر لمنفعة معينة، الا أنها في النهاية لغة اجتماعية من لغات الود والتواصل، وتقوية العلاقات الاجتماعية، والروابط بين الناس، وتضفي كثيرا من المشاعر الانسانية الايجابية، وتسهم في كثير من الأحيان في انهاء أزمات أو خصومات أومشاكل معينة، أى أن للهدية دورا وتأثيرا اجتماعيا لا يمكن أن نقلل من أهميته، كما أنها تعكس ثقافة الناس كأفراد وشعوب، وان شير الى تأثير''الهدية الملزمة'' التى نراها في المجتمعات التقليدية والتي نراها في المجاملات والهدايا التي تقدم في الأفراح والزواج، وأيضا المآتم والتعازي، وعند الميلاد، وتقدم كمساعدات مادية يصبح الشخص ملزما اجتماعيا وقيميا بردها في المناسبات المماثلة أما النوع الثاني من الهدايا التي ترتبط بتحقيق مصلحة أو حق غير مشروع فمن شأنه أن يشيع المفاسد والانعكاسات السلبية بين الناس، ويذهب بالحقوق الى غير مستحقيها، واهدار لتكافؤ الفرص ، وضياع حقوق الغير،مما يولد الكراهية والبغض بين الناس.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©