الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤوس عصافير بعقول فيلة.. حقيقة علمية!

رؤوس عصافير بعقول فيلة.. حقيقة علمية!
3 أكتوبر 2008 00:10
لماذا يفترض أن نقضّ مضاجع الطيور والحيوانات ونثبت أن لها ذاكرة تشبه، بصورة أو بأخرى، ذاكرة الإنسان التي لولاها لما استطاع التخطيط للمستقبل حسبما يقول عدد من علماء النفس الكبار؟· اختصاصية في جامعة ''كمبريدج'' تؤكد أن لبعض الطيور ذاكرة الفيلة، وهي تعرض لتجاربها التي ينقضها اختصاصي أسترالي ينصح بترك تلك المخلوقات وشأنها لأن الذاكرة، كما الخيال، مصدر للشقاء· المسألة تحلّ بعد خمس سنوات، وحتى ذلك الحين، تعالوا نستعرض سويا ما يحدث في مختبرات العلماء ونطالع تفاصيل عالم غريب تقترب بعض ملامحه من الخيال· عصافير برؤوس فيلة··· هل هذا معقول؟··· السؤال لا يعكس صورة سريالية، أو خرافية، كما أنه ليس من وحي ثقافة بعض القبائل البدائية في أستراليا والتي تخلط بين أرواح العصافير (والطيور بوجه عام) وأرواح البشر، بل أن الاختبارات التي أجريت في عدد من معاهد البحث تقول إن الطيور ربما تحلق بأجنحتها في الزمن· كان ''كلود ليفي - شتراوس''، الباحث الاتنولوجي البارز، قد وصف الإنسان بـ ''طائر الأزمنة''، لا يحتاج إلى جناحين ليفعل هذا، ثمة ذاكرة، وثمّة خيال تتيح للكائن البشري الهجرة (أو الرحيل أو السفر) عبر الزمن· بالطبع، هناك مجتمعات لها مفهومها المثير لحركة الأرواح، وتبعاً لما يقوله ''ليفي - شتراوس''، فإن البدائيين كانوا فلاسفة أيضاً، وكانوا يطرحون أسئلة ميتافيزيقية ثم يجيبون عليها بطريقتهم الخاصة، ولطالما قالوا إن أرواح آبائهم تطرق الأبواب، أو تحلق فوقهم وتحميهم أو تحرّضهم على قتل أعدائهم· عدد من علماء النفس يعتبرون أن الذاكرة البشرية هي التي تفتح باب المستقبل، فذلك المخزون هو الذي جعل أسلافنا يخططون للآتي، وبالطبع يستفيدون من التجربة· وكان هذا من البدايات قبل أن يتحول العقل (أو الخيال) إلى مؤسسة· خيال طازج لكن ماذا عن الحيوانات؟، وهل الذي جعلها تقف مكانها، دون أن تتذوق الكوكاكولا مثلاً، هو كونها من دون ذاكرة؟· ذات يوم وضع المخرج الأميركي ''سام باكنباه'' فيلماً قصيراً من نوع الفانتازيا الخيالية، لاحظ أن الفيل تشكل بطريقة مختلفة عن الحصان أو عن الجمل أو عن الزرافة، خصائص لافتة وذاكرة تضرب في البعيد البعيد· عنوان الشريط كان ''الفيل الناطق'' الذي يروي كيف أتى إلى هذا العالم، قصة خرافية، ومثيرة، كونها تستند إلى الذاكرة المتقدة للفيل، وإلى تركيبه الفيزيولوجي الذي يوحي بأنه أتى من كوكب آخر· سأل ''باكنباه'' ما اذا كان الفيل يطير في البداية؟ يجيب الفيل بأنه جاء إلى الأرض سيراً على الأقدام، لعل هناك طرق سرية بين كوكبنا والكواكب الأخرى· المخرج الأميركي لعب كثيراً بالتفاصيل، وقال إن هدفه هو أن يقدم ''طبقاً طازجاً للخيال''· وكان العالم الأميركي ''جون ايجلويت'' توصل إلى استنتاج محدد حول سبب انقراض الديناصور، إنه انعدام الخيال· لو قيض له أن يأتي أحدهم وينفخ في رأسه بعض الخيال لما قتلته هكذا سذاجته، ''لنتصور حيواناً بكل تلك الضخامة، بالكاد يفكر مثل النملة''، ذاك الخلل الرهيب بين الكتلة الجسدية الضخمة والخيال أدى إلى اندثار الديناصور· لكن ''ايجلويت'' طرح سؤالاً يمكن وصفه بالمأسوي، فالكمبيوتر يتطور بطريقة مذهلة، في لحظة ما قد يصبح أكثر تعقيداً وإبداعاً من العقل البشري·، أمام هذه الفجوة هل يتحطم الإنسان؟ الغرف الخلفية العالِم الأميركي يعلق بأن الخيال البشري شديد المرونة، والخيال، ولقد تدرّب عبر آلاف السنين كيف يخترع عالمه الخاص، ومن الصعب جداً أو من المستحيل، أن يتمكن الكمبيوتر من تجاوزه لافتقاده إلى اللاوعي، أو إلى الذاكرة، التي ليست مجرد صندوق للأشياء أو الأحداث التي تعيشها، بل إنها تضم غرفاً خلفيّة فيها قرون غابرة هي التي تساعد كل شخص، أو كل مجتمع، على بناء استراتيجيته الشخصية· البريطانية ''نيكولا كلايتون''، وهي اختصاصية في علم النفس المقارن في جامعة ''كمبريدج''، تجري تجارب لتثبت من أن طيور القيق (أبو زريق) التي تعيش في الأدغال تمتلك ذاكرة استطرادية، فهذه الطيور تقوم كل عام، بتخزين آلاف القطع من الطعام، وهي تظل تتذكر كل المخابئ، دون أن تقتصر المسألة على ذلك، بل تشمل تذكر عملية التخزين نفسها، وهي تستطيع أيضاً أن تتذكر، أي الأغذية يمكن أن تستمر طويلاً وأيها تتعفن ولا تعود صالحة للاستعمال· الاختبارات تجري في أقفاص، ولكي لا تعتمد الطيور على حاسة الشم، حيث يتم تفريغ الأقفاص من الرائحة· الذاكرة هنا هي التي تعمل وتساعد الطيور على ''التخطيط''، كما هي حال البشر، ولكن ألا يفعل النمل ذلك أيضاً؟، فهو يعرف أنه لا يستطيع أن يتحرّك في فصل الأمطار، وأن عليه تخزين المؤونة الكافية (فيما الصرصار يمضي الصيف في الغناء) كي لا يقضي جوعاً· الحاضر··· فقط ترفض ''كلايتون'' إجراء هذه المقارنة، فالنمل في نظرها يعمل ميكانيكياً، وهو يقبع في الثقوب قرب الطعام، فيما طيور القيق تذهب بعيداً، وحين تعود تتوجه بمنتهى الدقة إلى المخابئ التي قد تكون عديدة ومتباعدة· ولقد اكتشفت ''كلايتون'' أيضاً أنه اذا ما لاحظ طائر القيق أن أحداً يراقبه وهو يخبّئ قطع الطعام، ينصرف لبعض الوقت، من أجل التمويه، قبل أن يعود وينقل هذه القطع إلى مخبأ آمن، أي أنه ''يفكر'' ويدرك ما في ''عقل'' طيور أو حيوانات أخر؟، دون أن يكون التصرف مجرد ردة فعل غرائزية، فالغريزة ذات اتجاه واحد، فيما ''دماغ''، القيق يمكنه أن يستوعب أكثر من حالة· لكن اختصاصياً آخر في علم النفس المقارن هو الأسترالي ''توماس ساوندورف'' من جامعة كوينلاند، يعتبر أن الحيوانات تعيش الحاضر فقط، فطائر القيق يُعرف أنه خبّأ غذاءه، وكذلك المكان الذي خبأه فيه، دون أن يكون بحاجة إلى الوعي أو إلى الذاكرة· ويرى أن ما يحدث لذلك الطائر لا يمكن أن يشكل أساساً للقول بأنه يسافر ذهنياً في الزمن ليضيف: ''اذا ما عرفت أن أمي وضعتني في السويد في عام ،1967 فهذا لا يعني أنني أستطيع حتماً، أن أعيد عيش ذلك الحدث''· تجربة عملية ويرى ''ساوندورف'' أن الذاكرة الاستطرادية تتصل بسلسلة من الملكات التي لم يتم تبيانها بوضوح إلا بالنسبة للعقل البشري، وكانت البداية مع انفصال أسلافنا عن مسيرة ''القرود''، كما أن قدرة الإنسان لا تتوقف عند معرفة الماضي أو تخزينه أو استذكاره، وإنما تمتد إلى توقع المستقبل· رداً على ذلك، ولكي تثبت حسّ التوقع لدى طيور القيق، عمدت ''كلايتون'' إلى وضع أعداد منها في ثلاث حجرات ولمدة ستة أيام· وكل صباح كانت توضع إما في حجرة لمدة ساعتين وحيث لا تتلقى أي طعام أو في حجرة كانت تتناول فيها الصنوبر على شكل مسحوق (باستطاعتها أن تأكله دون إمكانية لتخزينه)· وفي بقية اليوم كانت الطيور تنتقل بحريّة وتتناول مسحوق الصنوبر ساعة تشاء· وفي اليوم السابع، أحلّ العلماء حبوب الصنوبر محل المسحوق، مع وضع قوالب للثلج يمكن للطيور أن تخزّن فيها، وذلك في الحجرة التي كانت تمضي فيها الساعتين الأولين· وتقول الدكتورة ''كلايتون'': ''لو كنت طائراً لخبّأت كمية من حبات الصنوبر في تلك القوالب، حتى اذا ما استيقظت صباحاً أجد الطعام في انتظاري''· لكنها لاحظت أن الطيور تضع في الحجرة التي لم تكن تتناول فيها الطعام ثلاثة أضعاف ما تضعه في الأخرى، وهذا يعني، في نظرها، أن باستطاعة الطيور أن ترتقب مسبقاً ما هي احتياجاتها المستقبلية، واستناداً إلى الذاكرة التي هي بمثابة الدليل على وجود شبه ما بين هجرة الإنسان، وهجرة الطائر، في الزمن.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©