الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فنون تترقب.. مصيرها

فنون تترقب.. مصيرها
26 ابريل 2012
يرى كثير من العاملين في الحقل الفني، أن مجريات الحراك في الساحة المصرية، في حال اكتمال نجاحه وانحيازه إلى قيم الحرية والحداثة والتطور، سوف يؤدي إلى إحداث نهضة كبيرة وبعث جديد للفن المصري الذي عاني كثيرا وواجه مشكلات كبيرة في السنوات الأخيرة. ولكن إن حدث العكس فما الذي سيكون عليه الحال؟ هذا ما يحاول الإجابة عنه عدد المخرجين السينمائيين والكتّاب، في هذا التحقيق: في البداية يرى صاحب “الكرنك” المخرج علي بدرخان، أن الوضع الحالي الذي تشهده البلاد مازال ضبابيا، إلى الدرجة التي يصعب معها التكهن بالمستقبل القريب، وبالتالي فلا نملك غير الانتظار حتى تنجلي الصورة ونتبين ملامحها، وساعتها يمكن الحديث عن السينما ومستقبلها، “الذي أتمني أن يكون مختلفا عن سينما السنوات العشر الماضية التي كانت تخدّم الفكر الإستهلاكي، وتعلي من قيم الفساد والتحلل، وتحفل بالمشاهد المبتذلة غير الموظفة فنيا، ويسمونها سينما نظيفة”. أما صاحب “الكيت كات” المخرج داود عبد السيد، فيقول “إن الثورة لم تكتمل بعد، ولاندري إلى أين ستصل، ويصبح بالتالي الحديث عن الثورة وما سوف تحدثه في السينما نوعا من العبث، ولكنني أرى أنه في حال نجاح الثورة فإنها سوف تدفع في اتجاه فن جديد مختلف عن السائد، وسينما جديدة راقية، ومكتملة العناصر الفنية من قصة وسيناريو وحوار إلى تمثيل وإخراج وديكور وإضاءة وغيرها من العناصر، الأمر الذي قد ينسينا ما عانيناه في السنوات الأخيرة من السينما التجارية المسفة والابتذال الرخيص”. ويرى الكاتب المسرحي وعضو لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة بهيج اسماعيل “أن المسرح المصري حاليا في حالة تدعو للرثاء، مشيرا إلى أن الأحداث الحالية التي يشهدها الشارع المصري قد تجاوزت ما يقدم على خشبته، وبالتالي فإنه لم يعد أمام كتاب المسرح إذا رغبوا في الخروج من أزمة المسرح الحالية، سوى اتجاهين: الأول الاتجاه إلى تقديم أعمال سياسية جريئة تتجاوز ما يجري في الشارع، أما الاتجاه الثاني فيتمثل في اللجوء إلى تقديم مسرح ترفيهي، يحمل مضامين وأهداف يخفف من حالة الاحتقان الحالية”. ويؤكد اسماعيل أن المسرح المصري سيشهد نقلة كبيرة مع استقرار الأوضاع المضطربة حاليا، وسنعود لنرى أعمالا جديرة بالمشاهدة، تحمل فكرا ومضمونا غابا عنا كثيرا. من ناحيته يؤكد الناقد طارق الشناوي “إن الثورة سوف تغير من طبيعة الإنتاج السينمائي، فقبل الثورة كانت معظم الأفلام التي تنتج تفصل على مقاس النجم، وبالتالي كانت الأفلام تتكلف ميزانية باهظة، فضلا عن ليّ عنق السيناريو والحوار من أجل النجم بطل العمل، أما بعد الثورة فإن الأفلام التي ستنتج، أو معظمها، سوف تتخلص وتتحررمن هذا العبء، وسنعود من جديد إلى سينما المخرج، بمعنى أن الفيلم سيعبر عن فكر مخرجه وليس رغبات النجم البطل، وهذا الأمر سوف يؤدي إلى تقليص كبير في ميزانية الفيلم التي كان يذهب معظمها في جيب النجم، وبالتالي سوف نرى نجوما جددا، وسوف نعود إلى حصد العديد من الجوائز العالمية التي غابت عنا كثيرا بسبب ضعف مضمون الأفلام المنتجة، وقلة عددها وسيطرة النجم على العمل وتوجيهه الوجهة التي يريدها والتي تكون غالبا في غير صالح العمل”. باختصار، يؤكد الشناوي، أن السينما المصرية بعد الثورة سوف تولد وتبعث من جديد. وتقول الكاتبة والناقدة سناء صليحة أن نهضة الفنون مرهونة باكتمال نجاح الثورة، وتحقيق الديمقراطية الحقيقية، والاعتراف بتعدد الأصوات، وعدم إقصاء الآخر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتأصيل مفهوم المواطنة، ووجود بيئة ثقافية حقيقية تنعكس على المجتمع، ويشعر بها المواطن العادي، فإذا ما تحققت كل هذه العوامل فسوف تسهم بالتأكيد في أحداث نهضة فنية شاملة في كل مجالات الإبداع. وتضيف صليحة: “إن مصر تمتلك كل الإمكانات والأدوات والطاقات، التي تمكنها، من تحقيق انطلاقة كبيرة نحو المستقبل، وإحداث نقلة جديدة في جميع مجالات الثقافة والفكر والفنون، بل وفي جميع مناحي الحياة”. من جهته يقول الناقد والمؤلف والمخرج المسرحي الدكتور عمرو دوارة إنه بعد نجاح الثورة مباشرة وقبل مرور عدة أسابيع “غمر الحماس مجموعات كبيرة من المسرحيين، سواء محترفين أو هواة، فسارع عدد كبير منهم إلى تقديم عروض تتناول أغلبها أحداث الثورة وتوثق لأهمها، كما قام بعض المؤلفين بكتابة نصوص مسرحية تستوحي هذه الأحداث أيضا، وكان من الطبيعي أن تتسم أغلبها بالصياغة المباشرة، وأن تكون مجرد استجابات عاطفية حماسية إحتفاءا بالثورة، وقد تم إعدادها سريعا في محاولة لمواكبة ذلك الإيقاع السريع للثورة، ولذا فإنها قد تشابهت كثيرا فيما بينها ـ خاصة تلك العروض التي اعتمدت على التأليف الجماعي أو على نصوص كتبت حديثا ـ حيث اجتهد جميع المشاركين بها في محاولة المسرحة لوقائع أحداث الثورة بطريقة إنتقائية، واعتمدت أغلبها على مساحات الإرتجال والسرد، وكذلك على تخصيص مساحات للبوح ولتقديم الحكايات والمشاعر الشخصية، كما تضمنت أغلبها على بعض المحاولات التوثيقية لأحداث الثورة، وبالتالي فقد تضمنت السرد لوقائع المظاهرات والترديد لكثير من الهتافات والشعارات مع تقديم بعض اللقطات السينمائية للأحداث”. ويضيف دوارة: “بالرغم من جميع الإحباطات الحالية التي تحاصرنا، إلا أنني مازلت متفائلا بغد أفضل، فمما لاشك فيه أن الثورة سوف تجتاز جميع الصعاب والمعوقات، كما ستنجح في التأصيل لفنونها، إما من خلال تلك الأحداث الدرامية المستلهمة من أحداثها الكثيرة المتشعبة، أو من خلال تلك الأشكال والقوالب الدرامية التي تسائلها وتعلق عليها وتكشفها وتحاكمها، وفي النهاية تنحاز إليها أو ترفضها، وهي من أجل تحقيق ذلك سوف تضطر إلى القيام بإعادة التنظيم والصياغة لمجموعة الأشكال والقوالب والتقاليد الدرامية والمناهج الفنية الحاكمة من جديد بما يتناسب مع إعادة صياغة منظومة الأنساق والتقاليد ومنظومة الأخلاق والأعراف السائدة بالمجتمع، والتي يجب إعادة صياغتها بما يتناسب مع الفكر الجديد والأحداث المتتالية، فبالتأكيد سوف تصبح ثورة 25 يناير مصدرا خصبا للكثير من الأعمال الدرامية، وكما تفرز كل مرحلة كتابها وفنانيها ـ وكما أفرزت كل من ثورة 1919 وثورة 1952 مبدعيها ـ لابد وأن تفرز هذه الثورة أيضا مبدعيها”. ويعتقد دوارة أنه بعد ثورة 25 يناير سوف تسقط الكتابة الرمزية، وأساليب الإسقاط السياسي وعروض مسرح الجسد والإيماءة، ولن يصبح هناك مكان لتلك العروض التجريبية التي تنحي الخطاب المسرحي جانبا وتعمل على تغييب العقل وتقديم المتعة الحسية فقط، كما يتوقع غياب وانهيار دور البطل الفرد مع تعاظم دور البطولة الجماعية، كما أن المسرح بعد الثورة يحتاج إلى طرح انساني عميق ورؤى فكرية حقيقية. ويقول الكاتب والناقد الفني عصام زكريا “إننا لا نستطيع أن نفصل مجال السينما عن باقي مجالات المجتمع، وبالتالي يتوقف تقدم وتطور السينما من عدمها على تطور وتقدم ورقي المجتمع، ففي حال تقدم المجتمع فسوف يتقدم الفن السينمائي بالتأكيد، والعكس صحيح، والدليل على ذلك أن الفترة الليبرالية في الأربعينات الخمسينيات، وكذلك فترة الثورة الاجتماعية والحرية الفنية في الستينيات، أدت إلى حدوث نهضة سينمائية كبيرة، ونقلة فنية عظيمة، شهد لها واعترف بها الجميع”. ويضيف زكريا: “لم يعد أمامنا غير الانتظار لمعرفة ما سوف تسفر عنه الفترة القادمة، إما أن تأخذنا “للخلف در”، لمدة لا يعلم مداها إلا الله، أو تتغلب قيم الحرية والحداثة والتطور وتحملنا فوق أجنحتها حيث الإبداع والرقي في جميع مجالات الفنون”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©